متن كتاب عیون الانظار
المقام الأوّل: تنجيز العلم الإجمالي
و للتنجيز هنا مرتبتان:
الأُولى: تنجيز العلم الإجمالي بالنسبة إلى وجوب الموافقة الاحتمالية (أي حرمة المخالفة القطعية)، و هذا التنجيز يوجب جواز الرجوع إلى الأصل في بعض الأطراف دون البعض الآخر.
الثانية: تنجيز العلم الإجمالي بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية، و هذا التنجيز يوجب عدم جواز الرجوع إلى الأصل في أطراف العلم الإجمالي مطلقاً.
قال الشيخ الأنصاري!([1]): البحث هنا يقع في المرتبة الأُولى من التنجيز، أمّا البحث عن المرتبة الثانية فهو موكول إلى مباحث البراءة و الاحتياط.
و قال صاحب الكفاية! ([2]): إنّ البحث هنا عن اقتضاء العلم الإجمالي للتنجز بكلتا المرتبتين والبحث في باب البراءة و الاشتغال عن ثبوت المانع شرعاً أو عقلاً.
و الحق هو أنّه يبحث هنا عن كلتا المرتبتين من حيث شؤون العلم كما يبحث في أصالة الاحتياط أيضاً عن كلتا المرتبتين من حيث شؤون الشكّ و الجهل، لأنّ العلم الإجمالي مشوب بالجهل التفصيلي و الشكّ التفصيلي([3]).
أمّا الأقوال في تنجيز العلم الإجمالي
فهنا نشير إلى ستّة أقوال:(1)
القول الأوّل: القرعة و هو مختار السيّد بن طاوس!.
القول الثاني: حلّية جميع أطراف العلم الإجمالي و اختاره العلّامة المجلسي!.
القول الثالث: اقتضائه لوجوب الموافقة الاحتمالية و القطعية.
القول الرابع: العلية التامّة لوجوب الموافقة الاحتمالية فقط.
القول الخامس: العلّية التامّة للموافقة الاحتمالية و الاقتضاء للقطعية.
القول السادس: العلّية التامّة للموافقة الاحتمالية و القطعية.[4]
أما الأقوال الثلاثة الأخيرة، أعني: القول الرابع والخامس و السادس، تشترك في أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة الاحتمالية، و تختلف في أنّ القائل بالقول الرابع لايلتزم بالاقتضاء أو العلّية التامّة لوجوب الموافقة القطعية، و القائل بالقول الخامس يلتزم بالاقتضاء له، و القائل بالقول السادس يلتزم بالعلّية التامّة له. ([5])
و في قبالهم صاحب الكفاية! اعتقد باقتضاء العلم الإجمالي لوجوب الموافقة الاحتمالية، لا بعلّيته التامّة له و سنشير إلى تحقيق مختار صاحب الكفاية! في القول الثالث.
القول الأوّل: القرعة
و هو ما اختاره السيّد بن طاوس! من وجوب تعيين الفرد المشتبه بالقرعة، و هو مبتنٍ على ثبوت العلّية التامّة للعلم الإجمالي بالنسبة إلى وجوب الموافقة الاحتمالية مع عدم ثبوت العلّية التامّة له بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية، فحينئذٍ لابدّ من البحث عن جريان القرعة في المقام.([6])
أدلّة قول الأوّل
الدليل الأوّل: عموم «القرعة لكل أمر مشكل»(1)
و قد نوقش فيه بوجوه: [7]
الوجه الأوّل: إعراض المشهور عن العمل بهذه العمومات.([8])
الوجه الثاني: كثرة ورود التخصيص عليها، يمنع عن العمل بها.([9])
الوجه الثالث: اختصاص موردها بكلّ أمر مشكل أو مجهول، فلا تجري في موارد الأصول العملية، لعدم عدّ موارد الأصول العملية من الأمور المشكلة أو مجهولة.([10])
الدليل الثاني: ما ورد في تعيين الشاة الموطوءة بالقرعة(1)
و أما الرجل الناظر إلى الراعي و قد نزا على شاة فإن عرفها ذبحها و أحرقها، و إن لميعرفها قسم الغنم نصفين و ساهم بينهما فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر، ثم يفرق النصف الآخر فلايزال كذلك حتى تبقى شاتان فيقرع بينهما فأيتها وقع السهم بها ذبحت و أحرقت و نجا سائر الغنم … [11]
الدليل الثالث: ما ورد في التنازع
صحيحة أبي بصير
عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ% قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ$ عَلِيّاً% إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُ حِينَ قَدِمَ: حَدِّثْنِي بِأَعْجَبِ مَا وَرَدَ عَلَيْكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَانِي قَوْمٌ قَدْ تَبَايَعُوا جَارِيَةً فَوَطِئُوهَا جَمِيعاً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَوَلَدَتْ غُلَاماً وَ احْتَجُّوا فِيهِ كُلُّهُمْ يَدَّعِيهِ فَأَسْهَمْتُ بَيْنَهُمْ وَ جَعَلْتُهُ لِلَّذِي خَرَجَ سَهْمُهُ وَ ضَمَّنْتُهُ نَصِيبَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ$: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَوْمٍ تَنَازَعُوا ثُمَّ فَوَّضُوا أَمْرَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَّا خَرَجَ سَهْمُ الْمُحِقِّ.([12])
و رواها الصدوق! بقوله: رَوَى عَاصِمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ% إلّا أنّه قال: «تقارعوا» أي في مكان «تنازعوا».([13])
و هكذا رواها محمد بن الحسن بإسناده عن أبي جعفر%.([14])
و قد نوقش في هذه الأدلّة الخاصّة بوجوه لا نذكرها، دفعاً للتطويل، فراجع.([15])
القول الثاني: حلّية جميع أطراف العلم الإجمالي
و هو ما اختاره العلّامة المجلسي!([16]) من الجواز و الحلية في جميع أطراف العلم الإجمالي لما ورد في الأخبار الصحيحة: «إذا اشتبه عليك الحلال و الحرام فأنت على حلّ حتّى تعرف الحرام بعينه».
و هو مبتن على عدم ثبوت العلّية التامّة بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية حتى تجري تلك الأخبار الصحيحة بالنسبة إلى أحد الطرفين، بل عدم ثبوت العلّية التامّة بالنسبة إلى وجوب الموافقة الاحتمالية حتّى تجري تلك الأخبار بالنسبة إلى كلا الطرفين.
و لذا قال صاحب الكفاية!([17]): «نعم، كان العلم الإجمالي كالتفصيلي في مجرّد الاقتضاء، لا في العلّية التامّة، فيوجب تنجّز التكليف أيضاً لو لميمنع عنه مانع عقلاً، كما كان في أطراف كثيرة غير محصورة أو شرعاً كما في ما أذن الشارع في الاقتحام فيها كما هو ظاهر: “كُلُ شَيْءٍ يَكُونُ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ فَهُوَ حَلَالٌ لَكَ أَبَداً حَتَّى أَنْ تَعْرِفَ الْحَرَامَ مِنْهُ بِعَيْنِهِ” »([18]).([19])
القول الثالث: اقتضائه لوجوب الموافقة الاحتمالية و القطعية
و هو اقتضاء العلم الإجمالي لوجوب الموافقة الاحتمالية (أي حرمة المخالفة القطعية) و اقتضاؤه أيضاً لوجوب الموافقة القطعية و هذا مختار صاحب الكفاية!.
نظرية صاحب الكفاية!
و هي مبتنية على أُمور:
الأمر الأوّل: إنّ الحكم الواقعي إذا علم به يكون فعلياً من جميع الجهات و أمّا مع عدم العلم به فهو فعلي لا من جميع الجهات و لذا لا منافاة بينه و بين جعل الحكم الظاهري لعدم كونهما في مرتبة واحدة.
الأمر الثاني: إنّ مرتبة الحكم الظاهري محفوظة مع العلم الإجمالي، لأنّ التكليف لمينكشف به تمام الانكشاف.
الأمر الثالث: إنّ الحكم الظاهري و الواقعي قد اجتمعا في مورد الشبهات غير المحصورة و لا مضادّة بينهما و إلّا لما أمكن جعل الحكم الظاهري في الشبهات غير المحصورة.
و نحتمل الجمع بينهما في الشبهات البدوية أيضاً و ذلك موجب لاحتمال الجمع بين الضدّين و استحالة احتمال الجمع بين الضدّين كالقطع به و لكن الاستحالة تكون في ما إذا قلنا باجتماع الحكم الواقعي و الظاهري في مرتبة واحدة، و أمّا اذا اختلفا في المرتبة كما في ما نحن فيه فلا منافاة بين الحكم الواقعي و الظاهري.
و نتيجة هذه الأُمور: هي جواز الإذن من الشارع بمخالفة العلم الإجمالي احتمالاً بل قطعاً.
و مقتضى صحّة المؤاخذة على مخالفة العلم الإجمالي مع القطع به بين أطراف محصورة و عدم صحّة المؤاخذة مع عدم حصر الأطراف و أيضاً عدم صحّة المؤاخذة في ما كانت الأطراف محصورة و لكن أذن الشارع في الاقتحام فيها هو أنّ العلم الإجمالي مقتضٍ للتنجّز و ليس علّة تامّة له.([20])
هذا ما أفاده صاحب الكفاية! في هذا المبحث و لكنّه يقول بالعلّية التامّة في مبحث البراءة و الاشتغال، و سيجيء التحقيق حوله في مباحث البراءة و الاشتغال إن شاء الله تعالى.
مناقشات المحقّق الخوئي! في نظرية صاحب الكفاية!
المناقشة الأُولى([21])
إنّ صاحب الكفاية! يرى أنّ الحكم الواقعي ليس فعلياً من جميع الجهات مع عدم العلم به و لازم ذلك هو مدخلية العلم في مقام فعلية التكليف و يرد عليه أنّ العلم لا دخل له في فعلية الحكم بل العلم شرط لتنجّز الحكم و التنجّز ليس من مراتب الحكم.
توضيح ذلك هو أنّ للحكم مرتبتين:
المرتبة الأُولى: مرتبة الجعل و الإنشاء و هي إنشاء الحكم للموضوع المقدّر وجوده على نحو القضية الحقيقية؛ كما في قوله تعالى: (وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).([22])
المرتبة الثانية: مرتبة فعلية الحكم و هي تتحقّق بتحقّق الموضوع خارجاً، كما إذا صار المكلّف في المثال المذكور مستطيعاً.
فلا مدخلية للعلم في مراتب الحكم بل هو دخيل في تنجّز الحكم و لذا لايصحّ العقاب على مخالفة التكليف إلّا مع العلم به.
و الدليل على عدم مدخلية العلم في فعلية الحكم أمران:
الأوّل: هو اشتراك الأحكام بين العالم و الجاهل بها، فلو قلنا بأنّ العلم دخيل في فعلية الحكم يلزم عدم فعلية الأحكام في حقّ الجاهل بها.
الثاني: هو ما تقدّم من عدم إمكان أخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم و إلّا يلزم تقدّم الشيء على نفسه.
إنّ صاحب الكفاية! قال بإمكان الترخيص في أطراف العلم[23]الإجمالي و استشهد لذلك بالترخيص في الشبهات البدوية و الترخيص في أطراف الشبهة غير المحصورة
و يرد عليه: أنّ ذلك مستحيل و لابدّ في توضيحه من بيان وجه الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري فنقول:
إنّ صاحب الكفاية! قال في مقام الجمع بينهما بأنّ الحكم الواقعي هو فعلي من بعض الجهات و لكن الحكم الظاهري فعلي من جميع الجهات فهما مختلفان في الرتبة.
أمّا المحقّق الخوئي! فهو يقول بعدم المضادّة بين الأحكام في أنفسها تبعاً للمحقّق الإصفهاني! و ذلك لعدم التضادّ في عالم الاعتبار.
فالتنافي بين الحكم الواقعي و الظاهري إنّما يكون في موردين: المبدأ و المنتهى.
والمراد بالمبدأ ما يعبّر عنه بعلّة الحكم مسامحة من المصلحة والمفسدة كما عليه الإمامية و المعتزلة أو الشوق و الكراهة كما عليه الأشاعرة المنكرون لتبعية الأحكام للمصالح و المفاسد.
و المراد بالمنتهى مقام الامتثال.
والوجه في عدم التنافي بين الحكم الواقعي و الحكم الظاهري بالبراءة في الشبهات البدوية هو عدم التنافي بينهما لا في المبدأ و لا في المنتهى.
أمّا في المبدأ فلأنّ المصلحة في الحكم الظاهري إنّما تكون في نفس الحكم لا في متعلقه، و أمّا المصلحة في الحكم الواقعي هو في متعلق الحكم لا في نفس الحكم.
و أمّا في المنتهى فلأنّ موضوع الحكم الظاهري هو الشكّ في الحكم الواقعي و عدم تنجّزه لعدم وصوله إلى المكلّف و ما لم يصل الحكم الواقعي لايحكم العقل بلزوم امتثاله و إذا وصل الحكم الواقعي و حكم العقل بلزوم امتثاله لايبقى مجال للحكم الظاهري فيرتفع الحكم الظاهري بارتفاع موضوعه و هو الجهل بالحكم الواقعي.
فالحكم الواقعي والحكم الظاهري في الشبهة البدوية لايتنافيان.
و لكنّهما في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي متنافيان و التنافي ليس في المبدأ لأنّ مصلحة الحكم الواقعي أو مفسدته في المتعلّق، و أمّا المصلحة أو المفسدة في الحكم الظاهري ففي نفس الحكم لا في المتعلق.
و أمّا التنافي في مقام الامتثال فهو موجود بلا كلام، لعدم الفرق في حكم العقل بلزوم الامتثال بين وصول الحكم بالعلم التفصيلي و الإجمالي، لأنّه إذا وصل التكليف إلى العبد من حيث الكبرى بمعنى علمه بحرمة شرب الخمر مثلاً، و من حيث الصغرى بمعنى علمه بتحقّق الخمر خارجاً فقد تمّ البيان و لايكون العقاب على المخالفة حينئذٍ عقاباً بلا بيان، و أمّا تمييز متعلّق التكليف من غيره فغير لازم، فإنّ تردّد الخمر بين مائعين لا دخل له في موضوع حكم العقل بقبح المخالفة، فعلى هذا الحكم الواقعي المعلوم إجمالاً منجّز، فلو التزمنا بالحكم الظاهري المنجّز في أطراف العلم الإجمالي يلزم محذور اجتماع الضدّين في مقام الامتثال.
إنّ صاحب الكفاية! أجاب عن استدلال القائلين بالعلّية التامّة بالنقض بالشبهة غير المحصورة لجعل الحكم الظاهري بالترخيص في أطراف العلم الإجمالي، إذ لو كان العلم الإجمالي علّة تامّة للتنجّز للزم اجتماع الضدّين.
و لكن يرد عليه أنّ الوجه في عدم تنجّز العلم الإجمالي في الشبهات غير المحصورة إمّا عدم قدرة المكلّف على الإتيان بجميع الأطراف في الشبهات الوجوبية و عدم القدرة على ترك جميع الأطراف في الشبهات التحريمية إمّا كون الحكم الواقعي حينئذٍ حرجياً أو ضررياً.
فالملاك في عدم تنجّز العلم الإجمالي في الشبهات غير المحصورة ليس هو اقتضاء العلم الإجمالي للتنجّز مع وجود المانع عنه بل الملاك إمّا عدم التمكّن من الامتثال أو حرجيته أو ضرريته فالعلم الإجمالي علّة تامّة للتنجّز و لايرد عليه النقض بالشبهات غير المحصورة. ([24])
ملاحظات ثلاث على ما أفاده المحقّق الخوئي!
إنّ ما أفاده في مراتب الحكم لايتمّ، لأنّ التنجّز أيضاً من مراتب الحكم حيث إنّ حقيقة الحكم هو الإنشاء بداعي جعل الداعي و لاتحصل الداعوية الفعلية إلّا بالتنجّز، و التحقيق هو أنّ مراتب الحكم ثلاث: الإنشاء و الفعلية و التنجّز و البحث موكول إلى محلّه.([25])
إنّ ما أفاده في المناقشة الثانية أيضاً لايخلو عن إشكال و ذلك سيتّضح عند بيان نظرية المحقّق الإصفهاني!.
ما أجاب به عن النقض بالشبهة غير المحصورة في المناقشة الثالثة كذلك فيها محلّ للنظر لأنّ عدم التمكّن من الاجتناب عن جميع أطراف الشبهة في الشبهات التحريمية لاينافي وجوب الاجتناب عن بعض الأطراف للتمكّن من الاجتناب عن البعض، و هكذا عدم التمكّن من الإتيان بجميع الأطراف في الشبهات الوجوبية لاينافي وجوب الإتيان ببعض الأطراف بقدر التمكّن، فلابدّ من تنجّز الحكم بالموافقة الاحتمالية للتمكّن منها.
كما أنّ دليلي «لا حرج» و «لا ضرر» يقتضيان الحكم الثانوي بالترخيص بقدر ما يرتفع به الحرج و الضرر و لايوجبان عدم تنجّز الحكم رأساً.
ثمّ إنّ هناك وجهاً رابعاً للترخيص في أطراف الشبهة غير المحصورة غير ما ذكر من عدم التمكّن و الحرج و الضرر و هو اطمينان المكلّف عند ارتكاب كلّ مورد من أطراف الشبهة غير المحصورة بأنّ ذلك المورد ليس متعلّقاً للحكم بوجوب الاجتناب مثلاً في الشبهة التحريمية و ذلك لقلة احتمال أن يكون هذا المورد هو متعلّق الحكم التحريمي مثلاً لأنّ الشبهة غير محصورة على الفرض و احتمال كونه هو متعلّق الحكم التحريمي موهوم فالترخيص في كل مورد من أطراف الشبهة غير المحصورة هو لوجود الاطمينان و حجيته ببناء العقلاء.
القول الرابع: العلية التامّة لوجوب الموافقة الاحتمالية فقط
و هو العلّية التامّة لوجوب الموافقة الاحتمالية و هذا مختار الوحيد البهبهاني([26]) و نسب هذا القول إلى صاحب المدارك! و جمع من الأعلام#. ([27])
و المستفاد من كلام المحقّق القمّي! أيضاً ذلك، حيث قال: «و الأقوى فيه أيضاً أصالة البراءة، بمعنى أنّه يجوز الاستعمال بحيث لايحصل العلم بارتكاب الحرام، و نحن لانحكم بحلّية المجموع أبداً حتّى يلزم الحكم بحلّية الحرام الواقعي اليقيني، و لانحكم بحلّية أحدهما بعينه و حرمته ليلزم التحكّم، بل نقول بحلّية الاستعمال ما لميتحقّق استعمال ما لاينفكّ عن استعمال الحرام جزماً، لا بمعنى الحكم بأنّه الحلال الواقعي حتّى يلزم التحكّم، بل بمعنى التخيير في استعمال أيّ منهما أراد من حيث إنّه مجهول الحرمة لعدم المرجّح، و نحن نقول بوجوب إبقاء ما هو مساو للحرام الواقعيّ أو أزيد منه».([28])
و نسب هذا القول إلى صاحب الرياض! و لكن يعارضها بعض كلماته في رياض المسائل.([29])
و قد صرّح بعضهم بعدم الاقتضاء و عدم العلّية بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية.
القول الخامس: العلّية التامّة للموافقة الاحتمالية و الاقتضاء للقطعية
و هذا مختار الشيخ الأنصاري!([30])و بعض الأعلام مثل المحقّق النائيني!([31]).
القول السادس: العلّية التامّة للموافقة الاحتمالية و القطعية
و هو العلّية التامّة لوجوب الموافقة الاحتمالية و العلّية التامّة لوجوب الموافقة القطعية و هو مختار المحقّق العراقي و المحقّق الإصفهاني”([32]).
بيان المحقّق الإصفهاني!([33])
إنّ ما أفاده في المقام يبتني على أربع مقدّمات:
إنّ حقيقة الحكم الحقيقي هو الإنشاء بداعي جعل الداعي و البعث و التحريك و الإنشاء يتّصف بكونه داعياً و باعثاً و محرّكاً بعد وصوله إلى العبد.
و لايمكن أن يكون الإنشاء الواقعي داعياً و باعثاً و محرّكاً أو زاجراً و ناهياً بما هو أمر واقعي و لا بما هو ملتفت إليه من دون قيام الحجّة عليه، إذ لايكون الإنشاء المزبور بعثاً على أيّ تقدير إلّا بلحاظ باعثيته في أُفق النفس، فما في أُفق النفس بوجوده العلمي التصديقي هو الباعث بالذات و ما في الخارج باعث بالعرض كالمعلوم بالذات و المعلوم بالعرض.
و لابدّ هنا من إشارة إجمالية إلى مراتب الحكم حتّى يتّضح مراده هنا، فإنّه! قال سابقاً: إنّ مراتب الحكم ثلاثة و لكن صاحب الكفاية! اعتقد بأنّها أربعة:
الأُولى: مرتبة الاقتضاء و جعل هذه المرتبة من مراتب ثبوت الحكم بلحاظ أنّ للمقتضى ثبوتاً في مرتبة ذات المقتضي ثبوتاً مناسباً لمقام العلّة لا المعلول.
