متن كتاب عیون الانظار
أدلّة البراءة الشرعیة
و استدلّ على اعتبار البراءة الشرعية بأدلة تسعة فمن الكتاب بـ: آية (وَ ما كُنَّا مُعَذِّبينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ([1]) و آية (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها )([2]).
و من السنة بـ: حدیث الرفع؛ حدیث الحجب؛ روایات الحلّ؛ حدیث السعة؛ حدیث كلّ شيء مطلق.
و بالإجماع و الاستصحاب.
و قد كثر فيها النقض و الإبرام في دلالتها أو اعتبارها و نشرع فيها و نقول:
الدلیل الأوّل: آیة ما كنا معذبین
و هي قوله تعالى: (وَ ما كُنَّا مُعَذِّبينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً).([3])
قالوا في تقریب الاستدلال بها: إنّ بعث الرسول كنایة عن بیان الأحكام، لأنّ بیانها من لوازم بعثه.
و قال المحقّق الخوئي!:([4]) تقریب الاستدلال به أنّ بعث الرسول كنایة عن بیان الأحكام للأنام و إتمام الحجّة علیهم، كما هو ظاهر بحسب الارتكاز و الفهم العرفي، فتدلّ الآیة الشریفة على نفي العقاب بمخالفة التكلیف غیر الواصل إلى المكلّف.
بیان الفرق بین التقريبين هو أنّ التقریب الأول یدلّ على عدم العذاب ما لم یبیّن الأحكام و هذا لایمكن المساعدة علیه، فإنّ الأحكام قد یبیّنها الشارع و لكن لم تصل إلى المكلّف فكیف یمكن أن نقول بأنّ الله تعالى یعذّب المكلّف لترك ما لم یصل إلیه، فلا یصحّ الاستدلال بها للبراءة.
أما تقریب المحقّق الخوئي! خالٍ عن هذا الإشكال، لأنّه لم یكتف بتعلیق العذاب على بیان الأحكام بل أضاف إليه إتمام الحجّة على المكلّف و هذا لایتمّ إلا بالوصول إلیه.
a. مناقشات ثلاث في الاستدلال بالآیة
i. المناقشة الأُولى
إنّ الشيخ الأنصاري! ناقش([5]) في الاستدلال بالآیة بأنّها ظاهرة في عدم وقوع العذاب على الأُمم السابقة إلّا بعد البعث و بیان الأحكام، فیختصّ بالعذاب الدنیوي الواقع في الأُمم السابقة، و لاتدلّ على نفي العذاب الأُخروي عند عدم بیان الأحكام.
- أجوبة ثلاثة عن المناقشة الأُولى
- الجواب الأوّل: ما أفاده المحقّق الخوئي!([6])
«إنّ نفي العذاب الدنیوي عند عدم تمامیة البیان یدلّ بالأولویة القطعیة على نفي العذاب الأُخروي، إذ العذاب الدنیوي أهون من العذاب الأُخروي»
إنّ بعض الأُمم السابقة قد ارتفعت عنهم البلایا و العقاب الدنیوي من دون أن یرتفع عنهم العقاب الأُخروي، فعلى هذا نفي العذاب الدنیوي لیس دلیلاً على نفي العقاب الأُخروي.
- الجواب الثاني: ما أفاده أیضاً المحقّق الخوئي!([7])
إنّ جملة ما كان أو ما كنّا و ما شابههما تدلّ على أنّ الفعل لایلیق بالفاعل مثال ذلك قوله تعالى: (ما كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنينَ)([8]) و قوله تعالى: (وَ ما كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فيهِمْ)([9]) و قوله تعالى: (وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)([10]) و في ما نحن فیه هذه الآیة تدلّ على أنّ التعذیب قبل البیان لایلیق به و لاینبغي صدوره منه تعالى.
و حیث إنّ الفعل الماضي في هذه الاستعمالات منسلخ عن الزمان فیعمّ جمیع الأزمنة و یدلّ على أنّ التعذیب قبل البیان لاینبغي صدوره عنه في جمیع الأزمنة فتشمل الآیة التعذیب الدنیوي و الأُخروي.
إنّ إطلاق العذاب في الآیة الشریفة یشمل العذاب الدنیوي و الأُخروي و لمیقیّد بأحدهما فإطلاقه یقتضي التعمیم.
و هذا الجواب الثالث أولى ممّا أفاده المحقّق الخوئي! في الجواب الثاني، لأنّه! استدلّ بإطلاق (ما كُنَّا) ([11]) بالنسبة إلى جمیع الأزمنة لیثبت منه إطلاق العذاب و لكن في الجواب الثالث استدلّ بإطلاق نفس كلمة (مُعَذِّبينَ). ([12])
ii. المناقشة الثانیة
إنّ الآیة تدلّ على نفي فعلیة العذاب و نفي الفعلیة أعمّ من نفي الاستحقاق و الكلام هنا في نفي الاستحقاق و نفي فعلیة العذاب لایدلّ على نفي استحقاق العذاب.
- جوابان عن المناقشة الثانیة
- الجواب الأوّل: من المحقّق الخوئي! ([13])
إنّ كون التعذیب قبل البیان لایلیق به تعالى یدلّ على عدم كون العبد مستحقاً للعقاب، إذ مع فرض استحقاق العبد للعقاب، لا وجه لعدم كون العذاب لائقاً به تعالى بل كونه غیر لائق به تعالى إنما هو لعدم استحقاق العبد له.