الثانية: مرتبة الإنشاء و الإنشاء هو إيجاد المعنى باللفظ إيجاداً لفظياً بحيث ينسب الوجود الواحد إلى اللّفظ بالذات و إلى المعنى بالعرض، لا إليهما بالذات فإنّه غيرمعقول.
الثالثة: مرتبة الفعلية و في هذه المرحلة يبلغ الحكم درجة حقيقة الحكمية و يكون حكماً حقيقياً و بعثاً و زجراً جدياً بالحمل الشائع الصناعي.
و بين الوجود الإنشائي و الوجود الحقيقي مباينة تباين الشيء بالحمل الأوّلي و بالحمل الشائع.
الرابعة: مرتبة التنجّز و بلوغ الحكم إلى حيث يستحقّ العقاب على مخالفته.
و المحقّق الإصفهاني! يعتقد بأنّ مراتب الحكم ثلاثة: الاقتضاء و الإنشاء و التنجّز؛ و ذلك لأنّ المراد من الفعلية إمّا الفعلية من قبل المولى كما هو مختار المحقّق الإصفهاني! و إمّا الفعلية بقول مطلق.
فإن كان المراد هو الحكم الفعلي من قبل المولى فإنّه عين مرتبة الإنشاء، حيث إنّ الإنشاء بلا داع محال و بداعٍ آخر غير جعل الداعي ليس من مراتب الحكم الحقيقي، و بداعي جعل الداعي عين الفعلي من قبل المولى.
و إن كان المراد هو الحكم الفعلي بقول مطلق فهو متقوّم بالوصول و هو مساوق للتنجّز. هذا ما أفاده([34]) في مراتب الحكم.
و المحقّق الإصفهاني! يرى أنّ الإنشاء بداعي جعل الداعي ليس حكماً و إنشاءً حقيقياً ما لميصل إلى المكلّف بل هو حكم بحمل أوّلي لا بحمل شائع، فلايكون مصداقاً للبعث الجدي و فرداً له.
الوجه الأوّل: إنّ موطن الدعوة أُفق النفس، فلاتعقل دعوة الإنشاء المزبور إلّا بوجوده العلمي الواقع في موطن الدعوة، لا بوجوده الواقعي الخارج عن أُفق النفس.
الوجه الثاني: إنّ الإنشاء بداعي جعل الداعي لايدعو في نفوس العامّة إلّا باعتبار ما يترتّب على مخالفته من العقوبة، فما لميصل بنحو يستحقّ على مخالفته العقاب لايمكن أن يكون داعياً فلابدّ من وصوله تحقيقاً لدعوته. ([35])
إنّ المحقّق الإصفهاني! يعتقد بأنّ الحكم الواقعي معلوم تفصيلاً بل طرف العلم لابدّ أن يكون معلوماً تفصيلاً، فالترديد هو في متعلّق طرف العلم و لذا قال:([36])
إنّ حقيقة العلم الإجمالي المصطلح عليه في هذا الفنّ لاتفارق العلم التفصيلي في حدّ العلم و ليسا هما طورين من العلم.
بل إنّ طرف العلم ينكشف به تفصيلاً لا مجال للتردّد فيه بما هو طرف للعلم، لأنّ ما هو قائم بالنفس الذي به تشخّص مقولة العلم أمر جزئي شخصي بحسب هذا الوجود و المردّد بما هو مردّد لا ثبوت له ماهية و لا هوية، إذ كلّ ماهية لها نحو من التعيّن الماهوي الذي به يمتاز عن سائر الماهيات و كلّ هوية بنفسها ممتازة عن سائر الهويات، كيف و الوجود نفس التشخّص، و الوحدة رفيق الوجود تدور معه حيثما دار.
نعم متعلّق طرف العلم مجهول أيّ غير معلوم، فلميلزم تعلّق صفة حقيقية و لا اعتبارية بالمردّد.
فهنا علم تفصيلي بالوجوب و علم آخر بأنّ طرفه لايخرج عن الطرفين، و لايعقل تعلّق العلم بأنّ طرفه أحد الأمرين، لرجوعه إلى العلم بطرفية أحد الأمرين و هو من تعلّق العلم بالمردّد.
إنّ ملاك استحقاق العقاب هتك حرمة المولى و الظلم عليه بالخروج عن رسوم الرقّية و مقتضيات العبودية، لا المخالفة و تفويت الغرض و ارتكاب المبغوض، لوجود الكل في صورة الجهل مع عدم الاستحقاق عقلاً، بداهة أنّ زيّ الرقّية و رسم المملوكية ليس يقتضي موافقة أمر المولى و نهيه مع الجهل بهما و ليس عدمها ظلماً عليه و هتكاً لحرمته، بخلاف ما إذا انكشف المطلوبية و تبيّن المحبوبية.
إنّ هتك حرمة المولى و الظلم عليه من العناوين القبيحة بالذات و تخلّف الذاتي عن ذي الذاتي محال.
إذا عرفت هذه الأُمور فنقول:
إنّ الحكم الذي ينبغي أن يكون محلّ الكلام ما عرفت في الأمر الأوّل و هو ما بلغ درجة حقيقة الحكمية حتّى يتمحّض الكلام في تفاوت نفس العلم التفصيلي و الإجمالي في التنجيز و عدمه.
و حيث إنّ العلم الإجمالي لايفارق التفصيلي في حقيقة انكشاف أمر المولى و نهيه، فلامحالة يتمحّض البحث في أنّ الجهل التفصيلي بمتعلّق طرف العلم يعقل أن يجعل عذراً شرعاً أو عقلاً أم لا؟ و حيث إنّ ملاك استحقاق العقاب كما في الأمر الثالث هتك حرمة المولى و هو منطبق على المخالفة للحكم المعلوم في البين و لو لميعلم الطرف المعلوم تفصيلاً فلا فرق بين العلمين في التنجيز.
ملاحظات ستّ على ما أفاده المحقّق الإصفهاني!
ما أفاده في المقدّمة الأُولى من جعل مرتبة الاقتضاء من مراتب الحكم ممنوع، لأنّ ما استدلّ به من أنّ المقتضى موجود في مرتبة ذات المقتضي لايجري في الاعتباريات و الحكم أمر اعتباري.
إنّ الحكم قبل مرتبة التنجّز يكون حكماً حقيقياً، لاشتراك الأحكام بين العالم و الجاهل، فلو كان الوصول سبباً لكون الحكم حقيقياً لمّا كانت الأحكام الحقيقية مشتركة بينهما، لأنّ الجاهل لميصل إليه الحكم، فلابدّ أن لايكون الحكم بالنسبة إليه حكماً حقيقياً، مع أنّ الحكم الحقيقي مشترك بينه و بين العالم، هذا بالنسبة إلى مرتبة الفعلية.
بل الحكم في مرحلة الإنشاء أيضاً يكون حكماً حقيقياً، لأنّ الحكم الاعتباري يوجد في مرتبة الإنشاء في عالم الاعتبار، و حقيقة الحكم هو وجوده الاعتباري سواء وجد له الموضوع الخارجي أم لا، والحكم في مرحلة إيجاد الحكم في عالم الاعتبار و إبرازه و إبلاغه حكم حقيقي إنشائي.
إنّ مصداق الحكم الحقيقي في مرتبة كونه حكماً حقيقياً مقدّم على مرتبة كونه بعثاً حقيقياً، فالحكم أمر اعتباري يجعل لأن يكون بعثاً حقيقياً، فإنّ الحكم بعد ايجاده في عالم الاعتبار و إظهاره و إبرازه و بعد تحقّق موضوعه في الخارج و بعد وصوله إلى المكلّف و تحقّق داعويته الإمكانية يكون بعثاً حقيقياً.
و الداعوية الإمكانية ظرفها عالم النفس و التكوين و لكن الحكم ظرفه عالم الاعتبار فلو كانت الداعوية الإمكانية دخيلة في كون الحكم حقيقياً إمّا يلزم كون التكويني اعتبارياً أو كون الاعتباري تكوينياً و كلاهما محال.
والبعث الحقيقي و الداعوية الإمكانية متلازمان، فإذا كان الحكم موجباً للداعوية الإمكانية في نفس المكلّف يتّصف بالبعث الحقيقي و ذلك لايكون إلّا في مرحلة التنجّز.
إنّ المحقّق الإصفهاني! لميعتبر مرحلة الفعلية من مراحل الحكم و لابدّ من عدّها منها، لأنّ الحكم بوجود الموضوع يتعلق بذمّة المكلّف غالباً و لابدّ من عدّ تعلق الحكم و فعليته في حقّ المكلّف من مراتب الحكم، فهو أمر متوسّط بين الفعلية من قبل المولى و الفعلية المطلقة من جميع الجهات.
إنّ للتنجّز مراتب مختلفة لأنّ الوصول أيضاً له مراتب مختلفة.
أمّا مراتب الوصول فثلاثة:
المرتبة الأُولى من وصول الحكم هو العلم بإنشاء الحكم.
المرتبة الثانية من وصول الحكم هو العلم بموضوع الحكم أعني وجود المكلّف و تحقّق الموضوع لمتعلّق الحكم، فإنّ الحرمة تتعلّق بشرب الخمر و الشرب هو المتعلّق و موضوعه الخمر.
المرتبة الثالثة من وصول الحكم هو العلم بمتعلق الحكم بشخصه.
و التنجّز التامّ يتحقّق في ما تحقّق الوصول التامّ، أمّا إذا كان الوصول ناقصاً فالتنجّز ليس تامّاً بل هو تنجّز ناقص، والتنجّز الناقص و إن كان مستلزماً لاستحقاق العقاب على مخالفته إلّا أنّ متعلقه عنوان «ما لايخرج عن أطراف العلم» لا نفس طرف العلم الإجمالي و إرشاد الجاهل بالنسبة إلى من لايعلم إنشاء الحكم واجب، و أمّا إرشاده بالنسبة إلى من لايعلم وجود الموضوع أو لايعلم خصوص متعلق الحكم بشخصه فليس بواجب إلّا في ما هو المهمّ مثل الدماء و الفروج.
و الجهل بالمرتبة الأُولى و الثانية من وصول الحكم يوجب انتفاء التنجّز و أمّا إذا علم المكلّف إنشاء الحكم و علم أيضاً وجود الموضوع للحكم فيوجب ذلك تحقق اقتضاء التنجّز فالعلم حينئذٍ مقتض للتنجّز بالنسبة إلى كلّ طرف من أطراف العلم الإجمالي و العلم بمتعلق الحكم بشخصه يوجب تحقّق التنجّز التامّ و العلم في هذه المرتبة الثالثة علة تامّة للتنجّز.
و العلم الإجمالي في ما نحن فيه يوجب وصول الحكم بالمرتبة الثانية للوصول فهو مقتض للتنجّز بالنسبة إلى كلّ طرف من أطراف العلم الإجمالي.
إنّ ما أفاده من أنّ ملاك استحقاق العقاب هو الهتك لا المخالفة و لا تفويت الغرض و لا ارتكاب المبغوض تامّ، كما أنّ ما أفاده في المقدمة الرابعة من أنّ الهتك من العناوين المقبّحة بالذات أيضاً صحيح بلا إشكال و لكن الكلام في انطباق الهتك على ارتكاب أطراف الشبهة في العلم الإجمالي.
والحكم المعلوم بالعلم الإجمالي حيث إنّه واصل بالمرتبة الثانية من الوصول مقتض للتنجّز بالنسبة إلى كلّ طرف من أطراف العلم الإجمالي و أيضاً مقتض لانطباق عنوان الهتك على ارتكاب كلّ طرف من أطرافه بمعنى أنّ ارتكاب كلّ طرف من أطراف العلم الإجمالي ليس هتكاً على كلّ تقدير بل هو هتك فيما لميرخّص الشارع في ارتكابه.
فحينئذٍ إذا لميرد ترخيص من الشارع في ارتكاب كلّ طرف من الأطراف يكون الحكم المعلوم إجمالاً منجّزاً بالنسبة إليه لأنّ المقتضي موجود و لميرد مانع عن فعليته و عند ذلك ينطبق عنوان الهتك على ارتكابه لأنّ مقتضي انطباق عنوان الهتك عليه موجود و المانع مفقود.
و من جانب آخر: إنّ قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل تجري بالنسبة إلى كلّ طرف من أطراف العلم الإجمالي في ما لميرد ترخيص من الشارع في ارتكابه فإنّ القاعدة العقلية المذكورة موضوعها الضرر المحتمل فلو ورد الترخيص من الشارع في طرف من الأطراف ينتفي احتمال الضرر في ارتكابه، و نتيجة ذلك انتفاء موضوع هذه القاعدة العقلية.
فلابدّ من البحث عن وجود المرخّص.
البحث عن ورود الترخيص:
قبل الورود في البحث عنه لابدّ من التنبيه على نكتة مهمّة و هي أنّ إنشاء الحكم معلوم تفصيلاً كما أنّ وجود الموضوع للحكم و فعليته أيضاً معلوم تفصيلاً و العلم بإنشاء الحكم و بوجود الموضوع له يوجب وصول الحكم إلى المكلّف و تنجيزه بالنسبة إليه إلّا أنّ متعلّق الحكم عنوان ما لايخرج عن الطرفين و الجهل بخصوصية المتعلّق بشخصه مستلزم لأن يكون التنجّز بالنسبة إلى كلّ طرف من الأطراف في حدّ الاقتضاء، إلّا أنّ تنجّز الحكم بالنسبة إلى عنوان ما لايخرج عن الطرفين ليس اقتضائياً.
و نتيجة ذلك هو أنّه لو ورد مرخّص مطلق يشمل جميع الأطراف يوجب عدم تحقّق التنجّز بالنسبة إلى كلّ فرد من أطراف العلم الإجمالي لأنّه يمنع عن فعلية اقتضاء التنجّز بالنسبة إليه و لكن مع ذلك لايمكن ارتكاب جميع الأطراف لأنّه ينتهي إلى مخالفة الحكم المنجّز الذي تعلّق بعنوان ما لايخرج عن الطرفين.
و معنى ذلك هو أنّه لاتجوز المخالفة القطعية للحكم المنجّز المتعلّق بعنوان ما لايخرج عن الطرفين و أمّا ارتكاب بعض الأطراف فلا مانع عنه لوجود الترخيص من الشارع بحسب الفرض.
و قد استدلّ على ذلك بروايتين([37])
و هي ما رواه الكليني!([38]) عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ% قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «كُلُّ شَيْءٍ هُوَ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ؛ وَ ذَلِكَ مِثْلُ الثَّوْبِ يَكُونُ عَلَيْكَ قَدِ اشْتَرَيْتَهُ وَ هُوَ سَرِقَةٌ أَوِ الْمَمْلُوكِ عِنْدَكَ وَ لَعَلَّهُ حُرٌّ قَدْ بَاعَ نَفْسَهُ أَوْ خُدِعَ فَبِيعَ أَوْ قُهِرَ أَوِ امْرَأَةٍ تَحْتَكَ وَ هِيَ أُخْتُكَ أَوْ رَضِيعَتُكَ وَ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا عَلَى هَذَا حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ تَقُومَ بِهِ الْبَيِّنَةُ».
سند الرواية:
الرواية صحيحة سندها فإنّ هارون بن مسلم ثقة جليل القدر من أصحابنا، و كذلك مسعدة بن صدقة ثقة من أصحاب الإمام الصادق% و بعض الأعلام عبّر عنها بالموثّقة على أنّ المقصود به هو مسعدة العامي الذي لقي الباقر%. و قال الشيخ!: إنه عامي، ([39]) و قال الكشي: إنه بتري.([40])
و قد وقع الخلاف في أنّ مسعدة بن صدقة الربعي الذي هو مختلف فيه يتّحد مع مسعدة بن زياد الربعي الثقة([41])، كما ذهب إليه المحقّق البروجردي! و بعض أساتذتنا مثل السيّد المحقّق الزنجاني>([42]) أم لا؟
كما هنا بحث في أنّ مسعدة بن صدقة واحد كما عليه المشهور أو متعدد، كما ذهب إليه المحقّق الخوئي! في بعض كلماته.
إليك نصّ عبارة المحقّق الخوئي!، قال: «أن الشيخ ذكر في أصحاب الباقر% أن مسعدة بن صدقة عامّي – كما ذكر الكشّي أنّه بتري – و لم يذكر عند ذكره في أصحاب الصادق% أنه عامّي، كما لم يذكر ذلك في فهرسته، و كذلك النجاشي، و من ذلك يظهر أن من هو من أصحاب الصادق% مغاير لمن هو من أصحاب الباقر%، و البتري العامي هو الأوّل، دون الثاني الثقة الذي يروي عنه هارون بن مسلم.
و مما يؤكد ذلك أن النجاشي ذكر الثاني، و قال: روى عن أبي عبد الله% و أبي الحسن%، فإنّ اقتصاره على ذلك يدل على أنه لم يرو عن الباقر%. و يؤيد هذا أن هارون بن مسلم، روى عنه سعد بن عبد الله المتوفى حدود (300)، و عبد الله بن جعفر الحميري الذي هو في طبقة سعد، و يبعد روايتهما عن أصحاب الباقر% بواسطة واحدة، و عليه فمن يروي عنه هارون بن مسلم، يغاير من هو من أصحاب الباقر%، و الله العالم.» ([43])
نعم، إنّ المحقّق الخوئي! يصرّح في مسعدة بن صدقة في روايته المشهورة «كُلُّ شَيْءٍ هُوَ لَكَ حَلَالٌ…» بأنّه ضعيف.([44])
و فيه: أنّا نعتقد بوثاقة مسعدة بن صدقة، لأنّ جميع رجال كامل الزيارة موثقون عندنا إلا من ثبت ضعفه.
دلالة الرواية:
إنّ الرواية تدلّ على الترخيص في أطراف الشبهة في العلم الإجمالي هو بمقتضى إطلاق الصدر «كُلُّ شَيْءٍ هُوَ لَكَ حَلَالٌ» و قد استثني عنه في عجز الرواية العلم بكونه حراماً بعينه فإنّه غاية للحكم الظاهري و كلمة «بِعَيْنِهِ» تدلّ على لزوم تعيين متعلّق الحرمة، فيكون المعنى حتى تعلم أنّ هذا الشيء بعينه و بشخصه حرام، و هذا منحصر في ما إذا تحقّق العلم التفصيلي بخصوص المتعلّق، و أمّا ما نحن فيه و هو تعلّق العلم الإجمالي بمتعلّق الحكم مع عدم تعيين متعلق الحكم بعينه و بشخصه فهو باقٍ تحت إطلاق صدر الرواية فيحكم عليه بالحلّية.
قد أشكل على ذلك الشيخ الأنصاري!([45])
إنّ كلمة «بِعَيْنِهِ» يمكن أن تكون للتأكيد على العلم و يكون معناها حتّى تعلم بحرمة الشيء و تعرف حرمته بالعلم بعينه لا بالظنّ و غير ذلك، فقوله%: «بِعَيْنِهِ» للتأكيد على العلم لا لتعيين متعلّق الحرمة الذي هو معلوم بالإجمال، فأطراف العلم الإجمالي داخلة في عجز الرواية و محكومة بالحرمة لإطلاق العلم بالنسبة إلى العلم التفصيلي و الإجمالي.
و تؤيّده الأمثلة المذكورة في الرواية حيث إنّ جميعها موارد الحكم بالحلّية في ما لا علم بالحرمة لا تفصيلا و لا إجمالاً فعلى هذا الرواية مجملة لايمكن التمسّك بها للترخيص في أطراف العلم الإجمالي.
إنّ ذلك صرف احتمال لايوجب إجمال الرواية، لأنّه خلاف الظاهر، فإنّ الرواية ظاهرة في أنّ كلمة «بِعَيْنِهِ» جزء للجملة الاسمية التي تعلّق بها العلم و هي: إنّه بعينه حرام و إرجاعه إلى تأكيد العلم الذي هو مادّة قوله «تعلم» خلاف الظاهر لعدم ذكر كلمة «العلم» في الرواية صريحاً مع أنّ متعلّق الحرمة و هو الشيء مذكور صريحاً و ضمير «أنّه» يرجع إليه، مع أنّ الأقرب يمنع الأبعد و الأقرب إلى كلمة «بِعَيْنِهِ» هو الضمير المذكور في الجملة الاسمية التي تشتمل على كلمة «بِعَيْنِهِ»، لا العلم.
فلا إجمال في الرواية و هي تدلّ بإطلاق صدرها على الترخيص في أطراف العلم الإجمالي.([46])
و هي صحيحة عبد الله بن سنان قد رواها المشايخ الثلاثة#.
محمّد بن علي بن الحسين (الصدوق!) بإسناده عن الحسن بن محبوب عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ للهِ% قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ فَهُوَ حَلَالٌ لَكَ أَبَداً حَتَّى أَنْ تَعْرِفَ الْحَرَامَ مِنْهُ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَهُ.» ([47])
و رواها محمّد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد و أحمد بن محمد عن ابن محبوب مثله إلّا أنّ صدرها في الكافي لايشتمل على كلمة «يكون» بل هو بهذا النحو «كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ». ([48])
و رواها الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب و بإسناده عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب مثله. ([49])
و صدر الرواية بإطلاقه يشمل أطراف العلم الإجمالي خصوصاً مع قوله%: «يَكُونُ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ».
كما أنّ عجز الرواية ظاهر في أنّ المستثنى عن الحلّية هو ما تُعرف حرمته بعينه و بشخصه و هو ما تعلّق به العلم التفصيلي أمّا ما تعلّق العلم الإجمالي بحرمته فهو باقٍ تحت إطلاق صدر الرواية.
نتيجة البحث
إنّ المخالفة القطعية للعلم الإجمالي حرام لتنجّز الحكم بالعلم الإجمالي فإنّ الحكم معلوم تفصيلاً و وجود الموضوع لهذا الحكم أيضاً معلوم و لكن حيث لميميّز متعلّقه خارجاً فهو متعلّق بما لايخرج عن الطرفين أو الأطراف.
أمّا الموافقة القطعية فلاتجب([50])، لأنّ العلم الإجمالي يوجب التنجيز بالنسبة إلى الحكم المتعلّق بما لايخرج عن الطرفين، و أمّا بالنسبة إلى كلّ طرف من أطراف العلم الإجمالي فهو مقتض للتنجيز و فعلية التنجيز متوقّفة على عدم وجود المرخّص من الشارع، و لكن صحيحة عبد الله بن سنان بل معتبرة مسعدة بن صدقة تدلّان على الترخيص بوضوح و هذا الترخيص يشمل كلا الطرفين أو جميع أطراف العلم الإجمالي(1)، و أمّا بعد ارتكاب أحد الطرفين فلايجوز ارتكاب الآخر لتنجّز الحكم بما أنّه متعلّق بعنوان ما لايخرج عن الطرفين.[51]
فالمختار: هو أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة للتنجّز بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية (أي وجوب الموافقة الاحتمالية) و مقتض للتنجّز بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية كما ذهب إليه الشيخ الأنصاري و المحقّق النائيني” خلافاً لصاحب الكفاية! حيث قال بالاقتضاء في كلا المقامين و خلافاً للمحقّق الإصفهاني و المحقّق العراقي” حيث ذهبا إلى العلية التامّة فيهما.([52])
المقام الثاني: كفاية الامتثال الإجمالي
و فيه جهات ثلاث:
كفاية الامتثال الإجمالي مع عدم التمكّن من القطع بالامتثال التفصيلي و الظنّ به.
كفاية الامتثال الإجمالي مع التمكّن من القطع بالامتثال التفصيلي.
كفاية الامتثال الإجمالي مع عدم التمكّن من القطع بالامتثال التفصيلي و التمكّن من الظنّ به.
الجهة الأُولى
إنّ العقل و الشرع يحكمان بكفاية الامتثال الإجمالي فيما لميتمكّن من الامتثال التفصيلي سواء كان الامتثال الإجمالي مستلزماً للتكرار أم غير مستلزم له و سواء كان الحكم الواقعي منجزاً مثل أطراف العلم الإجمالي أم غير منجّز مثل الشبهات البدوية قبل الفحص أو بعد الفحص و سواء كان الحكم من التوصّليات أم كان من التعبّديات.
الجهة الثانية
هنا قسمان:
و هي كفاية الامتثال الإجمالي مع التمكّن من القطع بالامتثال التفصيلي و هي إمّا في التوصّليات و العقود والإيقاعات و التعبّديات التي لايتنجّز فيها الواقع و إمّا في التعبّديات التي يتنجّز فيها الواقع مثل العلم الإجمالي أو لا عذر في مخالفتها مثل الشبهات البدوية قبل الفحص، و سيأتي تفصيلها.
القسم الأوّل
لا إشكال في كفاية الامتثال الإجمالي في التوصّليات لأنّ الغرض فيها هو تحقّق المأمور به في الخارج و لا دخل لنيّة المكلّف فيها، مثل غسل المتنجّس المردّد بين الشيئين و مثل غسل المتنجّس المعيّن تارة بالماء المطلق و أُخرى بالماء المضاف، و هكذا الأمر في باب العقود و الإيقاعات حيث يحتاط العاقد بإجراء الصيغ المختلفة في عقد النكاح مثلاً حتّى يحصل له القطع بإنشاء الصيغة التي اعتبرها الشارع.
إيراد الشيخ الأنصاري! في باب العقود و الإيقاعات([53])
إنّ الامتثال الإجمالي فيها مستلزم لعدم الجزم فيها و هذا يرجع إلى بطلان التعليق في الإنشائيات.
الجواب الأوّل([54])
إنّ الإنشاء في العقود و الإيقاعات يبتني على أُمور:
الأوّل: الاعتبار النفساني في نفس المنشئ.
الثاني: المظهر لهذا الاعتبار النفساني و هو الصيغة الإنشائية التي قد تعتبر فيها خصوصيات من قبل الشارع.
الثالث: إمضاء الشارع لهذا الاعتبار.
و المراد من الجزم في الإنشائيات الذي قالوا باعتباره في قبال التعليق فيها الذي تحقّق الإجماع على بطلان العقد والإيقاع به هو الجزم في الاعتبار النفساني بأن يكون جازماً في هذا الاعتبار الذي أنشأه لا متردّداً.
و أمّا التردّد في ما يظهر و يبرز الاعتبار النفساني الذي يوجب الاحتياط بذكر الصيغ المختلفة حتّى يعلم بتحقّق الخصوصية التي اعتبرها الشارع في الصيغة المبرزة للاعتبار النفساني فلا إشكال فيه.
إنّ هذا الجواب لايكفي لدفع إيراد الشيخ!، لأنّ الإجماع قام على بطلان التعليق في الإنشاء لا في الاعتبار النفساني فقط، كما أنّهم قالوا باعتبار الجزم في الإنشاء لا في الاعتبار النفساني، والصيغة المبرزة على قول المجيب ليست خارجة عن حقيقة الإنشاء.
الحق في الجواب هو ما أفاده المحقّق الخوئي! في عجز كلامه([55]) و هو أنّ الجزم و عدم التعليق معتبر في ما هو الإنشاء بنظر العرف و العقلاء مع قطع النظر عن إمضاء الشارع له و مثّل لذلك بأنّ الوالد لو أوقع البيع الربوي مع ولده مع العلم بعدم إمضاء الشارع حين الإنشاء ثم انكشف إمضاء الشارع يحكم بصحّة المعاملة المذكورة.
أمّا التعبّديات التي لايتنجز فيها الواقع مثل الشبهات البدوية بعد الفحص والشبهات الموضوعية فلا خلاف في حسن الامتثال الإجمالي فيها لعدم تنجيز التكليف فيها حتّى يتحقّق ما ينافي الامتثال الإجمالي.
القسم الثاني
و هي التعبّديات التي يتنجّز فيها الواقع مثل العلم الإجمالي أو التعبّديات التي لا عذر في مخالفتها مثل الشبهات الحكمية البدوية قبل الفحص، فالامتثال الإجمالي فيها إمّا غير مستلزم للتكرار و إمّا مستلزم له.
هنا صورتان:
الصورة الأُولى: الامتثال الإجمالي في ما لايستلزم التكرار
هنا أربع مسائل لأنّ التكليف فيها إمّا استقلالي و إمّا ضمني و كل منهما إمّا أن يكون أصل الطلب فيها معلوماً بالإجمال و الشكّ في الخصوصية مثل الترديد بين الوجوب و الاستحباب و إمّا أن لايكون أصل الطلب معلوماً بالإجمال مثل الترديد بين الوجوب والإباحة.
و هي أن يكون التكليف استقلالياً و أصل الطلب معلوماً بالإجمال و هنا لا مانع من الامتثال الإجمالي إلّا قصد الوجه و التمييز.
فإنّ قصد الوجه (أي قصد الوجوب أو قصد الاستحباب) أو قصد التمييز (أي قصد تمييز المأمور به عن غير المأمور به) إمّا يمكن اعتباره في المأمور به و أخذه في متعلق الأمر شرعاً كما عليه المحقّق الخوئي! و إمّا لايمكن اعتباره في المأمور به و أخذه في المتعلّق شرعاً كما عليه صاحب الكفاية!.([56])
فإن كان ممّا يمكن أخذه في المتعلّق شرعاً كما عليه المحقّق الخوئي! و شكّكنا في اعتباره فلابدّ من ملاحظة دليل الحكم.
فإن كان دليل الحكم دليلاً لفظياً نتمسّك بإطلاقه لدفع اعتبار قصد الوجه و التمييز في امتثاله و إلّا فالمرجع أصالة البراءة.
و إن كان ممّا لايمكن أخذه في المتعلّق شرعاً كما عليه صاحب الكفاية!، فيقال في دفعه:([57]) إنّ كل ما يحتمل دخله في امتثال الأمر و كان ممّا يغفل عنه غالباً عامّة الناس كان على الآمر بيانه و نصب قرينة على دخله واقعاً و إلّا لأخلّ بما هو غرضه، أمّا إذا لمينصب دلالة على دخله كشف عن عدم دخله و بذلك يمكن القطع بعدم دخل الوجه والتمييز في الطاعة بالعبادة، حيث ليس منهما عين و لا أثر في الأخبار و الآثار و كانا ممّا يغفل عنه العامّة.
و قد استدلّ على اعتبار قصد الوجه و التمييز بوجهين:
الوجه الأوّل: استدل عليه بالإجماع.
يرد عليه: أنّ الإجماع المحصّل غير حاصل و الإجماع المنقول غير معتبر مضافاً إلى أنّه مدركي لاحتمال استناده إلى ما سيأتي في الوجه الآتي.
الوجه الثاني: إنّ قصد الوجه عنوان قصدي يعتبر في حسن المأتي به و هكذا قصد التمييز فلو أُتِي بالمأمور به بدون هذا القصد لايتّصف المأتي به بالحسن.
يرد عليه: أنّ الأفعال الصلاتية يعتبر في حسنها عنوان كونها صلاة و عنوان كونها قربةً، و أمّا اعتبار قصد الوجه والتمييز في حسنها مشكوك فيدفع بعدم ذكره في الروايات على مبنى صاحب الكفاية! و بالإطلاق اللّفظي أو بالبراءة على مبنى المحقّق الخوئي!؛ مضافاً إلى أنّه لو قلنا باعتبار قصد الوجه و التمييز في حسنها يمكن الاكتفاء بقصد الأمر المتعلّق به.
و هي أن يكون التكليف ضمنياً و أصل الطلب معلوماً بالإجمال مثل الشكّ في أنّ جلسة الاستراحة جزء واجب للصلاة أو جزء مستحب.
و هنا لا إشكال في جواز الامتثال الإجمالي بأن يؤتى بالصلاة مع جلسة الاستراحة بقصد الأمر المتعلّق بها الأعمّ من الوجوب و الاستحباب من دون قصد الوجه و التمييز، لأنّ القائل باعتبار الوجه و التمييز يقول باعتبارهما في الواجبات الاستقلالية مضافاً إلى ما تقدّم من عدم اعتبار قصد الوجه و التمييز في الواجبات الاستقلالية و الضمنية.
و هي أن يكون التكليف استقلالياً مع عدم كون الطلب معلوماً بالإجمال مثل دوران الأمر بين وجوب الشيء و إباحته.
قد استدلّوا على عدم جواز الامتثال الإجمالي بما تقدّم من اعتبار قصد الوجه و التمييز.
و يرد عليه ما تقدّم من عدم اعتباره و تفترق هذه المسألة عن المسألة الأُولى في عدم إمكان الاكتفاء بقصد الأمر عن قصد الوجه و قصد التمييز حيث إنّ ذلك يجري في المسألة الأُولى دون المسألة الثالثة لأنّ وجود الأمر هنا مشكوك لدوران الأمر بين الوجوب و الإباحة.
أن يكون التكليف ضمنياًّ مع عدم كون الطلب معلوماًّ بالإجمال، و لا مانع هنا من الامتثال الإجمالي لعدم اعتبار قصد الوجه و قصد التمييز لما تقدّم مضافاً إلى أنّه لو قلنا باعتبارهما لاختصّا بالواجبات الاستقلالية دون الضمنية.
الصورة الثانية: الامتثال الإجمالي في ما إذا استلزم تكرار العمل
قد أشكل على هذه الصورة بوجوه ثلاثة
و هو ما تقدم من اعتبار قصد الوجه و قصد التمييز.
و هو ما تقدّم من عدم اعتبارهما.
و هو ما أفاده الشيخ الأنصاري! من كون التكرار في مقام الإطاعة لغواً و لعباً بأمر المولى.([58])
أوّلاً: إنّ التكرار ربما يكون لداعٍ عقلائي.
ثانياً: إنّ التكرار ليس لعباً بأمر المولى بل هو منبعث عن أمر المولى فالتكرار هو من كيفيات الإطاعة بعد حصول الداعي إلى طاعة المولى.([59])
و هو ما أفاده المحقّق النائيني!([60]) من أنّ العقل يحكم بأنّه يعتبر في الامتثال في العباديات أن يكون الانبعاث عن بعث المولى، لأنّ الإطاعة بالمعنى الأعمّ المشترك بين العباديات و التوصّليات هو إيجاد المأمور به خارجاً، و لكن الإطاعة بالمعنى الأخصّ المعتبر في خصوص العبادات يعتبر فيه الانبعاث عن بعث المولى و التحرّك عن تحريكه خارجاً، لا الانبعاث عن احتمال بعثه، و ذلك لأنّ العقل يستقل بعدم حسن الاحتياط بالانبعاث عن احتمال البعث مع التمكن من الانبعاث عن بعث المولى و نفس إرادته فالامتثال الاحتمالي لايكون في عرض الامتثال اليقيني بل هو في طوله.
ولو تنزّلنا عن ذلك و قلنا بعدم استقلال العقل فلا أقلّ من الشكّ في اعتبار انبعاث العبد عن بعث المولى، و المرجع هنا الاشتغال لا البراءة لأنّ الشكّ في سقوط التكليف بالامتثال الاحتمالي مجرى قاعدة الاشتغال.
أجاب عنه المحقّق الخوئي!([61])
أوّلاً: أنّ حكم العقل عبارة عن إدراكه و ليس له أن يحكم باعتبار شيء في متعلّق الأمر لأنّ العقل ليس مشرّعاً يزيد شيئاً في المأمور به أو ينقص عنه، فالانبعاث عن بعث المولى غير معتبر في الامتثال و مع الشكّ في اعتباره فالمرجع هو جريان أصل البراءة لا الاشتغال.
ثانياً: أنّ التكليف هنا معلوم فيكون الانبعاث نحو كلّ من العملين انبعاثاً عن البعث اليقيني لا الاحتمالي غاية الأمر أنّه لا تمييز حال الإتيان.
الجهة الثالثة
و هي فرض عدم التمكّن من القطع بالامتثال التفصيلي و دوران الأمر بين الامتثال الإجمالي و الظنّ بالامتثال التفصيلي، و حينئذٍ الظنّ إمّا معتبر و إمّا غير معتبر.
فإن كان الظنّ معتبراً فهو كالعلم التفصيلي، لأنّ الظنّ المعتبر علم تعبّدي، و حيث قلنا بجواز الاكتفاء بالامتثال الإجمالي فيما تمكّن من العلم و القطع بالامتثال التفصيلي نقول هنا أيضاً بجواز الاكتفاء بالامتثال الإجمالي.
و هنا بحث و هو أنّه إذا قام الظنّ المعتبر على أنّ المأمور به هو هذا الفعل و احتمل أن يكون المأمور به فعلاً آخر و استقرّ رأي الفقيه على الاحتياط بالجمع بين الفعلين فهل يجوز تقديم الفعل المحتمل على المظنون أو يجب تقديم المظنون على المحتمل؟
قال المحقّق النائيني!([62]) بلزوم تقديم المظنون على المحتمل و نسبه إلى الشيخ الأنصاري و السيّد المجدّد الشيرازي”.
و اختار المحقّق الخوئي! عدم لزوم تقديم المظنون و قال:([63])
إنّ الإتيان بالمظنون يكون بداعي الأمر الجزمي الثابت بالظنّ المعتبر الذي هو يقين تعبّدي؛ سواء قدّم على المحتمل أم أخّر عنه كما أنّ الإتيان بالمحتمل يكون بداعي احتمال البعث سواء قدّم على المظنون أم أُخّر عنه فالحقّ هو مع المحقّق الخوئي!.
و أمّا إن كان الظنّ غير معتبر فلا إشكال في جواز الاكتفاء بالامتثال الإجمالي، لأنّه إذا قلنا بجواز الاكتفاء به في ما إذا تمكّن المكلّف من القطع بالامتثال التفصيلي أو الظنّ المعتبر به فبطريق أولى نقول بالجواز في ما إذا لميتمكّن منهما.
هذا تمام الكلام في مبحث القطع.
[1]. فرائد الأصول، ج1، ص69: «إنّ اعتبار العلم الإجمالي له مرتبتان: الأولى: حرمة المخالفة القطعية، و الثانية: وجوب الموافقة القطعية، و المتكفل للتكلم في المرتبة الثانية هي مسألة البراءة و الاشتغال عند الشك في المكلف به، فالمقصود في المقام الأول التكلم في المرتبة الأولى.»
[2]. كفاية الأصول، ص273: «و لا يخفى أن المناسب للمقام هو البحث عن ذلك كما أن المناسب في باب البراءة و الاشتغال بعد الفراغ هاهنا عن أن تأثيره في التنجز بنحو الاقتضاء لا العلية هو البحث عن ثبوت المانع شرعاً أو عقلاً و عدم ثبوته.»
[3]. نهاية الدراية، ج3، ص102: «لا يخفى عليك أنّ كلّ ما كان من شئون العلم و مقتضياته فهو المناسب للمقام، و كل ما كان من شئون الجهل فهو من مقاصد المقصد الآتي في البراءة و الاشتغال.»
[4] . إنّ بعض الأعلام عدّوا ثلاثة أقوال في المقام:
ففي أجود التقريرات (ط.ق): ج2، ص239: «أما المقام الأول: ففيه أقوال ثالثها التفصيل بين المخالفة القطعية و الموافقة القطعية فيحرم الأولى و لايجب الثانية، و مرجع هذا القول إلى تجويز جريان الأصل في بعض الأطراف دون بعض و الحق هو تنجيز العلم الإجمالي من الجهتين.»
و في بعض الكتب جاءت أقوال أربعة:
ففي كتاب الأربعين للعلامة المجلسي!، ط. دار الكتب العلمية ص582 عند بيان الحديث الأربعين المروي في تحف العقول: «إنّ هذا الخبر يدلّ على أنّ الحلال المشتبه بالحرام يجب التخلّص منه بالقرعة كما اختاره بعض الأصحاب و هو مؤيّد بما ورد في الأخبار المستفيضة إنّ كلّ مشكل فيه القرعة. و قيل: يجب الاحتراز عن الجميع من باب المقدّمة، و قيل: يجوز التصرّف فيه أجمع إلّا الأخير فإنّ عند التصرف فيه يعلم أنّه أكل الحرام أو وطئ بالحرام و أمثالهما، و قيل: يحلّ له الجميع لما ورد في الأخبار الصحيحة إذا اشتبه عليك الحلال و الحرام فأنت على حلّ حتى تعرف الحرام بعينه.»
و راجع فرائد الأصول، ج2، ص199 و ص210.
و في أوثق الوسائل (ط.ق): ص323 في التعليقة على قوله: «فالحقّ فيه عدم الجواز»: «إعلم أنّ الأقوال في المقامين أربعة: أحدها: ما اختاره المصنف) و هو المشهور بين الأصحاب، و ثانيها: جواز ارتكاب الكل نقله المحقق القمي) عن العلامّة المجلسي! في أربعينه، و ثالثها: التخيير و إبقاء ما يتحقق به ارتكاب الحرام و مال إليه المقدّس الأردبيلي! و اختاره جماعة ممّن تأخر عنه كصاحب المدارك و الذخيرة و الرياض و القوانين و المناهج و نسب أيضاً إلى الوحيد البهبهاني قدّس اللّه أسرارهم، و رابعها: القرعة و اختاره ابن طاوس!.»
و ذكر بعض احتمالات ستة:
ففي القواعد الشريفية، ج2، ص349: «و أمّا المتباينان من الشبهة التحريمى المصداقى و هو المراد بالشّبهة المحصورة في كلامهم … فينقسم على قسمين: الأول: أن يكون الحلال و الحرام ممزوجين بحيث لايمكن الامتياز … و الثاني: أن لايكونا مخلوطين و ممزوجين كذلك بل يكونان مفترقين و لكن اشتبه أحدهما بالآخر … و إنّما النزاع في الثاني، فالاحتمالات المتصورة فيه ستة: الأول: جواز ارتكاب الجميع و لو دفعة واحدة، و الثاني: جواز ارتكاب الجميع على سبيل التدريج، و الثالث: وجوب الاجتناب عن قدر الحرام الكلى فهو مخير في تعيينه من بين المشتبهات، و الرابع وجوب القرعة و تعيين الحرام به، و الخامس وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعىّ المستلزم للزوم الاجتناب عن الجميع؛ و هو ينقسم إلى قسمين: الأول: أن يكون معاقباً على ارتكاب ما هو حرام واقعىّ فقط لا على غيره و هو عليه حرام لا غيره و لكن لزوم التحرز عن الغير إنّما من باب المقدّمة و لايترتّب على ترك المقدّمة من حيث هو شيء، و الثاني أن يكون معاقباً على ارتكاب كلّ منها لو ارتكبها تدريجاً و أمّا لو ارتكبها دفعة فعليه عقاب واحد، و كلّ هذه الاحتمالات باطلة إلا الآخر.» و ذكر الشيخ الأنصاري! الاحتمال الثاني في ص203 و الخامس و السادس في التنبيه الثاني من تنبيهات الشبهة المحصورة في ص229 فقال: «الثاني: أنّ وجوب الاجتناب عن كلّ من المشتبهين هل هو بمعنى…؟ فيه وجهان بل قولان.»
و أنهى خزائن الأحكام، ج2، ص21 الأقوال إلى عشرة.
[5]. إنّ العلم الإجمالي في القول الثالث مقتضٍ للموافقة الاحتمالية و مقتضٍ لوجوب الاجتناب عن جميع الأطراف إلا أن يمنع عنه مانع، و على هذا القول الثالث و الخامس يشتركان في اقتضاءه وجوب الاجتناب عن جميع الأطراف.
و القول الخامس و السادس يشتركان في أنّ العلم الإجمالي فيهما علّة تامّة للموافقة الاحتمالية، و القول السادس يختصّ بالعلية التامّة للعلم الإجمالي لوجوب الاجتناب عن جميع الأطراف.
و نذكر هنا بعض من قال بوجوب الاجتناب عن جميع الأطراف (و هذا أعمّ من أن يقولوا بالعلية التامّة لوجوب الاجتناب عن جميع الأطراف أو يقولوا باقتضاءه ذلك مع عدم ثبوت ترخيص و مانع عنه):
ففي المسالك، ج12، ص32، قال بأنه «مقتضى القواعد الشرعية».
و في كفاية الأحكام، ج2، ص609، قال بأنه «المشهور بين المتأخرين».
و في خزائن الأحكام، ج2، ص21، أنه «مختار أكثر متأخرى المتأخرين»
و في فرائد الأصول، ج2، ص210: «و أمّا المقام الثاني: هل يجب اجتناب جميع المشتبهات؟ فالحقّ فيه وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين وفاقاً للمشهور، و في المدارك: أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب، و نسبه المحقّق البهبهانيّ في فوائده إلى الأصحاب، و عن المحقّق المقدّس الكاظمي في شرح الوافية: دعوى الإجماع صريحاً» إلخ.
و أيّد الإجماع بعض الأعلام:
ففي وسيلة الوسائل في شرح الرسائل، ص218: «لايخفى على المتتبّع في كلمات الأصحاب في الموارد و المسائل الفقهيّة سلفهم و خلفهم من الطبقة العليا و الوسطى و السفلى على اختلاف طبقاتها المرتبة و درجاتها المنضدّة إنّ هذه القاعدة من المسلمات بينهم في الشبهات التحريميّة و الوجوبيّة، و الشاهد على ما ذكرناه في كلمات الأواخر أكثر من أن يحتاج إلى الإقامة و كفاك دعوى الوفاق من مثل سيّد المدارك الذي هو من أسبق الفرسان في هذا الميدان و من الوحيد البهبهاني الذي ليس له في طول الباع و كثرة التتبّع ثاني، و من المحدّث البحراني الذي هو نقاش الألفاظ و المعاني و نقاش المدارك و المباني، و من السيّد المحقّق الكاظمى! الّذي هو من أعجوبة الزمان و أحدوثة الدوران و في كلام الأواسط ناهيك منه ما نقل عن الحلّي الّذي هو البرزخ بين العالمين و الطبقة بين الطبقتين في كتاب البيع من السرائر من نسبة ذلك إلى الإماميّة و في كلام الأوائل حسبك منه ما صدر عن الشيخ) في الخلاف في مسئلة الثوبين حيث قرّر أنّ القاعدة تقتضى وجوب الصلاة، و يظهر منه أنّ مسئلة الإناءين خرجت عن قاعدة الوضوء بهما مع التكرير بالإجماع، و ابن إدريس في السرائر في مسئلة الثوبين لما لميلتفت إلى الأخبار الواردة بناء على أصله بنى على الصلاة عرياناً و لميتمسّك بجواز الصلاة في أحد الثوبين تمسّكاً بعمومات الحلّيّة و الطهارة و غيرهما بل ذكر بعض من يعتنى بقوله إنّا لمنسمع أحداً من الأصحاب تامّل في هذه القاعدة بل يقرّرونها و يذكرون الأخبار الخاصّة حيث تكون مؤيّدة لها بل بعضهم التجأ إلى أخبار القرعة مع كون العمومات بمرأى منهم و مسمع بحيث لاتكاد تخفى على أطفالهم فضلاً عن علمائهم و لميشكل أحد منهم في وجوب التجرّي إلى أن ظهر مولانا المقدّس الأردبيلى) فأظهر الاستشكال كما هو عادته في كثير من المقامات و تبعه بعضهم بل لميقتصروا على موارد الروايات كمسألة الإناءين و تعدوا إلى سائر الموارد مع أنّ بعض المتأخّرين كصاحب الحدائق جعل ذلك قاعدة مستفادة من الروايات بحيث يفهم منها أنّ غرض الشارع إعطاء القاعدة لا خصوص الحكم في خصوص المقامات و لكن لما كان ممّن لايقول بحجّية الظنّ المطلق تفطن بأنّ ذلك استقراء لايفيد أزيد من الظنّ فدفع بما حاصله يرجع إلى دعوى حصول العلم بذلك و ممّا ذكرنا يظهر أنّ الترقى المذكور إنّما حصل من التنزل عن مقام التامّل. نعم ذكر بعض المحقّقين أنّ كلمات القدماء خالية عن التفصيل بين المحصور و غيره و هو غير بعيد.»
و في أوثق الوسائل، (ط.ق): ص328 عند التعليقة على قوله: «دعوى الإجماع»: «لعلّه ناش من ملاحظة نسبة بعض القائلين بعدم وجوب الموافقة القطعيّة كصاحب المدارك و غيره ذلك إلى أصحابنا، و يؤيّدها تصريح الفاضل التّوني! في مبحث المقدّمة بخروج المقدّمات العلميّة من محلّ النّزاع و لا ريب في شمولها للشبهات التحريمية المشوبة بالعلم الإجمالي، و يؤيّدها أيضاً فتواهم بلا خلاف بوجوب غسل مقدار من الرأس و العضد مقدمة لغسل الوجه و اليد و بوجوب الإمساك قبل الطّلوع بمقدار يحصل به القطع بتحقق الإمساك من أول الفجر لأنّ هذه و إن كانت مقدّمة علميّة للواجب إلاّ أنّه لا فرق بينها و بين المقدمة لترك الحرام كما هو واضح، و لكنّك خبير بأنّ دعوى الإجماع بمجرد ذلك مشكلة نعم هذا القول مشهور إلى زمان المقدس الأردبيلي! بل لميوجد فيه مخالف إلى زمانه سوى ما حكي عن بعضهم القول بالقرعة و هو مع جهالة قائله غير مناف للقول بوجوب الاحتياط من باب القاعدة كما هو واضح و لو تم الإجماع المذكور لكفي في إثبات المسألة إذ لا ريب في اعتبار الإجماع المنقول المعتضد بالشّهرة المحققة سيّما في الشبهة المحصورة الّتي هي من المسائل الفرعيّة.»
و ناقش فيه بعض آخر:
ففي خزائن الأحكام، ج2، ص22: «الجواب … عن الإجماعات المنقولة بأنّها في موضعين فقط من منع الوضوء عن الإناءين المشتبهين و المنع عن السجود على الموضع المشتبه بالنجس.»
و في وسيلة الوسائل في شرح الرسائل، ص218: «قوله: «وفاقاً للمشهور اه» أقول: قد أصرّ بعض الفضلاء المعاصرين في القدح في دعوى الإجماع أو عدم الخلاف في المقام و حكم بعدم شذوذ القول بعدم وجوب الاجتناب قائلاً أنّ دعوى الإجماع إنّما نشأت من اتّفاق كلماتهم في مسألتين: إحداهما: مسألة الإناءين المشتبهين، و ثانيتهما: مسألة المنع عن السّجود على الموضع المشتبه بالنّجس و هو لايثبت الكلّيّة بل لايثبتها لو وقع في أكثر منهما مع أنّ بعض من ظاهر كلامه يفيد دعوى الإجماع قد خالف في المسألة الأولى كصاحب المدارك) حيث قال بعد قول المحقّق) في الشرائع: «و لو اشتبه الإناء النّجس بالظّاهر وجب الامتناع و إن لميجد ماء غيرهما تيمّم» هذا مذهب الأصحاب. ثمّ تنظر فيما ذكروه ثمّ مال إلى التّفصيل مع أنّ المجلسى) أيضاً اختار القول بعدم وجوب الاجتناب، ثمّ ترقى إلى المنع الشّهرة أيضاً بالنّسبة إلى القدماء استناداً إلى ما ادعاء البعض من خلوّ كلمات أكثر الأوائل و الأواسط عن التّعرّض للمسألة حتّى بالنّسبة إلى جملة من مواردها فلابدّ من نسبة الشّهرة إلى الأواخر».
و في إيضاح الفرائد، ج2، ص216 عند التعليقة على قوله «و عن المحقق المقدّس الكاظمى!»: «قد نقل في الدّرة النجفيّة عن الشيخ في الخلاف و المحقّق في المعتبر و العلّامة في المختلف دعوى الإجماع صريحاً في مسألة الإناءين المشتبهين لا مطلقاً».
[6]. و نسب بعض الأعلام هذا القول إلى السيد بن طاوس!:
أوثق الوسائل (ط.ق): ص323 «و رابعها: القرعة و اختاره ابن طاوس!.»
ففي إيضاح الفرائد، ج2، ص220 «و ذهب السيد ابن طاوس! في باب الصلاة مع اشتباه القبلة، و في المقام كما حكى إلى وجوب القرعة.»
و في منتهى الدراية في توضيح الكفاية، ج4، ص161: «الخامس: أنه يجب التخلص عن المشتبه بالقرعة كما نسب إلى السيد ابن طاوس! مستدلّاً بعموم “القرعة لكل أمر مشكل” و خصوص بعض الأخبار مثل ما ورد في تعيين الشاة الموطوءة بالقرعة.»
و نسب العلامة المجلسي! هذا القول إلى بعض الاصحاب و قوّاه:
ففي كتاب الأربعين للعلامة المجلسي، ط. دار الكتب العلمية ص582 عند بيان الحديث الأربعين المروي في تحف العقول.
و في بحار الأنوار، ج6، ص255 بعد نقل رواية التحف و كلام المسالك: «أقول: تحريم الجميع في المحصور غير معلوم كما عرفت، و العمل بالقرعة في الأمور المشتبهة غير بعيد عن القواعد الشرعية، و قد ورد في كثير من نظائره.»
و لم يظفر بعضهم بقائلها:
و في أوثق الوسائل، (ط.ق): ص328: «هذا القول [أي وجوب الموافقة القطعية] مشهور إلى زمان المقدس الأردبيلي! بل لميوجد فيه مخالف إلى زمانه سوى ما حكي عن بعضهم القول بالقرعة و هو مع جهالة قائله غير مناف للقول بوجوب الاحتياط من باب القاعدة كما هو واضح.»
و راجع خزائن الأحكام، ج2، ص23؛ وسيلة الوسائل في شرح الرسائل، ص219.
[7] . العناوين الفقهية، ج1، ص351، «[11/94] عنوان من جملة الأصول المتلقاة من الشريعة: إعمال القرعة في الأمور المشكلة … و يدل على ذلك ما ينقلونه بطرق العامة: “إنّ القرعة لكل أمر مشتبه” كما في رواية، أو “لكل أمر مشكل” كما في أخرى.»
و فيه أن العناوين الواردة في روايات القرعة أربعة:
الأول: المجهول
و في رواية محمد بن حكيم المروي في الفقيه و التهذيب «قَالَ: سَأَلْت أَبَا الْحَسَنِ% عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ لِي: كُلُّ مَجْهُولٍ فَفِيهِ الْقُرْعَةُ، قُلْتُ لَهُ: إِنَّ الْقُرْعَةَ تُخْطِئُ وَ تُصِيبُ، قَالَ: كُلُّ مَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ فَلَيْسَ بِمُخْطِئٍ.» الوسائل، ج27، ص259، كتاب القضاء، الباب 13 من أبواب صفات القاضي و ما يجوز أن يقضي به، ح11.
الثاني: ما أشكل
في دعائم الاسلام (ج2، ص522) عن أمير المؤمنين و أبي جعفر و أبي عبد الله( أنهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل.
الثالث: الملتبس
في دعائم الإسلام (ج2، ص522، ح1864): قال أبو عبد الله%: «وَ أَيُّ حُكْمٍ فِي الْمُلْتَبَسِ أَثْبَتُ مِنَ الْقُرْعَةِ، أَ لَيْسَ هُوَ التَّفْوِيضَ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ»
الرابع: التنازع
في الوسائل (ج27، ص258، ح5) عنه، أي محمد بن الحسن الطوسي باسناده عن أبي جعفر% قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ$ عَلِيّاً% إِلَى الْيَمَنِ … فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ$: لَيْسَ مِنْ قَوْمٍ تَنَازَعُوا ثُمَّ فَوَّضُوا أَمْرَهُمْ إِلَى اللَّهِ إِلَّا خَرَجَ سَهْمُ الْمُحِقِّ» و رواه الصدوق بإسناده عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر% نحوه، إلا أنه قال: (تقارعوا) أي في مكان (تنازعوا).
[8]. و في بحر الفوائد، (ط.ج) ج5، ص166: «… المفروض أنّ المشهور قد تركوا العمل بها في المقام و أعرضوا عنها فكيف يتمسّك بها بل قد عرفت قدح إعراضهم في الرواية الخاصّة فكيف بالعمومات الموهونة فافهم.»
[9]. أوثق الوسائل، (ط.ق): ص333: «أنّ هذه العمومات لكثرة ورود التخصيص عليها قد سقطت عن الظهور في العموم ما لمينضم إليها عمل الأصحاب المفقود في المقام.»
و في بحر الفوائد، (ط.ج): ج5، ص166: «و ممّا ذكرنا كلّه يظهر الكلام في التمسّك للقول بالقرعة بعموماتها الواردة في كل مجهول و مشتبه حيث إنّها و إن كانت واردة على أصالة الاحتياط على ما عرفت بها على تقدير العمل بها إلّا أنّها من جهة كثرة ورود التخصيص عليها لايعمل بها من دون جبر، و هاهنا الحاصل بكثرة الخارج بعمل جمع من الأصحاب في الموارد الشخصيّة.»
[10]. أوثق الوسائل، ص333: أنّ موردها الأمور المشكلة المشتبهة و لا إشكال في موارد الأصول و لا ريب في كون الشبهة المحصورة إما مورداً لقاعدة الاشتغال على المختار أو لأصالة البراءة على ما اختاره جماعة فيختص موردها بما لميكن مجرى للأصول أعني موارد التخيير الّتي يدور الأمر فيها بين المحذورين هكذا قيل، و فيه: نظر لوضوح حكومة عمومات القرعة على الأصول فدعوى العكس ضعيفة جدّاً …، و ثالثاً: أنّ النّسبة بين أدلّة الأصول و عمومات القرعة عموم و خصوص مطلقاً لعدم اعتبار شيء في موارد الثانية مما يعتبر في موارد الأولى من اعتبار الشك في التكليف في مورد البراءة و العلم به ثم الشكّ في الخروج من عهدة التّكليف في موارد قاعدة الاشتغال و اعتبار الحالة السّابقة في موارد الاستصحاب فلابدّ من تخصيصها بها فلايشمل ما نحن فيه و غيره من موارد الأصول. فإن قلت: إنّ الشبهة في التكليف خارجة من عمومات القرعة إجماعاً و هي مشمولة لأدلة الأصول فتكون النسبة بينهما عموماً من وجه، قلت: هذا الإجماع في عرض أدلّة الأصول مخصّص لتلك العمومات فلا وجه لفرض التخصيص به أولاً ثمّ ملاحظة النّسبة بينهما بل لابدّ من التخصيص بكل واحد منهما في مرتبة واحدة كما سيجيء في مبحث التعادل و التّرجيح، و فيه: أنّ النّسبة إنّما تلاحظ في التقديم و التّرجيح في غير موارد الحكومة، و قد عرفت حكومة تلك العمومات على أدلة الأصول.»
[11] . في تحف العقول ص476 – 481، أجوبته ليحيى بن أكثم عن مسائله: «قَالَ مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الرِّضَا: لَقِيتُ يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ فِي دَارِ الْعَامَّةِ فَسَأَلَنِي عَنْ مَسَائِلَ، فَجِئْتُ إِلَى أَخِي عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ% فَدَارَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ مِنَ الْمَوَاعِظِ مَا حَمَلَنِي وَ بَصَّرَنِي طَاعَتَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ ابْنَ أَكْثَمَ كَتَبَ يَسْأَلُنِي عَنْ مَسَائِلَ لِأُفْتِيَهُ فِيهَا، فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: فَهَلْ أَفْتَيْتَهُ؟ قُلْتُ: لَا لَمْ أَعْرِفْهَا، قَالَ%: وَ مَا هِيَ؟ قُلْتُ: كَتَبَ يَسْأَلُنِي … عَنْ رَجُلٍ أَتَى إِلَى قَطِيعِ غَنَمٍ فَرَأَى الرَّاعِيَ يَنْزُو عَلَى شَاةٍ مِنْهَا فَلَمَّا بَصُرَ بِصَاحِبِهَا خَلَّى سَبِيلَهَا، فَدَخَلَتْ بَيْنَ الْغَنَمِ كَيْفَ تُذْبَحُ وَ هَلْ يَجُوزُ أَكْلُهَا أَمْ لَا؟ قَالَ%: اكْتُبْ إِلَيْهِ، قُلْتُ: وَ مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ%: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَ أَنْتَ فَأَلْهَمَكَ اللَّهُ الرُّشْدَ أَتَانِي كِتَابُكَ فَامْتَحَنْتَنَا بِهِ مِنْ تَعَنُّتِكَ لِتَجِدَ إِلَى الطَّعْنِ سَبِيلًا إِنْ قَصَرْنَا فِيهَا وَ اللَّهُ يُكَافِيكَ عَلَى نِيَّتِكَ وَ قَدْ شَرَحْنَا مَسَائِلَكَ فَأَصْغِ إِلَيْهَا سَمْعَكَ وَ ذَلِّلْ لَهَا فَهْمَكَ وَ اشْغَلْ بِهَا قَلْبَكَ فَقَدْ لَزِمَتْكَ الْحُجَّةُ وَ السَّلَامُ … وَ أَمَّا الرَّجُلُ النَّاظِرُ إِلَى الرَّاعِي وَ قَدْ نَزَا عَلَى شَاةٍ فَإِنْ عَرَفَهَا ذَبَحَهَا وَ أَحْرَقَهَا وَ إِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا قَسَمَ الْغَنَمَ نِصْفَيْنِ وَ سَاهَمَ بَيْنَهُمَا فَإِذَا وَقَعَ عَلَى أَحَدِ النِّصْفَيْنِ فَقَدْ نَجَا النِّصْفُ الْآخَرُ ثُمَّ يُفَرِّقُ النِّصْفَ الْآخَرَ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى تَبْقَى شَاتَانِ فَيُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَأَيَّتُهَا وَقَعَ السَّهْمُ بِهَا ذُبِحَتْ وَ أُحْرِقَتْ وَ نَجَا سَائِرُ الْغَنَمِ … قَدْ أَنْبَأْنَاكَ بِجَمِيعِ مَا سَأَلْتَنَا عَنْهُ فَاعْلَمْ ذَلِك.»
و رواه في بحار الأنوار، ج10، ص390 – 391 عن تحف العقول و عن الاختصاص.
و رواه أيضاً في بحار الأنوار، ج62، ص254 – 255 عن تحف العقول ثم قال: «بيان: روى الشيخ هذا الخبر بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن الرجل%: أنّه سئل عن رجل نظر إلي راع نزا على شاة، قال: إن عرفها ذبحها و أحرقها، و إن لميعرفها قسمها نصفين أبداً حتى يقع السهم بها فتذبح و تحرق و قد نجت سائرها، و أقول: الظاهر أن الرجل أبو الحسن%، و هذا مختصر من الحديث الذي رويناه أولاً.»
[12]. الكافي، ج5، ص491، كتاب النكاح، باب الجارية يقع عليها غير واحد في طهر واحد، ح2؛ التهذيب، ج8، ص170، كتاب الطلاق، الباب7، ح16؛ الاستبصار، ج3، ص369، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 215، ح6: (رواه بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله)؛ الوسائل، ج21، ص172، كتاب النكاح، الباب57 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح۴.
[13]. الفقيه، ج3، ص94، باب الحكم بالقرعة، ح3399؛ الوسائل، ج27، ص258، كتاب القضا، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى، ح6.
[14]. رواه محمد بن الحسن بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر: التهذيب، ج6، ص238، كتاب القضايا و الأحكام، الباب 90، ح16؛ الوسائل، ج27، ص258، كتاب القضا، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى، ح5.
[15] . راجع القواعد الفقهية للمحقق البجنوردي!، ج1، ص60 – 62، [4/62] قاعدة القرعة
و في القواعد و الفوائد، ج2، ص183، «[213/302] قاعدة ثبت عندنا قولهم عليهم السلام: “كل أمر مجهول فيه القرعة”»
و أمّا المناقشة في الدليل الخاص، ففيها:
الإيراد الأول:
في فرائد الأصول، ج2، ص223 بعد ذكر الرواية: «و هي حجّة القول بوجوب القرعة، لكنّها لا تنهض لإثبات حكم مخالف للأصول.»
الجواب عن هذا الإيراد:
في بحر الفوائد، (ط.ج): ج5، ص166: «لايخفى عليك أنّه أراد بذلك الردّ على من ذهب إلى القرعة من جهة هذا الخبر و هو لايخلو عن تأمّل، لأنّ الأصل في المقام ليس إلّا أصالة الاحتياط المبنيّة على وجوب دفع الضرر المحتمل الذي يستقل به العقل، و بعد ورود الخبر لايبقى احتمال الضرر، و ليس هذا الأصل من القواعد التي لايجوز الخروج عنها بمجرّد ورود خبر على خلافها من جهة إبائها عن التخصيص.»
و في إيضاح الفرائد، ج2، ص232 عند التعليقة على قوله: «لكنّها لاتنهض لإثبات حكم مخالف للأصول»: «سيأتي في باب الاستصحاب من المصنّف! إنّ الأخبار العامّة للقرعة واردة على الأصول غير الاستصحاب إن كانت من باب العقل و حاكمة إن كانت من باب الشّرع نعم يكون الاستصحاب مقدّماً عليها لكون موضوعه أخصّ و إن كان فيه كلام يأتى إن شاء الله، و لايخفى أنّ الأخبار العامّة إذا كانت مقدّمة على أصل الاشتغال و أصل الإباحة إلى أن يلزم المخالفة القطعيّة فلابدّ أن يكون الخبر المذكور مقدّماً بالطّريق الأولى فكيف يذكر المصنّف أنّها لاتنهض لإثبات حكم مخالف للأصول.»
و في قلائد الفرائد، ج1، ص436: «فيه: أنّ أصالة الاحتياط في المقام مبتنية على وجوب دفع الضرر المحتمل، و بعد ورود الخبر لايبقى احتمال الضرر، لأنّ حكم العقل هنا تعليقيّ يرتفع بالخبر موضوعه.»
و في التنقيح للسيد محمد سعيد الحكيم>، ج3، ص369: «لميتضح الوجه في مخالفته للأصول بعد اعتراف المصنف> بإمكان جعل البدل في أطراف العلم الإجمالي، و كون أدلة القرعة صريحة في جعل البدل، فيرتفع معها الإجمال تعبداً، كما هو ظاهر.»
الإيراد الثاني: إعراض الأصحاب عنها
في أوثق الوسائل، (ط.ق): ص333 في التعليقة على قوله: «لكنّها لاتنهض»: «لإعراض الأصحاب عنها لعدم القول بالقرعة هنا سوى ما حكي عن ابن طأوس! مع أنّها لا تكافئ ما تقدّم من الأدلّة على المختار.»
و في بحر الفوائد، (ط.ج): ج5، ص166: «لو استند في عدم النهوض بعدم اعتباره من جهة إعراض المشهور عنه لكان أولى، و لعلّه المراد من كلامه! بأن يجعل المشار إليه الخبر من حيث وصف إعراض المشهور عنه فتأمّل.» و كذا في قلائد الفرائد، ج1، ص436.
و في إيضاح الفرائد، ج2، ص232: «قد ذكر شيخنا! و غيره إنّ وجه عدم النّهوض إعراض المشهور عنه».
الجواب عن هذا الإيراد:
في مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام؛ ج12، ص31: «و بمضمون الرواية عمل الأصحاب».
و في إيضاح الفرائد: «قلت: قد عرفت عمل جماعة بالخبر المذكور، و قد ذكر جمع أنّ اخبار القرعة لايعمل بها إلّا مع عمل العلماء أو جماعة منهم فالوجه ذكر ذلك في الأخبار العامة حيث أنّه لا شكّ في عدم عمل الجماعة بها في غالب موارد الشبهة المحصورة لا في الخبر المذكور.»
و في جامع المدارك، ج7، ص176 – 177: «و أما دليل القرعة فهو الخبر المروي عن تحف العقول … و الظاهر عمل المشهور بالرواية.»
الإيراد الثالث: ضعف السند
في بحار الأنوار، ج62، ص255 بعد نقل الخبر عن الشيخ: «قال في المسالك: بمضمون الرواية عمل الأصحاب مع أنها لاتخلو من ضعف و إرسال، لأنّ راويها محمد بن عيسى عن الرجل و محمد بن عيسى مشترك بين الأشعري الثقة و اليقطيني و هو ضعيف، فإن كان المراد بالرجل الكاظم% كما هو الغالب فهي مع ضعفها بالاشتراك مرسلة لأنّ كلا الرجلين لميدرك الكاظم%، و إن أريد به غيره أو كان مبهماً كما هو مقتضى لفظه فهي مع ذلك مقطوعة. انتهى»
و في التنقيح للسيد محمد سعيد الحكيم!، ج3، ص369: «ينحصر وجه طرح الرواية- لو تم- بضعف سندها أو إعراض الأصحاب عنها أو نحوهما من ما يقتضي سقوط الحديث عن الحجية، و تمام الكلام في ذلك في الفقه.»
الجواب عن هذا الإيراد:
مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام؛ ج12، ص31: «أنّها لا تخلو من ضعف و إرسال، لأن راويها محمد بن عيسى عن الرجل، و محمد بن عيسى مشترك بين الأشعريّ الثقة و اليقطيني و هو ضعيف، فإن كان المراد بالرجل الكاظم عليه السلام- كما هو الغالب- فهي- مع ضعفها باشتراك الراوي بين الثقة و غيره- مرسلة، لأن كلا الرجلين لم يدرك الكاظم عليه السلام، و إن أريد به غيره أو كان مبهما- كما هو مقتضى لفظه- فهي مع ذلك مقطوعة.
الإيراد الرابع:
في إيضاح الفرائد، ج2، ص231 و 232: «لايخفى أنّ الرواية المذكورة الواردة في مورد خاص لايمكن أن تكون دليلاً على الرّجوع إلى القرعة في جميع موارد الشبهة المحصورة على ما نسب إلى بعضهم إلا بضميمة عدم القول بالفصل و هو غير معلوم بل الظاهر كما يفهم من عوائد الفاضل النراقى ذهاب جماعة إلى العمل بالقرعة في خصوص مورد الرّواية المشار إليها فالأولى التمسّك للقول المزبور بالأخبار العامّة للقرعة لا بالخبر المذكور.»
و في التنقيح للسيد محمد سعيد الحكيم>، ج3، ص369: «لا إطلاق للرواية يقتضي عموم الرجوع للقرعة، بل يتعين الاقتصار على موردها. و دعوى فهم عدم الخصوصية مردودة على مدعيها، و لاسيما مع قرب الخصوصية لموردها، بلحاظ استلزام الاحتياط للضرر المالي المعتد به، بل لتلف المال الحلال أو تعطيله، و لايبعد على الشارع الأقدس الاهتمام بذلك بتشريع مثل القرعة لحل مثل هذا المشكل».
[16]. في كتاب الأربعين للعلامة المجلسي، (ط. دار الكتب العلمية) ص582 عند بيان الحديث الأربعين المروي في تحف العقول: «إنّ هذا الخبر يدلّ على أنّ الحلال المشتبه بالحرام يجب التخلّص منه بالقرعة … و قيل: يجب الاحتراز عن الجميع من باب المقدّمة، و قيل: يجوز التصرّف فيه أجمع إلّا الأخير فإنّ عند التصرف فيه يعلم أنّه أكل الحرام أو وطئ بالحرام و أمثالهما، و قيل: يحلّ له الجميع لما ورد في الأخبار الصحيحة إذا اشتبه عليك الحلال و الحرام فأنت على حل حتى تعرف الحرام بعينه و هذا أقوى عقلاً و نقلاً، و يمكن حمل هذا الخبر على الاستحباب أو العمل به في خصوص تلك المادّة و العمل بتلك الأخبار في سائر الموارد، و الأحوط اجتناب الجميع في المحصور و لتفصيل الكلام فيه مقام آخر.»
[17]. كفاية الأصول، ص272 بنفس العبارة.
[18]. هكذا وجدناها في المجامع الروائية و نقلها صاحب الكفاية باختلاف يسير و سيأتي منّا نقلها في ص418، و ص424، و هامش ص427 مع ذكر مصادرها فراجع.
[19] . المطلب الثاني: في القول بحلية الجميع
من اختار هذا القول:
في الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية، ج2، ص139 – 141: «المقام الثاني: في الحلال المختلط بالحرام إذا كان محصوراً فإنّ الحكم فيه بمقتضى القاعدة المتقدّمة المعتضدة بالأخبار و إجماع الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- هو التحريم في الجميع كما عرفت و المفهوم من كلام الفاضل المولى محمد باقر الخراساني! في الكفاية و المحدث الكاشاني! في المفاتيح هو حلّ الجميع، قال الفاضل المشار إليه في الكتاب المذكور في مسألة اللحم المختلط ذكيّه بميّته ما لفظه: “و المشهور بين المتأخّرين أنه إذا اختلط و لميعلم وجب الاجتناب من الجميع حتى يعلم الذكي بعينه، و مستند ذلك عندهم قاعدة معروفة عندهم، هي أنّ الحرام يغلب الحلال في المشتبه، و بعض الروايات العاميّة، و بعض الاعتبارات العقلية، و في الكل نظر، و قول الصادق% في صحيحة عبد اللّه بن سنان: كلّ شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه يدل على الحلّ و كذلك غيرها من الأخبار” انتهى. و قال المحدّث الكاشاني في المفاتيح في مسألة اللحم المختلط أيضاً: “و إذا اختلط الذكيّ بالميت وجب الامتناع منه حتى يعلم الذكي بعينه، لوجوب اجتناب الميت، و لايتم إلّا بذلك، كذا قالوه. و في الصحيحين: إذا اختلط الذكي و الميتة باعه ممن يستحلّ الميتة و يأكل ثمنه انتهى، و قال في مسألة ما يحلّ و يحرم بالعارض: و إذا اختلط الحلال بالحرام فهو له حلال حتى يعرف الحرام بعينه للصحيح و غيره، حتى يعرف أنّه حرام بعينه كما مرّ” انتهى. و استدل في شرح المفاتيح لهذا القول نصرة لعمه” بصحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة في كلام الفاضل الخراساني، و موثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه%» إلخ.
راجع مفاتيح الشرائع، ج2، ص224 و كفاية الأحكام، ج2، ص609.
و للمولى محمدباقر الخراساني! كلام في موضع آخر لعلّه يخالف هذا القول:
قال في ذخيرة المعاد (ط.ق): ج1، ق1، ص138: «و لو اشتبه النجس من الإناءان اجتنبا وجوباً … و تيمم عند عدم التمكن من غيره، و الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب و نقل الاتفاق عليه المحقق و المصنف و غيرهما، و تدلّ عليه موثقة عمار الساباطي… و الروايتان غير صحيحتين لكن ضعفهما منجبر بعمل الأصحاب و نقلهم الاتفاق على مدلولهما، و نقل عن المصنف الاستدلال عليه بأنّ اجتناب النجس واجب و ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب، و اعترض عليه بأنّ اجتناب النجس لايقطع بوجوبه إلا مع تحققه بعينه لا مع الشك فيه، و قد ثبت نظيره في حكم واجدى المنى في الثوب المشترك، و اعترف به الأصحاب في غير المحصور أيضاً، و الفرق بينه و بين المحصور غير واضح عند التأمل، و يستفاد من قواعد الأصحاب أنّه لو تعلق الشك بوقوع النجاسة في الماء و خارجه لمينجس الماء بذلك و لميمنع من استعماله و هو مؤيد لما ذكرنا.
و لقائل أن يقول: كثير من الأخبار الدالة على انفعال القليل بالملاقاة و غيرها دال على وجوب الاجتناب من غير تقييد بتعينه بخصوصه بل هو أعم فيلزم الاجتناب من كل من الاناءين في الصورة المفروضة من باب المقدمة و ليس واجد المنى نظير ما ذكرنا للشك في حصول المقتضى هناك، و كذا لو تعلق الشك بوقوع النجاسة في الماء و خارجه، و أمّا خروج غير المحصور عن هذا الحكم فبدليل لايستلزم التعدية. نعم بهذا المسلك لايلزم عموم الحكم إلا بضمّ الإجماع و هذا الاستدلال في صورة التعيين أولاً و الاشتباه ثانياً أقوى و أظهر مما استدل به المحقق على الحكم المذكور أنّ يقين الطهارة في كل منهما معارض بيقين النجاسة و لا رجحان فيتحقق المنع و فيه تأمل.»
و في خزائن الأحكام لملا آقا الدربندي!، ج2، ص22: «عنوان: أنّ مقتضى التحقيق هو المصير إلى عدم لزوم الاجتناب، و هذا مما يثبت بالأخبار الحاصرة للحرام في ما حرم في الكتاب أو الأخبار الدالة على حلية شيء فيه حلال و حرام و شمولها للاحكام لايمنع عن ورودها على الخطابات الآمرة بالاجتناب عن الحرام ورود الخاص على العام فإذا انضم إلى تلك الأخبار بالأخبار المستفيضة الخاصة يكون المطلوب مما لا غبار فيه.»
و في وسيلة الوسائل في شرح الرسائل، ص218 و 219 عند التعليقة على قوله: «و ذهب جماعة إلى عدم وجوبه»: «أقول: و هم بين قائل بعدم وجوبه مطلقاً كالفاضل المجلسى) حيث قال في مقام نقل الأقوال: … و قيل: يحلّ له الجميع لما ورد في الأخبار الصّحيحة إذا اشتبه عليك الحلال و الحرام فأنت على حلّ حتّى تعرف الحرام بعينه و هذا أقوى عقلاً و نقلاً و إليه مال المحقّق القمّى) في آخر كلامه، و تبعه بعض المعاصرين.»
و في إيضاح الفرائد، ج2، ص210 عند التعليقة على قوله: «و حكى عن ظاهر بعض جوازها»: «و لعلّه صاحب القوانين قال! في باب الأدلّة العقلية في مبحث أصل البراءة: “فإن قلت: إذا جعلت المعيار عدم العلم بارتكاب الحرام الواقعى فلم لاتقول بجواز ارتكاب الجميع على التدريج إلى أن قال: قلت أولاً: نقول به إذ لا دليل عقلاً و لا شرعاً يدلّ على الحرمة و العقاب و لا إجماع على بطلانه و القائل به موجود كما سنشير إليه” لكن ذكر في الجواب الثاني “نعم. يثبت اشتغال الذمة بحقّ الغير و حصول النجاسة بعد استعمال الجميع و يترتب عليهما آثارهما و إن لم يحصل العقاب بالارتكاب فليتامّل”، و جعل وجهه في الحاشية إمكان القول بأنّ جعل الذمّة مشغولة أيضاً حرام فيتم القول بالحرمة ح و قال في باب مقدمة الواجب في التنبيه الثاني: “و كيف ما كان فالّذي نمنع وجوبه هو اجتناب الجميع، و أمّا إذا بقى منه مقدار نجزم بارتكاب الحرام فلانجوّزه، و تمام التحقيق في ذلك يجيء في أواخر الكتاب إن شاء الله”.
و في الدّرة النجفيّة نقل عن المولى محمّد باقر الخراسانى! في الكفاية و المحدّث الكاشانى! حلّ الجميع، و نقل في القوانين عن العلّامة المجلسى! أقوالاً في ذلك منها: جواز ارتكاب الكلّ، قال: قال العلامة المجلسى! في الأربعين بعد ذكر هذه الرّواية يعنى رواية قطيع الغنم المتضمّنة للقرعة … و قيل: يحلّ له الجميع لما ورد في الأخبار الصحيحة إذا اشتبه عليك الحلال و الحرام فأنت على حلٍّ حتّى تعرف الحرام بعينه و هذا أقوى عقلاً و نقلاً … انتهى كلامه. و منه يعلم أنّ اقتصار المصنّف على قوله: و حكى عن ظاهر بعضٍ جوازها ليس بجيّد.»
و في قلائد الفرائد، ج1، ص419: «أقول: إنّ المشهور على عدم جواز الارتكاب، و المحكيّ عن المحقّق الخوانساريّ و المجلسي” و غيرهما هو الجواز.»
و في كلام بعض الأعلام ميل إلى عدم وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة في مسألة النجاسة.
ففي مجمع الفائدة، ج1، ص281 – 282: «قوله: «و لو اشتبه إلخ» إنّ دليله خبران غير معتبرين أحدهما موثق و الآخر ضعيف، لكن الظاهر أنّهما مؤيدان بالشهرة، بل بالإجماع على الظاهر، و عدم ظهور الخلاف، و بأنّ التكليف بالطهارة بالماء الطاهر محقق و الخروج عنه إنّما يتحقق باليقين أو الظنّ المعبر شرعاً و ليس هنا، و فيه تأمل، و الظاهر بناء على اعتبار قوانين الأصول و اعتبار العلم بالنجاسة جواز استعمال أيهما أراد على تقدير التسأوي، و الراجح مع الرجحان كما يقال مثله في واجدي المني في الثوب المشترك من عدم وجوب الغسل على أحدهما مع جريان الدليل بعينه، و هذا هو الموافق للقوانين و الشريعة السهلة إلا أنّ العدول عن قول الأصحاب مع عدم الشريك يحتاج إلى جرأة تامة، و صرح في الفروع و الأصول في كتب العامة و الخاصة بعدم الجواز، و إلا لميكن دليلهم على ذلك أيضاً واضحاً فإنّه خلاف الإجماع و هو غير ظاهر. و بالجملة المسألة مشكلة، و لكن دعوى الإجماع في المختلف في مثل هذه المسألة مع ما تقدم من الخبرين و عدم الخلاف، يقتضي وجوب الاجتناب لو أمكن و هو يقتضي إراقة الماء ثم التيمم لوجودها في دليل الأصل، و يحتمل الحمل على الاجتناب، لهذا قلنا بالاحتياط دون الوجوب كما قال به الشيخ، و يفهم من كتاب الصدوق).»
و في مشارق الشموس (ط.ق) ج1، ص281 – 282: «و أما الطهارة بالماء المشتبه به فقد ادّعى الشيخ في الخلاف و العلامة في المختلف الإجماع على عدمها، و ادّعى المحقق أيضاً في المعتبر الاتفاق على المنع منها، و علل أيضاً فيه بأنّ يقين الطهارة في كل منها معارض بيقين النجاسة و لا رجحان فيتحقق المنع، و أورد عليه صاحب المعالم بأنّ يقين الطهارة في كل واحد بانفراده إنّما يعارضه الشك في النجاسة لا اليقين و هو جيد، و أيضاً لو تم المعارضة من دون رجحان فما الوجه في المصير إلى المنع لملايصار إلى البراءة و الطهارة، و تمسك العلامة في المنتهى تبعاً للخلاف بأنّ الصلاة بالماء النجس حرام فالإقدام على ما لايؤمن معه أن يكون نجساً إقدام على ما لايؤمن معه فعل الحرام فيكون حراماً و بأنّه متيقن لوجوب الصلاة فلايجوز إلا بمثله لصحيحة زرارة من أنّ اليقين لاينقض بالشك أبداً و إنّما ينقضه يقين آخر، و يرد على الوجه الأول أنّه إنّما يتم لو كان هناك آية أو رواية حاكمة بأنّ الصلاة بالماء النجس حرام إذ حينئذٍ لايبعد أن يقال أنّا مكلفون بترك الصلاة بالماء النجس و لابدّ في الامتثال من تحصيل الظنّ أو اليقين بالمكلف به، و ذلك لايتم إلا بترك استعمال كل من المائين لكن كأنها ليست، غاية الأمر أنّه علم بالضرورة أو الإجماع أو بحجج أخرى المنع من الصلاة بالنجاسة المتيقنة أو المظنّونة على وجه، و هذه الوجوه لايجري فيما نحن فيه و أيضاً لانسلم أنّه لايؤمن عند استعماله من الإقدام على الصلاة بالنجاسة لأنّ كلا من المائين بانفراده طاهر بناءً على أنّه كان متيقن الطهارة و اليقين لايزول إلا باليقين و النجاسة مشكوك فيها فيرجع إلى يقين الطهارة فعند استعماله يكون آمناً من الصلاة بالنجاسة إلخ.»
[20]. كفاية الأصول، ص273 «… و بالجملة قضية صحة المؤاخذة على مخالفته مع القطع به بين أطراف محصورة و عدم صحتها مع عدم حصرها أو مع الإذن في الاقتحام فيها هو كون القطع الإجمالي مقتضياً للتنجز لا علة تامة.»
[21] . مصباح الأصول (ط.ق): ج2، ص70 و (ط.ج): ج2، ص77: «إنّ العلم لا دخل له في فعلية الحكم، و إنما هو شرط لتنجزه» إلخ.
[22] . سورة آل عمران(3):97.
[23] . مصباح الأصول (ط.ق): ج2، ص72 (ط.ج): ج1، ص78: «الصحيح عدم إمكان جعل الترخيص في أطراف العلم الاجمالي، و لا يقاس المقام بجعل الحكم الظاهري في الشبهة البدوية، و تحقيق ذلك يقتضي التكلم في وجه الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري بمقدار يتضح به عدم صحة قياس المقام به» إلخ.
[24] . مصباح الأصول (ط.ق): ج2، ص73-74 (ط.ج): ج1، ص80: «نعم، يرد النقض بالشبهة غير المحصورة لوصول الحكم الواقعي فيها أيضا بالعلم الاجمالي … و أما نحن ففي فسحة من هذا النقض، لأنا نقول بعدم الفرق بين قلة الأطراف و كثرتها في حكم العقل بلزوم الامتثال … نعم، لو كانت الشبهة مما لا يمكن إحراز الامتثال فيها أصلا- لعدم قدرة المكلف على الإتيان بجميع الأطراف» إلخ.
[25]. تقدم في الجزء الأول ص579: «أنّ في مراتب الحكم اختلافاً بين الأعلام فقال صاحب الكفاية! بكونها أربعاً: الاقتضاء و الإنشاء و الفعلية و التنجز. و قال المحقق الاصفهاني بكونها ثلاثاً: الاقتضاء و الإنشاء و التنجز. و قال المحقق النائيني! و المحقق الخوئي! بكونها اثنتين: الإنشاء و الفعلية بمعنى تحقق الموضوع خارجاً. و المختار أن مراتب الحكم ثلاث: الإنشاء و الفعلية و التنجز.
[26]. في الفوائد الحائرية، ص248: «و أمّا الشبهة المحصورة فعند هؤلاء ليست بداخلة فيما لايعلم، حتّى يشملها أدلّة الأصل، لأنّ حرمة أحدهما أو نجاسته يقينيّة فيجب امتثالهما قطعاً لعموم أَطِيعُوا اللَّه و غيره، و الامتثال ممكن و خال عن الحرج، و لايتأتّى إلاّ بترك المجموع فأحدهما حرام أو نجس. و الثّاني: يجب اجتنابه من باب المقدّمة و الأمور الواجبة كلّها كليّات و الامتثال يتحقّق بأفرادها و إن كان الخصوصيّة لا مدخل لها في الوجوب، لكن لابدّ من ارتكابها لكونها شرطاً في الوجوب هذا كما أنّ من يعلم أنّ عليه فائتة، و لايدري أنّها الصّبح، أو الظّهر، أو أنّها أيّها من الخمس، فإنّ الواجب الإتيان بالكلّ لتحصيل الامتثال.
أقول: هذه قاعدة وجيهة، إلاّ أنّه ورد في الّذي فيه الحلال و الحرام أنّه حلال حتّى تعرف الحرام بعينه. و في الصحيح عن أبي عبيدة عن الباقر%: «جواز الشراء من العامل الّذي يعلم أنّه يأخذ أكثر من الحقّ … حتّى يعرف الحرام بعينه» و في الصحيح عن أحدهما’: «عن الشراء الخيانة، و السّرقة؟ قال: لا، إلاّ أن يكون قد اختلط معه غيره، فأمّا السرقة بعينها فلا شراء» و في الموثّق عن إسحاق بن عمّار: «جواز الاشتراء من العامل الذي يظلم، ما لميعلم أنّه ظلم فيه أحداً» إلى غير ذلك، و ورد في الأخبار في المال المختلط إخراج الخمس و حلّيّة الباقي، و تفصيل الأمور في الفقه. و الاحتياط و الأولى- مهما أمكن- التجنّب عن الشّبهات، و ارتكاب الاحتياط في الفتوى و عدم الاتّكال على أصل البراءة مهما أمكن، لأنّ ما ورد في الاحتياط يكون في غاية الكثرة و الشدّة، و موافق لمسلك النجاة سيّما في زمان الحيرة، و خصوصاً بعد ملاحظة وهن العمومات، و شمولها لما يقع فيه الاحتياط، و إن كان الإتكال على أصل البراءة لا مانع منه أصلاً لكن في مثل دوران المرأة بين كونها بنتاً، أو زوجةً أو أختاً، و أمثال ذلك يجب الاجتناب البتّة و كذا في المأكولات مثل: كون أحد الإناءين فيه السّم المهلك جزماً، و لميعرف بعينه، و أمثال ذلك، و الله الهادي إلى سبيل النجاة.»
[27]. في مدارك الأحكام، ج1، ص107 – 108، عند التعليقة على قوله: «و لو اشتبه الإناء النجس بالطاهر وجب الامتناع منهما و إن لميجد غير مائهما تيمم»: «هذا مذهب الأصحاب، و المستند فيه ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله% قال: «سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لايدري أيهما هو؟ و ليس يقدر على ماء غيره، قال: يهريقهما و يتيمم» و هي ضعيفة السند بجماعة من الفطحية، و احتجّ عليه في المختلف أيضاً بأنّ اجتناب النجس واجب قطعاً و هو لايتم إلا باجتنابهما معاً و ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب.
و فيه نظر: فإنّ اجتناب النجس لايقطع بوجوبه إلا مع تحققه بعينه لا مع الشك فيه و استبعاد سقوط حكم هذه النجاسة شرعاً إذا لميحصل المباشرة بجميع ما وقع فيه الاشتباه غير ملتفت إليه، و قد ثبت نظيره في حكم واجدي المني في الثوب المشترك و اعترف به الأصحاب في غير المحصور أيضاً، و الفرق بينه و بين المحصور غير واضح عند التأمل، و يستفاد من قواعد الأصحاب أنّه لو تعلق الشك بوقوع النجاسة في الماء و خارجه لمينجس الماء بذلك و لميمنع من استعماله و هو مؤيد لما ذكرناه.»
[28]. في القوانين المحكمة (ط.ج): ج3، ص65: «إنّ الاشتباه في الموضوع يتصوّر على وجوه: أحدها: مجرّد احتمال اتّصاف الموضوع بالحرمة … و الثاني: أن يختلط الحلال و الحرام اختلاط مزج و شوب لايتمايزان عادة، كاختلاط حبوب الحنطة و أجزاء السمن و الدبس، و الثالث: أن يحصل العلم لك بأنّ هذا الموضوع واحد من الأمور التي بعضها حرام يقيناً و لايعلم أنّه هل هو أو غيره، و هو على قسمين: الأول: إنّ الأمور المردّد فيها محصورة معدودة، يمكن الإحاطة بها بلا عسر و صعوبة، و الثاني: أن يكون مردّداً بين أمور غير محصورة عادة، بمعنى تعسّر الإحاطة و تعذّرها، و لا خلاف في حرمة القسم الثاني، كما أنّه لا خلاف في حلّيّة غير القسم الأول من القسم الثالث و أمّا هو فاختلفوا فيه فذهب جماعة من الأصوليين إلى وجوب اجتنابه فقالوا: يجب اجتناب الشبهة المحصورة دون غيرها، و استدلّ عليه بأنّ الحكم بحلّيّة المجموع، يستلزم الحكم بحلّيّة ما هو حرام علينا قطعاً، و طهارة ما هو نجس جزماً كالإناءين المشتبهين و الثوبين كذلك، و الدّرهمين اللّذين أحدهما غصب، و إن حكمنا بأنّ أحدهما نجس أو حرام فهو ترجيح من غير مرجّح شرعيّ، و بأنّ الحرمة و النجاسة تكليفان يجب امتثالهما، و لايتمّ إلّا باجتناب الجمع، و ما لايتمّ الواجب إلّا به، فهو واجب.
و الفرق بين المحصور و غير المحصور أنّ ارتكاب جميع المحتملات ممكن و متحقّق عادة في المحصور، فيحصل اليقين باستعمال الحرام و النجس بخلاف غير المحصور، فلايتحقّق العلم فيه عادة لمكلّف واحد باستعمال المحظور، و حصوله لجميع المكلّفين غير مضرّ، لأنّ كلّا مكلّف بعلم نفسه، و إذ ليس فليس، و ذلك كواجد المنيّ في الثوب المشترك، و بأنّ الشّبهة المحصورة ليست بداخلة فيما لايعلم حتى يشمله أدلّة الأصل، لأنّ حرمة أحدها أو نجاسته يقينيّة فيجب امتثالهما يقيناً، كعموم (أَطِيعُوا اللَّهَ) و غيره.
أقول: و الأقوى فيه أيضاً أصالة البراءة، بمعنى أنّه يجوز الاستعمال بحيث لايحصل العلم بارتكاب الحرام، و نحن لانحكم بحلّيّة المجموع أبداً حتى يلزم الحكم بحلّيّة الحرام الواقعيّ اليقينيّ، و لانحكم بحلّيّة أحدهما بعينه و حرمته ليلزم التحكّم، بل نقول بحلّيّة الاستعمال ما لميتحقّق استعمال ما لاينفكّ عن استعمال الحرام جزماً، لا بمعنى الحكم بأنّه الحلال الواقعي حتّى يلزم التحكّم، بل بمعنى التخيير في استعمال أيّ منهما أراد من حيث إنّه مجهول الحرمة لعدم المرجّح، و نحن نقول بوجوب إبقاء ما هو مساو للحرام الواقعيّ أو أزيد منه.»
[29]. رياض المسائل، ج1، ص191 – 192: «لو نجس أحد الإناءين مثلا فاشتبه بالآخر و لميتعين اجتنب ماؤهما إجماعاً … و لتوقف الاجتناب عن النجس الواجب على الاجتناب عنهما و للموثقين: عن رجل معه إناءان فيهما ماء، وقع في أحدهما قذر لايدري أيهما هو و ليس يقدر على ماء غيره؟ قال: يهريقهما و يتيمم.»
و في ج12، ص126 – 127: «لو تميز الميت عن الحيّ اختص كلٌّ بحكمه، و أما مع الاشتباه فالأظهر الأشهر حرمة الجميع و بها قال كل من قال بالمنع من الميتة منه مع التميز عدا الشيخ في النهاية؛ فقال بالحل في هذه الصورة و تبعه القاضي و الماتن أيضاً استحسنه لظواهر النصوص المتقدمة، و المناقشة فيها واضحة …
نعم. ربما يعضد ما ذكروه المعتبرة المتضمنة للصحيح و غيره الدالة على أنّه إذا اجتمع الحلال و الحرام فهو حلال أبداً حتى تعرف الحرام بعينه لكنها معارضة بمثلها الدال على أنّه ما اجتمع الحلال و الحرام إلا و قد غلب الحرام الحلال و هذا أرجح للاعتضاد بالشهرة و على تقدير التسأوي و التساقط ينبغي الرجوع إلى مقتضى القاعدة في الشبهة المحصورة و هو الحرمة من باب المقدمة.»
[30]. فرائد الأصول، ج1، ص94 – 95 .
[31]. أجود التقريرات، ج2، ص54.
[32]. في المختارات في الأصول للشيخ محمد علي الحائري!، ج2، ص41: «إنّ العلم الإجمالى كالعلم التفصيلى علّة تامة لتنجز الحكم فيجب امتثاله كالعلم التفصيلى و يحرم مخالفته كذلك بلا فرق بينهما في تلك المرتبة.»
و في المحجّة في تقريرات الحجّة، ج2، ص284: «إنّ في العلم الإجمالي و إن كان علم و شكّ لكنّ أثر العلم هو ما قلنا و لايمكن للشرع و لا للعقل الترخيص في الأطراف لأنّه لو رخّص الشرع فقد رخّص في ارتكاب مبغوض واقعي، و كذلك العقل، بل العقل يحكم بترك الأطراف مقدمة إرشاداً، كما أنّه يمكن للشارع الحكم بترك الأطراف مولوياً … فكما أنّه لايجوز المخالفة القطعية في العلم الإجمالي كما بيّنا كذلك لا إشكال في وجوب الموافقة القطعية فيه.»
و في الأصول لميرزا أبو الفضل نجم آبادي! (1385)، ج2، ص522: «هذه خلاصة غاية ما يمكن أن يستدلّ به لعدم وجوب تحصيل الموافقة القطعيّة و التفكيك بين الأمرين و لكنّك خبير بفساده … و ثبت أنّ حكم العقل بالنسبة إلى كلا الأمرين تنجيزيّ إنّ ما يظهر من مطأوي كلمات شيخنا! من أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لتنجّز التكليف هو الحقّ، و أنّه لا فرق بينه و بين العلم التفصيلي من هذه الجهة.»
و في ص523: «التحقيق عدم التفكيك بين جهة الموافقة القطعيّة و مخالفتها.»
و في منتهى الأصول (ط.ج): ج2، ص331 و 332: «أمّا الثاني أي علّية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية فالحقّ أنّه كذلك لما عرفت من أنّ العلم الإجمالي بيان و منجّز لمتعلّقه كالعلم التفصيلي، بل هو علم تفصيلي بالنسبة إلى متعلّقه، و هو العنوان المردّد الانطباق، و إنّما الإجمال في ناحية متعلّقه من حيث ترديده في الانطباق، و إلّا ففي نفس العلم لا إجمال بل هو كاشف تامّ.»
[33]. نهاية الدراية، ج3، ص88: «تحقيق المقام برسم أمور: منها: أنّ حقيقة الحكم الحقيقي الذي عليه مدار الاطاعة و العصيان هو الإنشاء بداعي البعث و التحريك و جعل الداعي» إلخ.
[34]. نهاية الدراية، ج3، ص27: «و سيجيء إن شاء الله تعالى ما عندنا من أن المراد بالفعلي ما هو الفعلي من قبل المولى لا الفعلي بقول مطلق … فالمراتب على أي حال ثلاث.»
[35]. نهاية الدراية، ج3، ص89: «لا يكون الإنشاء المزبور بعثاً على أي تقدير إلا بلحاظ باعثيته في أفق النفس» إلخ .
و أفاد ذلك ببيان أبسط في المجلد الرابع، ص235: «و أما أن الانشاء بداعي جعل الداعي لا يكون مصداقاً لجعل الداعي حقيقة و فرداً للبعث الجدي، فلوجهين: أحدهما: أن موطن الدعوة أفق النفس» إلخ.
[36]. نهاية الدراية، ج3، ص89: «و منها: أن حقيقة العلم الإجمالي المصطلح عليه في هذا الفن لا تفارق العلم التفصيلي في حد العلمية.» إلخ، ج4، ص236: «و منها: أن العلم الإجمالي المصطلح عليه في هذا الفن لا يفارق العلم التفصيلي في حد العلمية» إلخ.
[37]. في الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية، ج2، ص141: «و استدل في شرح المفاتيح لهذا القول [أي حل الجميع] نصرة لعمه [الفيض الكاشاني]” بصحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة في كلام الفاضل الخراساني و موثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله%… و موثقة سماعة … قال: «إِنْ كَانَ خَلَطَ الْحَلَالَ بِالْحَرَامِ فَاخْتَلَطَا جَمِيعاً فَلَا يَعْرِفُ الْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ فَلَا بَأْس»، و صحيحة أبي بصير قال: «سألت أبا عبداللّه% عَنْ شِرَاءِ الْخِيَانَةِ وَ السَّرِقَةِ فَقَالَ لَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدِ اخْتَلَطَ مَعَهُ غَيْرُهُ» … و حسنة الحلبي قال: قال أبو عبد الله%: … «لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَرِثَ مِنْ أَبِيهِ مَالًا وَ قَدْ عَرَفَ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْمَالِ رِبًا وَ لَكِنْ قَدِ اخْتَلَطَ فِي التِّجَارَةِ بِغَيْرِهِ حَلَالٍ كَانَ حَلَالًا طَيِّباً فَلْيَأْكُلْهُ » … هذا ما نقله الشارح المشار إليه و ما ربما يتوهّم دلالته على ذلك أيضاً رواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق% قال: «سَأَلْتُهُ عَنِ الْحَضِيرَةِ مِنَ الْقَصَبِ تُجْعَلُ لِلْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ فَيَدْخُلُهَا الْحِيتَانُ فَيَمُوتُ بَعْضُهَا فِيهَا قَالَ لَا بَأْسَ.»، و موثقة حنان بن سدير عن أبي عبد الله%: «أَنَّهُ سُئِلَ وَ أَنَا حَاضِرٌ عَنْ جَدْيٍ رَضَعَ مِنْ خِنْزِيرَةٍ حَتَّى شَبَّ وَ اشْتَدَّ عَظْمُهُ ثُمَّ اسْتَفْحَلَهُ رَجُلٌ فِي غَنَمٍ لَهُ فَخَرَجَ لَهُ نَسْلٌ مَا تَقُولُ فِي نَسْلِهِ؟ قَالَ: أَمَّا مَا عَرَفْتَ مِنْ نَسْلِهِ بِعَيْنِهِ فَلَا تَقْرَبْهُ وَ أَمَّا مَا لَمْ تَعْرِفْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجُبُنِّ» ثم أجاب عن جميع الروايات فراجع ص145 – 155.
[38]. الكافي، ج5، ص313، كتاب المعيشة، باب النوادر، ح40؛ التهذيب، ج7، ص226، كتاب التجارات، الباب21، ح 9؛ الوسائل، ج17، ص89، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح4.
[39]. رجال الطوسي، أصحاب أبي جعفر، ص146.
[40]. رجال الكشي، ج1، ص390 .
[41]. مسعدة بن زياد الربعي: «ثقة عين روى عن أبي عبد الله%، له كتاب في الحلال و الحرام مبوّب.» أخبرنا محمد بن محمد قال: حدثنا أحمد بن محمد الزراري قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال: حدثنا هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد بكتابه، رجال النجاشي، ص415.
[42]. طبق تحقيقى كه شده، مسعدة بن زياد با مسعدة بن صدقه متحد است، مرحوم آقاى بروجردى مىفرمود- من كلام ايشان را با یک واسطه نقل مىكنم-: اين دو متحدند و يكى از استدلالات ايشان بر اتّحاد اين بود كه در بسيارى از موارد یک روايت در یک كتاب از مسعدة بن زياد و در روايت ديگر از مسعدة بن صدقه نقل شده است، اما نسبت مسعدة به زياد و به صدقه از اين باب است كه گاهى او را به پدر و گاهى او را تلخيصاً به جدّ نسبت مىدهند. زياد و صدقه هر دو از آباء مسعدة مىباشند. البته مرحوم آقاى بروجردى برخى از استدلالات بر اتحاد داشتهاند كه آنها مخدوش است ولی اصل مدّعا تمام است. مسعدة بن زياد با اين عنوان توثيق شده است ولى به عنوان مسعدة بن صدقه توثيق نشده است ولى بعد از اثبات اتحاد، مسعدة بن صدقه ثقه خواهد بود و روايت معتبر خواهد بود. (كتاب النكاح، السيد موسى الزنجاني، ج14، ص4650.)
[43]. معجم رجال الحديث و تفصيل طبقات الرجال، ج19، ص152: و قال!: أن صريح النجاشي أن الموصوف بالربعي هو مسعدة بن زياد، كما أن الموصوف بالعبدي هو مسعدة بن صدقة، و لكن الذي يظهر من الروايات أن الأمر بالعكس.
[44]. و لا يخفى عليك ضعف هذا الاستدلال و ذلك: لأن الرواية و إن عبّر عنها في كلام شيخنا الأنصاري (قده) بالموثقة إلا أنا راجعنا إلى حالها فوجدناها ضعيفة، حيث لم يوثق مسعدة في الرجال، بل قد ضعّفه المجلسي و العلامة و غيرهما. نعم ذكروا في مدحه أنّ رواياته غير مضطرب المتن، و أنّ مضامينها موجودة في سائر الموثقات و لكن شيئا من ذلك لا يدل على وثاقه الرجل، فهو ضعيف على كل حال و لا يعتمد على مثلها في استنباط الحكم الشرعي، و عليه فلا دليل على اعتبار البينة في الموضوعات. (التنقيح في شرح العروة، ج1، ص316).
[45]. فرائد الأصول، ج2، ص201: «قلت: أما قوله عليه السلام: “كلّ شيء حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه” فلا يدل على ما ذكرت، لأن قوله عليه السلام: “بعينه” تأكيد للضمير جيء به للاهتمام في اعتبار العلم» إلخ.
[46]. في الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية، ج2، ص145 – 148: «أما الروايات الدالة على أنّ كلّ ما فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه- و هي عمدة الشبهة، فيما ذهبوا إليه- فالجواب عنها من وجوه:
الأول: أنّ الظاهر من سياق مقالها و قرائن أحوالها إنّما هو بالنسبة إلى غير المحصور، يعني: أنّ كل شيء من الأشياء و نوع من الأنواع له أفراد بعضها في الواقع حلال و بعضها حرام، مثل اللحم بعضه ذكي و بعضه ميتة، و الأمتعة، و الفواكه و نحوها في أيدي المسلمين، و أسواقهم فيها المغصوب و السرقة و المملوك، فكل فرد من تلك الأفراد رأيته حكمت عليه بالحلية، حتى تعلم أنّه حرام، يدل على ذلك قوله% في موثقة مسعدة بن صدقة: و ذلك مثل الثوب إلى آخر الرواية؛ فإنّ جميع تلك الأمثلة التي أوردها% إنّما هي من قبيل غير المحصور كما ذكرناه.
لايقال: إنّ التمثيل لايخصص عموم الحكم المستفاد من صدر الخبر لأنّا نقول: إن أريد أن التمثيل بخصوص هذه الأمثلة المذكورة في الخبر لايخصص فمسلم و لكن لايضرّنا، و إن أريد التمثيل بها و بما كان من قبيلها من الأمور الغير المحصورة فهو ممنوع. كيف، و الأمثلة إذا ذكرت بعد القواعد الكلية صارت موضحة لها و مبيّنة لها، فتحمل تلك القواعد عليها و على نظائرها … و بالجملة، فالقدر المقطوع به من الخبر الذي لايعتريه الشكّ في صحيح النظر إنّما هو ما ذكرناه…
و نزيد لذلك توضيحاً و بياناً أنّ هذه العبارة في أكثر الأخبار إنّما خرجت عنهم( في أخبار الجبن، فإنّه قد كثرت الأسئلة عنه في زمانهم(، و هو قرينة واضحة على أنّ مورد تلك الكلية إنّما هي في الأفراد التي مثل الجبن في كونه غير محصور …
الثاني: أنّه بمقتضى ما قدّمنا من الآيات القرآنية و السنة المستفيضة الدالة على وجوب اجتناب الحرام مطلقاً أعمّ من أن يكون متميزاً متشخّصاً أو مختلطاً بأفراد محصورة يجب تقييد هذه الأخبار بها جمعاً بين الأدلّة، فتخص هذه الأخبار بما كان غير محصور.
فإن قيل: تخصيص الأخبار الدالة على أنّ كل شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال، بتلك الأدلّة الدالة على وجوب اجتناب الحرام- كما تدّعونه- ليس أولى من العكس كما يدّعيه الخصم؛ قلنا: لا ريب أنّ التخصيص على ما ندّعيه هو الأوفق بالقواعد الشرعية و الاحتياط في الدين، لما عرفت ممّا يترتب على ذلك القول من المفاسد التي لايلتزمها ذلك القائل من تحليل الزنا، و نكاح المحارم، و أكل أموال الناس بالباطل، و فتح باب الحلية للسارقين و الغاصبين…
الثالث: معارضة عموم هذه الأخبار بالأخبار الخاصة التي نقلناها مثل صحيحة ضريس و ما بعدها. و مقتضى القاعدة المتفق عليها من تقديم الخاص و تخصيص العام به، و تقييد المطلق بالمقيّد هو العمل بتلك الأخبار الخاصة و تقييد عموم أخبار الخصم بها.»
[47]. من لا يحضره الفقيه، ج3، ص341، باب الصيد و الذبائح، ح4208.
[48]. الكافي، ج5، ص313، كتاب المعيشة، باب النوادر، ح39: (رواه عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد و أحمد بن محمد عن ابن محبوب).
[49]. التهذيب، ج9، ص79، كتاب الصيد و الذبائح، باب الذبائح و الاطعمة و ما يحل من ذلك و ما يحرم منه، ح72: (رواه بإسناده عن الحسن بن محبوب) و ج7، ص226، كتاب التجارات، باب من الزيادات، ح 8: (رواه بإسناده عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب مثله)؛ الوسائل، ج17، ص87، كتاب التجارة، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح1.
[50]. في بحوث في علم الأصول، ج5، ص196: «هنا تقريبات أخرى يمكن أن تذكر لجريان الأصل الترخيصي في بعض أطراف العلم الإجمالي نشير إلى بعضها:
منها: دعوى إجراء الأصل في كل طرف للتأمين عن ارتكابه بالخصوص من دون أن يلزم من ذلك الترخيص في المخالفة القطعية و لا التقييد في إطلاق دليل الأصل لأنّ الترخيص في كل طرف بالخصوص باعتباره مشكوكاً لاينافي لزوم الإتيان بالجامع لكونه معلوماً، و هذا نظير التخيير الشرعي بين الخصال الثلاث حيث أنّ الجامع واجب بالرغم من الترخيص في ترك كل منها بخصوصه و عدم الإلزام به.
و منها: تطبيق مبنى نقحناه في بحوث العام و الخاصّ من صحّة التمسك بعموم العام أو إطلاق المطلق في موارد العلم بخروج أحد الفردين منه إجمالاً لإثبات الحكم في الفرد الآخر إجماله و لو فرض عدم تعيين الفرد الآخر واقعاً و الّذي أرجعناه بحسب الحقيقة إلى حجية في كل طرف مشروطة بعدم خروج الآخر و حيث يعلم بخروج أحدهما إجمالاً فيعلم بفعلية إحدى الحجتين. ففي المقام يقال بشمول دليل الأصل الترخيصي لكل طرف تعييناً مشروطاً بعدم الترخيص في الطرف الآخر و حيث يعلم بعدم الترخيص في أحدهما- لعدم إمكان الترخيص فيهما معاً- فيعلم بفعلية الترخيص في أحد الطرفين لا محالة.
و منها: ما إذا فرض العلم إجمالاً بأحد تكليفين أحدهما أهم من الآخر، حيث يقال: إنّ مقتضى القاعدة جريان الأصل الترخيصي في الطرف غير الأهم إذ لايحتمل جريانه في الطرف الآخر دونه فالترخيص في الطرف الأهم يعلم بسقوطه على كل حال فلا يبقى محذور للتمسك بإطلاق الترخيص في الطرف غير الأهم طبقاً للنكتة التي أشرنا إليها الآن» و أجاب عن جميعها.
[51]. أما جريان الأصل في تمام أطراف العلم الإجمالي ففي بحوث في علم الأصول، ج5، ص180: «المستفاد من كلمات المحققين (قدس اللَّه أسرارهم) عدم المانع عن ذلك [إثباتاً] لتصريحهم بأنّ كل طرف من الأطراف مشمول لإطلاق أدلة الأصول في نفسه، و إنّما المانع عن التمسك به المحذور الثبوتي المتقدم، و الصحيح أنّ المانع بحسب الحقيقة إثباتي … و يمكن توضيح حقيقة هذا المانع بأحد تقريبين:
التقريب الأول: إنّ الأغراض الإلزامية في التكاليف بحسب النظر العقلائي لايرفع اليد عن ما أحرز منها لمجرد غرض ترخيص آخر محتمل أو معلوم مشتبه معه، إذ الأغراض الترخيصية في ارتكاز العقلاء لايمكن أن تبلغ درجة تتقدم على غرض إلزاميّ معلوم، و من هنا يكون الترخيص في تمام الأطراف بحسب أنظارهم كأنّه تفويت لذلك الغرض الإلزامي و مناقض معه، إلخ.
التقريب الثاني: دعوى القصور في شمول أدلة الترخيص لتمام أطراف العلم الإجمالي، فإنّ عنوان ما لايعلم أو الشبهة و إن كان شاملاً لكل طرف من الأطراف في نفسه إلّا أنّ المنساق من الحكم المجعول في هذه الأدلّة إنّما هو الترخيص الظاهري لصالح الأغراض الترخيصية في موارد التزاحم بينها و بين الأغراض الإلزامية المشتبهة التي لايعلم بها لا الأغراض الإلزامية التي يعلم بها، فكل طرف من حيث هو و إن كان مشكوكاً لايعلم بالغرض الإلزامي فيه إلّا أنّ مجموع الأطراف يعلم بالغرض الإلزامي فيها إلخ».
و في أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية، ج2، ص205: «التحقيق أنّ عدم جريان الأصول بالنسبة إلى بعض الأطراف إنّما هو لأمر آخر، و هو قصور أدلّة الترخيص عن شمول الأطراف.»
و في منتقى الأصول، ج5، ص61: «إنّ الاحتمالات في المقام ثلاثة: الأول: عدم شمول أدلة الأصول مطلقاً لأطراف العلم الإجمالي … أما الاحتمال الأول فالوجه فيه هو ما أفاده الشيخ) في باب الاستصحاب في روايات الاستصحاب، و أشار إليه في مبحث البراءة في روايات البراءة من أنّ دليل الأصل مذيل بما ينافي مفاده عند حصول العلم الأعم من التفصيليّ و الإجمالي، فيتحقق التهافت بين الصدر و الذيل فيتساقطان.»
و لكن في قبال ذلك:
جاء في أصول الفقه للشيخ محمد علي الأراكي!، ج2، ص101: «إنّ حكم الشكّ المذكور في الروايات يشمل عمومه أطراف العلم الإجمالي، و لا قصور في عمومها أصلاً، و لا معارض لهذا العموم بالنسبة إلى الأطراف أيضاً في حدّ ذاتها لا من حكم الشرع و لا من العقل، فيقع الكلام حينئذٍ في كيفيّة شمول هذا العموم للأطراف، بمعنى أنّه يشمل جميعها أو البعض المعيّن أو بعضاً لا بعينه.»
و في منتقى الأصول، ج5، ص67: «الذي يتلخص مما حققناه أنّه لا مانع إثباتاً من شمول أدلة الأصول جميعها لأطراف العلم الإجمالي، و أساسه كما عرفت على الالتزام بأنّ الحكم المستفاد من الذيل أو الغاية حكم إرشادي لا تأسيسي.»
[52]. تتمة لهذا البحث فيها مطالب اربعة:
المطلب الأول:
قد مضت روايتان موثقة مسعدة بن صدقة و صحيحة عبد الله بن سنان و نظيرهما ثلاث روايات آخر: رواية عبد الله بن سليمان و رواية الحسين بن أبي غندر و مرسلة معاوية بن عمار.
الرواية الأولى: في الكافي ج6، ص339، ح1: «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ% عَنِ الْجُبُنِّ فَقَالَ لِي: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ طَعَامٍ يُعْجِبُنِي ثُمَّ أَعْطَى الْغُلَامَ دِرْهَماً فَقَالَ: يَا غُلَامُ ابْتَعْ لَنَا جُبُنّاً، وَ دَعَا بِالْغَدَاءِ فَتَغَدَّيْنَا مَعَهُ وَ أُتِيَ بِالْجُبُنِّ فَأَكَلَ وَ أَكَلْنَا مَعَهُ فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الْغَدَاءِ قُلْتُ لَهُ مَا تَقُولُ فِي الْجُبُنِّ؟ فَقَالَ لِي: أَ وَ لَمْ تَرَنِي أَكَلْتُهُ؟ قُلْتُ: بَلَى، وَ لَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ، فَقَالَ: سَأُخْبِرُكَ عَنِ الْجُبُنِّ وَ غَيْرِهِ؛ كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى تَعْرِفَ الْحَرَامَ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَه.»
و رواه في المحاسن، ج2، ص495 عن ابن محبوب.
الرواية الثانية: في الأمالي، ص669 : «وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي غُنْدَرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، قَالَ: الْأَشْيَاءُ مُطْلَقَةٌ مَا لَمْ يَرِدْ عَلَيْكَ أَمْرٌ وَ نَهْيٌ، وَ كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ أَبَداً، مَا لَمْ تَعْرِفِ الْحَرَامَ مِنْهُ فَتَدَعَهُ.
الرواية الثالثة: في المحاسن ج2، ص496 – 497: «عَنْهُ، عَنِ الْيَقْطِينِيِّ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ% فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنِ الْجُبُنِّ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ%: إِنَّهُ طَعَامٌ يُعْجِبُنِي فَسَأُخْبِرُكَ عَنِ الْجُبُنِّ وَ غَيْرِهِ، كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ الْحَلَالُ وَ الْحَرَامُ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى تَعْرِفَ الْحَرَامَ فَتَدَعَهُ بِعَيْنِهِ».
و مثلها أيضاً ما رواه في الكافي، ج6، ص339: «أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ النَّهْدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ% فِي الْجُبُنِّ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى يَجِيئَكَ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عِنْدَكَ أَنَّ فِيهِ مَيْتَةً.»
المطلب الثاني:
ذكر المحقق الصدر! في بحوث في علم الأصول، ج5، ص189 – 195 وجوهاً تسعةً للمانع الإثباتي عن جريان الأصل في بعض أطراف العلم الإجمالي، و أجاب عن الستة الأولى:
الأول: ما ذكره السيد الأستاذ من أنّ لدليل الأصل في كل طرف إطلاقاً إفرادياً و إطلاقاً أحوالياً لحالة ترك الفرد الآخر أو فعله، و المحذور كما يندفع برفع اليد عن الإطلاقين الأحواليين معاً كذلك يندفع برفع اليد عن الإطلاق الأفرادي و الأحوالي في أحد الطرفين خاصة، فأي مرجّح لأحدهما على الآخر؟
الجواب عن الوجه الأول: إنّ دفع المحذور لابدّ و أن يكون بحدود الضرورة و بملاك التعارض لا جزافاً و المعارضة بحسب الحقيقة ليست بين الإطلاقين الأفراديين في الطرفين بل بين الإطلاقيين الأحواليين بعد فرض الإطلاق الأفرادي، و لهذا يمكن الحفاظ على الإطلاق الأفرادي في كل من الطرفين، فالمتعين للسقوط بالمعارضة إنّما هو الإطلاق الأحوالي لدليل الأصل في كل من الطرفين إلخ.
الثاني: ما ذكره [السيد الأستاذ] أيضاً من أنّه إذا أريد إجراء الأصل مقيداً في كل طرف فهناك أوجه عديدة للتقييد، فقد يجري الأصل في كل طرف مقيداً بترك الآخر، أو بأن يكون قبل الآخر، أو بأن يكون بعد الآخر، فأي مرجح لتقييد على تقييد؟
الجواب عن الوجه الثاني: إنّ التقييد إنّما يراد لإلغاء الحالة التي لها حالة معارضة في دليل الأصل و إبقاء الحالة التي لا معارض لها من حالات الطرف الآخر، و الحالة التي لا معارض لها كذلك هي حالة ترك الطرف الآخر، و أما حالة كونه قبل الآخر مثلاً فجريان الأصل فيها يعارض جريانه في الآخر حالة كونه بعد صاحبه.
الثالث: ما أفاده أيضاً نقلاً عن شيخه النائيني! من أنّ التقابل بين الإطلاق و التقييد تقابل العدم و الملكة فإذا امتنع أحدهما امتنع الآخر، و ما نحن فيه يمتنع فيه إطلاق الترخيص في كل طرف فيمتنع التقييد أيضاً.
الجواب عن الوجه الثالث: -مضافاً إلى بطلان المبنى- أولاً: إنّ الممتنع في المقام اجتماع الإطلاقين لا ذاتهما كي يلزم بناء على كون التقابل بنحو العدم و الملكة امتناع التقييد، و ثانياً: إنّ القابلية و الإمكان التي لابدّ و إن تؤخذ في موارد هذا اللون من التقابل إنّما قابلية المورد للملكة لا لعدمها فإذا استحال التقييد استحال الإطلاق- كما ذكر المحقق النائيني! ذلك في بحث التعبدي و التوصلي- لا العكس كما في المقام.
و في آراؤنا في أصول الفقه، ج2، ص228: «إنّ التقابل بين الإطلاق و التقييد بالتضاد مضافاً إلى أنّ استحالة أحد المتقابلين يستلزم وجوب الآخر لاستحالة الإهمال في الواقع و استحالة أحد المتقابلين بالتقابل المذكور في جملة من الموارد يوجب وجوب الطرف الآخر» إلخ.
الرابع: ما ذكره السيد الأستاذ أيضاً من أنّ الجمع بين الترخيصين المشروطين و إن كان لايؤدي إلى الترخيص في المخالفة القطعية و لكنه يؤدي إلى الترخيص القطعي في المخالفة، و ذلك فيما إذا ترك الطرفين معاً و هو محال أو قبيح فإنّ القبيح ليس خصوص الترخيص في المخالفة القطعية بل الترخيص القطعي في المخالفة قبيح أيضاً إلخ.
الجواب عن الوجه الرابع: أولاً: إنّ الحكم الظاهري في نفسه ليس مستحيلاً و لا قبيحاً ذاتاً، و إنّما يمتنع إذا كان منافياً للحكم الواقعي و مصادماً مع مقتض من مقتضياته في مرتبة الجعل أو مبدئه أو أثره، و نحن لانجد مصادمة بين الحكم الظاهري في المقام مع شيء من مقتضيات الحكم الواقعي … و ثانياً: بالإمكان تصوير الترخيصات المشروطة على نحو لاتصبح كلها فعلية في وقت واحد ليلزم الترخيص القطعي في المخالفة الواقعية إلخ.
و في آراؤنا في أصول الفقه، ج2، ص229: «أنّه لايتوجه محذور لا من ناحية المبدء و لا من ناحية المنتهى؛ أما من ناحية المبدء فلأنّا ذكرنا مراراً أنّه لاتناقض و لاتضاد بين الأحكام الشرعية … و أما من ناحية المنتهى فما دام المكلف تاركاً لكلا الطرفين لايصدر عنه العصيان و مع ارتكاب أحد الطرفين لايجوز له ارتكاب الطرف الآخر فلا محذور من هذه الناحية أيضاً» إلخ.
الخامس: إنّ الحكم الظاهري يجب أن يكون محتمل المطابقة مع الواقع، و الترخيص المشروط ليس كذلك إذ لايحتمل الإباحة المشروطة واقعاً في شيء من الطرفين بل ما هو ثابت في الواقع إما الحرمة المطلقة أو الترخيص المطلق.
الجواب عن الوجه الخامس: إنّه لا برهان على اشتراط ذلك في الحكم الظاهري و إنّما يشترط فيه أمران: أحدهما: أن يكون الحكم الواقعي مشكوكاً، و الآخر: أن يكون الحكم الظاهري صالحاً لتنجيزه أو التعذير عنه و لو بمرتبة من المراتب.
و في آراؤنا في أصول الفقه، ج2، ص229: «إنّ الإشكال المذكور مدفوع نقضاً و حلاً؛ أما الأول فجريان إصالة الحل في الشبهة البدوية فإنّ الموضوع للاصل مشكوك الحكم و موضوع الحكم الواقعي مطلق فلا تطابق، و أما الثاني فلأنّه لا دليل على الاشتراط المذكور، و إنّما اللازم احتمال سنخية الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي و هذا الشرط متحقق في المقام.»
السادس: إنّ الترخيص في كل طرف يتصور على أحد وجوه ثلاثة كلها غير معقولة: 1- الترخيص المطلق 2- الترخيص مع تقييد الموضوع المرخص فيه بترك الآخر أي الترخيص في الحصة المقترنة مع ترك الآخر 3- الترخيص مع تقييد الحكم بحالة ترك الآخر إلخ.
الجواب عن الوجه السادس: إنّ سريان قيود الحكم إلى المتعلق لايعني لحاظ المتعلق مقيداً بها بل المتعلق ذات الطبيعة، فإنّ الإطلاق ليس أمراً لحاظياً بل ذاتي كما تقدم في بحوث المطلق و المقيد، و عليه يمكن الحكم على طبيعي الشرب بترخيص مقيد بترك الآخر.
السابع: ما نوضحه ضمن نكتتين: الأولى: إنّ الحكم التخييري سواء كان إلزاماً أو ترخيصاً إذا كان واقعياً يمكن أن يكون مفاده و مدلوله التصديقي الحكائي؛ أي: ملاكه و مبدأه في الجامع، و يمكن أن يكون في كل طرف مشروطاً بترك الآخر، و أما الحكم الظاهري فبلحاظ المدلول التصديقي الإنشائي أي الحكم و إن كان يعقل تارة جعله على الجامع و أخرى جعله على كل واحد من الطرفين مشروطاً لكن بحسب مفاده الحكائي لايعقل سوى التخيير بمعنى إرادة الجامع … و هذا فرق أساسي يختلف فيه الحكم الظاهري عن الواقعي.
الثانية: لو ورد دليل الترخيص التخييري في مورد العلم الإجمالي … استفيد منه لامحالة الترخيص التخييري، و أما إذا لميكن في البين إلّا مطلقات الترخيص الظاهرة في جعله على كل طرف تعييناً فتقييد كل من الترخيصيين بترك الآخر و إن كان لا بأس به على مستوى المدلول الإنشائي للخطاب … و لكنّه بلحاظ المدلول التصديقي الحكائي أي الملاك و المبادئ يستلزم تحويل الترخيص في كل طرف بعينه إلى ترخيص للجامع، و هذه مؤونة زائدة لايمكن استفادتها من مجرد إطلاق أدلة الترخيص العامة.
الثامن: إنّ أدلة الأصول الترخيصية قاصرة عن شمول كل طرف مشروطاً بترك الآخر و ذلك لأنّ أدلة الترخيص على أقسام ثلاثة: 1- ما يكون من قبيل حديث الرفع الذي ظاهره علاج التزاحم بين غرضين ترخيصي و إلزاميّ محتمل. 2- دليل أصالة الحل. 3- دليل الاستصحاب. أما القسم الأول: فقد تقدم أنّها لاتشمل في نفسها فرض العلم الإجمالي بالإلزام مع قطع النّظر عن مسألة الابتلاء بالمعارض، و أما القسم الثاني: فالصحيح منه سنداً و دلالة خبر ابن سنان و هو و إن كان ناظراً إلى فرض العلم الإجمالي بالإلزام بقرينة قوله%: (حتى تعرف الحرام منه بعينه) إلّا أنّه من المحتمل قوياً أن يكون المنظور إليه بقرينة الصدر: (كل شيء فيه حلال و حرام) وجود الحرام ضمن المجموع من شيء يعتبر بمثابة الكل الّذي قد اختلط الحرام و الحلال في أجزائه لا الكلي الذي في مصاديقه حرام و حلال … و أما القسم الثالث: و هو دليل الاستصحاب فحيث أنّ المنساق منه ملاحظة كاشفية اليقين السابق فاستفادة حجية اليقين السابق في كل طرف مشروطاً بترك الطرف الآخر غير مناسب مع نكتة الكاشفية إلخ.
التاسع: التمسك ببعض الأخبار المتفرقة الواردة في موارد مختلفة من العلم الإجمالي بالتكليف و تأمر بالاجتناب و الموافقة القطعية من قبيل ما ورد من لزوم الاجتناب عن الأغنام التي نعلم بكون بعضها موطوءة، و ما ورد من الأمر بإراقة الماءين اللذين يعلم بنجاسة أحدهما؛ فإنّ هذه الروايات بعد ظهور أنّها ليست في مقام تخصيص في الحكم الواقعي تدل على عدم جريان الأصل الترخيصي في أحد الطرفين و لو مشروطاً بترك الآخر و إلّا لميجز إراقتهما و التيمم و جاز شرب أحدهما أو أكل أحد الأغنام و بعد إلغاء خصوصية مورد التكليف المعلوم بالإجمال يستفاد منها كبرى كلية هي عدم جريان الأصول المرخصة في شيء من أطراف العلم الإجمالي عند تسأويها بالنسبة إلى أدلة الترخيص إلخ.
المطلب الثالث:
في بحوث في علم الأصول، ج5، ص176: «ذكر المحققون كلٌّ حسب مسلكه و مشربه بياناً لإثبات المانع الثبوتي عن جريان الأصول المرخصة في تمام الأطراف و قد عبر عنه في كلماتهم بعلية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية و عدم إمكان الترخيص في تمام أطرافه، و فيما يلي نلخّص كلماتهم ضمن وجوه ثلاثة تبنت كل واحد منها إحدى المدارس الثلاث: مدرسة المحقق الخراسانيّ، و مدرسة المحقق النائيني، و مدرسة المحقق العراقي (قدس اللَّه أسرارهم):
الوجه الأول: ما ذكره المحقق الخراساني! من التضاد و التناقض بين جعل الترخيص الظاهري في تمام الأطراف و بين الواقع المعلوم بالإجمال إذا فرض بلوغه مرتبة الحكم الفعلي و لو بنفس تعلق العلم الإجمالي به، إذ لايعقل الحكم و الإرادة الفعلية المطلقة في أحد الطرفين مع الترخيص الفعلي في كلا الطرفين، و إنّما يعقل ذلك فيما إذا لم يكن التكليف الواقعي فعلياً مطلقاً بأن تتوقف فعليته على شيء آخر كتعلق العلم التفصيليّ به.»
الجواب عن الوجه الأول:
في بحوث في علم الأصول: «فيه: إن كان المراد من الفعلية المطلقة للتكليف المعلوم بالإجمال فعلية تحفظ المولى عليه بلحاظ حالة التزاحم الحفظي و الاشتباه فهذه الفعلية تناقض الترخيص في الخلاف فلايمكن جريانه في تمام الأطراف إلّا أنّ هذا المعنى للفعلية يعني إيجاب الاحتياط و الإلزام بحفظ التكليف حتى في مورد الشبهة و الشك الّذي هو ضد الترخيص و الإباحة الظاهرية و ليس الكلام فيه … و إن كان المراد فعلية التكليف ذاتاً و بقطع النّظر عن مسألة المزاحمة أي فعليته في نفسه بلحاظ مباديه أو جعله و اعتباره أو موضوعه فالفعلية بهذا المعنى لاتنافي الترخيص الظاهري في تمام الأطراف لما تقدم من أنّ مرتبة الحكم الظاهري محفوظة و معقولة حتى في موارد العلم الإجمالي.»
و في مصباح الأصول طبع موسسة إحياء آثار السيد الخوئي! ج2، ص408: «فيه: أنّ فعليّة الحكم إنّما هي بفعليّة موضوعه بما له من الأجزاء و القيود … و حينئذٍ فلو أراد من قوله: إنّ الحكم الواقعي قد لايكون فعليّاً من جميع الجهات، أنّ العلم التفصيلي مأخوذ في موضوعه، كما يظهر من قوله!: إن علم به المكلّف يكون فعليّاً فيردّه الإجماع و الروايات الدالّة على اشتراك الأحكام بين العالم و الجاهل … و إن أراد أنّ العلم لميؤخذ في موضوع الحكم الواقعي و مع ذلك لايكون فعليّاً قبل العلم به، ففيه: أنّه غير معقول، لاستلزامه الخلف.»
و في آراؤنا في أصول الفقه، ج2، ص223: «يرد عليه أنّ المانع الوحيد في الأخذ بالأمارة أو الأصل عدم إمكان الجمع في مقام الامتثال، و بعبارة أخرى: الإشكال من ناحية المنتهى و إلّا فلا مجال لإشكال التناقض فإنّ باب الأحكام الشرعية إجنبي عن التناقض و التضاد و التماثل فإنّها أوصاف تعرض للأمور الخارجية.»
الوجه الثاني: ما ذكره المحقق النائيني! من أنّ الترخيص في تمام الأطراف ترخيص في معصية التكليف الواصل و الترخيص في المعصية قبيح لايصدر من الحكيم، و إن شئت قلت: يقع التضاد بين الترخيص الظاهري في الطرفين و حكم العقل بقبح المعصية لا بينه و بين الحكم الواقعي كما توهّمه المحقق الخراساني!.
و في مجمع الأفكار و مطرح الأنظار، ج3، ص420: «إذا علمنا بأنّ النجاسة في الخارج موجودة بين الكأسين نعلم أنّ الحكم بالاجتناب عن النجس الخارجي يكون في البين و الترخيص في طرف واحد أو الأطراف يكون من الترخيص في المعصية و هو قبيح على المولى.»
الإيراد على الوجه الثاني:
في بحوث في علم الأصول، ج5، ص177: «فيه: أنّ المعصية و إن كانت قبيحة كلّما تحققت بحكم العقل، و حكم العقل لايقبل التخصيص إلّا أنّ الكلام في تحقق موضوعها فإنّ هذا فرع أن تكون منجزية العلم تنجيزية لا معلقة على عدم الترخيص الشرعي، و قد تقدم في أصل البرهان أنّ حكمه تعليقي و ليس تنجيزياً فيمكن للشارع أن يرفعه بترخيصه لأنّ هذا الحكم من أجل المولى و ليس عليه» إلخ.
و في آراؤنا في أصول الفقه، ج2، ص221: «صدور الالزام و الترخيص من المولى أمر غير ممكن لعدم إمكانه كون المكلف ملزماً و مطلق العنان إذ كيف يمكنه الجمع بين الامتثال و تركه و هذا هو العمدة في الاشكال و إلّا فمجرد الترخيص في العصيان و ترك الواجب أو فعل الحرام إذا كان ناشياً عن مصلحة لايكون ممتنعاً إذ لاتنافي بين الأحكام بما هي.»
الوجه الثالث: ما جاء في كلمات المحقق العراقي! و هو يمكن تحليله إلى أحد بيانين: الأول: إنّا لانتعقل فرقاً بين العلم الإجمالي و التفصيليّ في المنجزية، لأنّ الإجمال إنّما هو في خصوصيات لا دخل لها فيما يدخل في العهدة و تشتغل به الذّمّة بحكم العقل إذ ما هو موضوع لذلك إنّما هو العلم بالأمر أو النهي الصادرين عن المولى، و أمّا خصوصية كونه متعلقاً بالجمعة أو الظهر لا دخل لها في المنجزية … فالحاصل المنجز هو أصل الإلزام و هو معلوم تفصيلاً و لا إجمال فيه فلا قصور في منجزية العلم الإجمالي لما تعلق به من التكليف و أنّه بنظر العقل بالإضافة إلى ما تعلق به كالعلم التفصيليّ.
الثاني– إنّ الترخيص الظاهري و إن كان غير مناقض مع فعلية الحكم الواقعي لتعدد رتبتهما- بناءً على مسلكه في الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري- حتى في موارد العلم، و لكنه يناقض حكم العقل بوجوب الامتثال و الموافقة إذا فرض تنجيزياً لا تعليقياً، و كذلك يناقض اقتضاء التكليف الواقعي للتحريك و حفظ غرض المولى مع قيام طريق منجز إليه عقلاً، و نحن نستكشف تنجزية حكم العقل في المقام من ارتكازية التضاد بين الترخيص الشرعي في تمام الأطراف مع الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال عند العقلاء، إذ لولا ذلك لما كان هناك تضاد بين الترخيص الظاهري و التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال لا بلحاظ أغراضه و مبادئه و لا بلحاظ الغرض المقدمي و هو التحريك بالخطاب لأنّه فرع وجود طريق منجز.
الإيراد على البيان الأول:
في بحوث في علم الأصول، ج5، ص179: «فيه: إنّ عدم الفرق بين العلمين في المنجزية بمقدار أصل الإلزام الّذي تعلق به، و كون المنجز إنّما هو الإلزام المولوي صحيح، إلّا أنّ حكم العقل بالمنجزية هذا معلق في نفسه على عدم ورود ترخيص من الشارع سواء في موارد العلم التفصيلي أو الإجمالي» إلخ.
الإيراد على البيان الثاني:
في بحوث في علم الأصول: «فيه: أولاً: لو سلّمنا المناقضة بين الترخيص و بين حكم العقل لكونه تنجيزياً فهذا لايوجب سراية المناقضة إلى التكليف الواقعي لا بلحاظ مبادئ الحكم الواقعي الأصلية و لا بلحاظ الغرض المقدمي- حسب تصورات هذا المحقق إلخ.
و ثانياً: إن أريد من ارتكازية التضاد عند العقلاء بين الترخيص في تمام أطراف العلم الإجمالي و التكليف الواقعي المعلوم ارتكاز العقلاء بحسب تعايشهم و أوضاعهم و أغراضهم العقلائية فذلك صحيح إلّا أنّه ناشئ من غلبة أهمية أغراضهم الإلزامية و أرجحيتها من أغراضهم الترخيصية في التزاحم الحفظي فلايمكن إسراء ذلك إلى مولى ربّما تكون أغراضه الترخيصية أهم أو مسأوية مع الإلزامية كما لعله كذلك في حق الشارع الأقدس، و إن أريد ارتكاز العقلاء بلحاظ حكم العقل بالمنجزية محضاً و كونه بنحو العلية لا الاقتضاء- أي تنجيزياً لا تعليقياً- فالمفروض أنّ هذا التضاد بين الترخيص الظاهري و الحكم الواقعي إنّما نشأ ببركة حكم العقل بالتنجيز فكيف يعقل أن يكون حكم العقل بالتضاد أجلى و أوضح من حكمه بالتنجيز بحيث يستدل به عليه. و الظاهر وقوع الخلط بين الارتكاز العقلي و العقلائي.
و ثالثاً: ما تقدم من أنّ حكم العقل بالتنجيز و حق الطاعة تعليقي دائماً.»
و في مصباح الأصول، ج2، ص409 من الموسوعة: «الثاني: ما ذكره بعض الأساطين [في نهاية الأفكار] من أنّ الحكم الواقعي قد وصل إلى المكلّف و تنجّز، فامتنع جعل الترخيص على خلافه و لو احتمالًا، فإنّ نفس التكليف و الإلزام واصل و معلوم تفصيلًا، إنّما التردّد في متعلّقه، فلايمكن الترخيص في مُخالفة هذا الإلزام و لو احتمالاً.
و فيه أولاً: النقض بما لو فرض كون الأصل الجاري في بعض الأطراف نافياً دون بعض آخر، كما لو علم اجمالًا بوقوع نجاسة في أحد الإناءين، و كان أحدهما متيقّن النجاسة سابقاً، فإنّ أصالة الطهارة تجري في غير مستصحب النجاسة بلا إشكال، مع أنّ العلم بوجود تكليف فعلي موجود بالوجدان …
و ثانياً: الحلّ بأنّ موضوع الأصول إنّما هو الشكّ في التكليف، و هو موجود في كل واحد من الأطراف بخصوصه، فإنّ احتمال انطباق التكليف المعلوم بالإجمال إنّما هو عين الشك في التكليف.» و كذا في آراؤنا في أصول الفقه، ج2، ص224 و 225.
المطلب الرابع:
إن المحقق الصدر! أشار إلى أهمّ التعبيرات لإثبات منجزية العلم الإجمالي و هي أربعة:
قال في بحوث في علم الأصول، ج5، ص171 – 174:
الوجه الأول: ما يقتنص من كلمات المحقق النائيني! في أحد تقريري بحثه [أي أجود التقريرات] من أنّ العلم الإجمالي و إن كان بنفسه لايقتضي تنجيز الموافقة القطعية لكنه لما كان العلم الإجمالي مقتضياً بنحو العلية لحرمة المخالفة القطعية أوجب ذلك تعارض الأصول المؤمنة الشرعية و العقلية و تساقطها في الأطراف فيبقى الاحتمال في كل من الطرفين بلا مؤمن شرعي و لا عقلي فيتنجز التكليف المعلوم بالإجمال.
الوجه الثاني: ما ذكره المحقق العراقي! من أنّ العلم الإجمالي فرقه عن العلم التفصيليّ في أنّه عارض على الصورة الذهنية بحدها الإجمالي المبهم لا التفصيليّ إلّا إنّ هذين الحدين الإجمالي و التفصيليّ إنّما هو بلحاظ ما في الذهن من الصور لا بلحاظ الخارج فإنّه ليس فيه إلّا حد واحد هو الحد الشخصي، و عليه فبلحاظ عالم الذهن لايمكن أن يسري العلم الإجمالي العارض على الحد الإجمالي إلى الحد التفصيليّ، لأنّ الحدين متباينان و كل منهما معروض لأحد العلمين و يستحيل أن يسري أي عارض إلى غير معروضه، إلّا أنّه بلحاظ التنجيز فحيث أنّ التنجيز حكم عارض على الواقع لا على الصورة الذهنية كالعلم فلايقال فيه أنّه يستحيل أن يسري من الحد الإجمالي إلى الحد التفصيليّ لأنّ الواقع كما قلنا ليس له حدان بل حد واحد شخصي فيتنجز الواقع بهذا العلم بحده الواقعي في كل من الطرفين إلخ.
الوجه الثالث: إنّ العلم الإجمالي و إن تعلق بالجامع لكن الجامع تارة ينظر إليه قبل تحصصه و انطباقه في الواجب التخييري و أخرى ينظر إليه مفروغاً عن تحصصه و انطباقه على الخارج كما في المقام حيث يعلم بوجوب إحدى الخصوصيّتين أيضاً زائداً على الجامع فتتنجز الخصوصية في الفرض الثاني لا محالة.
الوجه الرابع: ما قد يظهر من بعض كلمات المحقق الأصفهاني! و هو مركب من مقدمتين: الأولى: أنّ ترك الموافقة القطعية بمخالفة أحد الطرفين يعتبر مخالفة احتمالية للجامع لأنّ الجامع إن كان موجوداً ضمن ذلك الطرف فقد خولف و إلّا فلا. الثانية: أنّ المخالفة الاحتمالية للتكليف المنجز غير جائزة عقلاً، لأنّها مسأوقة لاحتمال المعصية و حيث أنّ الجامع منجز بالعلم الإجمالي فلاتجوز مخالفته الاحتمالية.
[53]. كتاب المكاسب، ج3، بحث التنجيز في العقد، ص173.
[54]. المحقق الخوئي! في مصباح الأصول (ط.ق): ج2، ص78 و (ط.ج): ج2، ص86: «إنّ المراد بالجزم المعتبر في الإنشاء هو الجزم بالاعتبار النفساني من قبل المنشئ» إلخ. و راجع مصباح الفقاهة، ج3، ص58 و ما بعدها.
[55]. مصباح الأصول (ط.ق): ج2، ص78، (ط.ج): ج2، ص86: «و بالجملة التردد في الحكم الشرعي لا ينافي الجزم المعتبر في الإنشاء» إلخ.
[56]. و نظير هذا الاختلاف، الاختلاف في إمكان أخذ قصد الأمر في متعلق الأمر، و قد تقدم مفصلا في المجلد الثاني، البحث الأول (الاوامر)، الفصل الثاني (صيغة الأمر)، الأمر الثالث (الواجب التعبدي و التوصلي) المبحث الرابع، ص 190.
قلنا هناك: «إنّ المحقق الخراساني! و النائيني! و العراقي! و بعض الأساطين> قالوا باستحالة أخذ قصد الأمر في المتعلق و المحقق الإصفهاني! -الذي اخترنا نظريته – و المحقق الخوئي! قالا بعدم استحالة ذلك.»
[57]. كما في كفاية الأصول، ص75 قال: «يمكن أن يقال: إنّ كل ما ربما يحتمل بدواً دخله في الامتثال أمراً كان مما يغفل عنه غالباً العامة كان على الأمر بيانه و نصب قرينة على دخله واقعاً و إلا لأجل بما هو همّه و غرضه، أما إذا لمينصب دلالة على دخله كشف عن عدم دخله و بذلك يمكن القطع بعدم دخل الوجه و التمييز في الطاعة بالعبادة حيث ليس منهما عين و لا أثر في الأخبار و الآثار و كانا مما يغفل عنه العامة و إن احتمل اعتباره بعض الخاصة فتدبر جيداً.»
[58]. في فرائد الأصول، ج2، ص409، خاتمة في ما يعتبر في العمل بالأصل، الكلام في الاحتياط: «من أتى بصلوات غير محصورة لإحراز شروط صلاة واحدة- بأن صلى في موضع تردد فيه القبلة بين أربع جهات، في خمسة أثواب أحدها طاهر، ساجداً على خمسة أشياء أحدها ما يصح السجود عليه، مائة صلاة- مع التمكن من صلاة واحدة يعلم فيها تفصيلاً اجتماع الشروط الثلاثة، يعد في الشرع و العرف لاعبا بأمر المولى و الفرق بين الصلوات الكثيرة و صلاتين لايرجع إلى محصل».
[59]. في كفاية الأصول، ص274: «و أما كون التكرار لعباً و عبثاً فمع أنّه ربّما يكون لداع عقلائي إنّما يضر إذا كان لعباً بأمر المولى لا في كيفية إطاعته بعد حصول الداعي إليها كما لايخفى.»
و في درر الفوائد في الحاشية على الفرائد، الحاشية الجديدة، ص271 في التعليقة على قوله: «يعدّ في الشرع و العرف لاعبا بأمر المولى»: «كيف يعد لاعباً إذا كان له داع عقلائي إلى ترك تحصيل القطع و العمل بالاحتياط، فبالجملة الكلام أنّها هو في صرف التكرار للاحتياط، من دون انضمام جهة مانعة أخرى، إليه، كما لايخفى، فلاتغفل.»
[60]. أجود التقريرات (ط.ج): ج3، ص79.
[61]. مصباح الأصول (ط.ق): ج2، ص83 (ط.ج): ج2، ص92: «و فيه: أولاً ما تقدم من أنّ العقل ليس بمشرع، و لا يحكم إلا بلزوم الطاعة» إلخ.
[62]. في فوائد الأصول، ج3، ص71: «و لكن ينبغي بل يمكن أن يقال: إنّه يتعين أولاً العمل بمقتضى الطريق ثم العمل بما يقتضيه الاحتياط. و على ذلك يبتنى الخلاف الواقع بين العلمين الشيخ الأنصاري و السيد الشيرازي” في مسألة تقديم القصر على التمام أو تقديم التمام على القصر في المسافر إلى أربع فراسخ مع إرادة الرجوع ليومه، فإنّ الشيخ! لما اختار في المسألة تقديم أدّلة وجوب التمام جعل الاحتياط بالقصر بعد فعل التمام، و السيد أختار تقديم أدلة وجوب القصر جعل الاحتياط بالتمام بعد فعل القصر.»
و في أجود التقريرات (ط.ق): ج2، ص46: «إذا لميتمكن إلا من الامتثال التفصيلي الظنّي فإن كان الظنّ مما ثبت اعتباره بدليل خاص فحاله حال القطع الوجداني … فإذا كان هو في مرتبة و المفروض تأخر مرتبة الامتثال الإجمالي عن مرتبة الامتثال التفصيلي القطعي فلا محالة يتأخر مرتبة الامتثال الإجمالي عن مرتبة الامتثال التفصيلي الظنّي الثابت اعتباره بدليل خاص أيضاً … و عليه فلايجوز الاحتياط مع التمكن من الامتثال الظنّي التفصيلي أيضاً. (نعم) إذا عمل المكلف على طبق الظنّ فلا بأس بإتيان الطرف الآخر المحتمل رجاء … و هذا هو السر في احتياط العلامة الأنصاري! في بعض موارد الاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام بتقديم الإتمام على القصر و احتياط تلميذه العلامة الشيرازي! في تلك الموارد بتقديم القصر على الإتمام فإن الشيخ! من جهة رجحان الإتمام في نظره في تلك الموارد احتاط بتقديمه على القصر و لكن العلامة الشيرازي! من جهة رجحان القصر في نظره احتاط بتقديمه على الإتمام».
[63]. مصباح الأصول (ط.ق): ج2، ص85 (ط.ج): ج2، ص95: «و الصحيح عدم لزوم تقديم المظنون على المحتمل» إلخ.