و هذا الجواب یقرب ممّا ذكره صاحب الفصول!([14]) و ارتضاه الشيخ الأنصاري!([15]) من أنّ نفي الفعلیة في هذا المقام یكفي في نفي الاستحقاق.
إنّ نفي التعذیب قبل إتمام الحجّة ببعث الرسل لعلّه كان منّةً منه تعالى على عباده مع استحقاقهم ذلك. و هذا البیان مذكور في كلمات صاحب الكفاية!.([16])
إنّ نفي فعلیة العذاب یكفي في جریان البراءة و إن كان منّةً منه تعالى، و لانحتاج إلى إثبات عدم استحقاق العقاب، فإنّ المستفاد من نفي فعلیة العذاب قبل البیان بالنحو الكلّي هو عدم تنجّز الأحكام الإلزامیة الواقعیة لعدم وصولها و هذا هو معنی جریان البراءة.
iii. المناقشة الثالثة
إنّ الآیة تدلّ على جریان أصالة البراءة في ما إذا لمیصدر بیان من الشارع و لاتدلّ على جریان البراءة في ما إذا صدر البیان و لكن لمیصل إلى المكلّف.([17])
إنّ الغرض من بعث الرسول لیس هو البیان فقط بل الغرض هو إیصال الحجّة إلینا فالآیة تدلّ على نفي البراءة في ما لمیصل البیان إلینا و لذا رجّحنا في الاستدلال بالآیة التقریب الذي أفاده المحقّق الخوئي!.
iv. المناقشة الرابعة
و هي لبعض الأساطينa حيث قال: العمدة في الإشكال على الاستدلال بها هو أنّها لا تدلّ على مدّعى الأصوليين، ثبوتَ البيان على البراءة عن التكليف المجهول في قبال دعوى الأخباريين ثبوتَ البيان على الاحتياط، والآية غیر متعرّضة لثبوت البيان و لا لعدمه بل تتعرّض لكبرى عدم استحقاق العذاب قبل البيان على ما هو الوظيفة، و هذه الكبرى متّفق عليها بين الفريقين و كأنّ وزان مدلول الآية وزان قاعدة قبح العقاب بلا بيان مع أدلّة الأصوليين على البراءة على فرض التمامية أو أدلّة الأخباريين على الاحتياط من عدم وصول النوبة إليها لكونها محكومة و أدلّة البراءة و الاحتیاط حاكمة عليها أو واردة.([18])
ثمّ ذهبa إلى أنّه لا موجب للإطالة مع جريان الإشكال في الآيات الأخر التي استدلّ بها.
إنّ الإشكال غیر وارد على التقریب الذي أفاده المحقّق الخوئي! من أنّ الأیة تدلّ على عدم العذاب ما لم یصل التكلیف إلى المكلّف و ما لم تقم الحجّة على الحكم، فتنفي العقاب بمخالفة التكلیف غیر الواصل إلى المكلّف.
الدلیل الثاني: آية لا یكلف الله
و هي قوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها). ([19])
إنّ الموصول في قوله تعالى: (ما آتاها) إمّا بمعنی المال و إمّا بمعنی الفعل و إمّا بمعنی الحكم و إمّا أعمّ منها.
أمّا الموصول إذا كان بمعنی المال فالمعنی هو: لایكلّف الله نفساً بمال إلّا بما ملّكه.
أمّا الموصول إذا كان بمعنی الفعل فالمعنی هو: لایكلّف الله نفساً بفعل إلّا بما أقدرها علیه.
أمّا الموصول إذا كان بمعنی الحكم فالمعنی هو: لایكلّف الله نفساً إلّا تكلیفاً واصلاً إلى المكلّف.
و حیث إنّ الموصول لمیقید بشيء من الاحتمالات الثلاثة نلتزم بتعمیمه بحیث یشمل الجمیع.
b. المناقشة في هذا الاستدلال
إنّ الموصول إن أُرید منه معنی المال أو الفعل فهو مفعول به لفعل (لا يُكَلِّفُ) و إن أُرید منه التكلیف و الحكم فهو مفعول مطلق لقوله: (لا يُكَلِّفُ) و لایمكن الجمع بینهما في كلام واحد للزوم استعمال لفظ واحد في أكثر من معنی واحد.
i. أجوبة ثلاثة عن هذه المناقشة
- الجواب الأول: من المحقّق العراقي! ([20])
إنّ الهیأة استعملت في المعنی الجامع بین النسبتین.
و فیه: أنّ هذا خلاف مبنی التحقیق من أنّ تباین النسب و المعاني الحرفیة ذاتي([21]) و عدم وجود الجامع الماهوي بینها.
إنّ استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنی واحد جائز على المبنی المختار كما ارتضاه بعض المحقّقین مثل صاحب وقایة الأذهان و صاحب تهذیب الأُصول”.([22])
- الجواب الثالث: من السید المحقّق الصدر! ([23])
إنّ هذه المشكلة نشأت من وهم لغوي وقع فیه علم الأُصول حیث اعتاد على أن یعبّر عن الحكم بالتكلیف و قد ورد في الآیة: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ) ([24]) فتوهّم أنّه لایمكن أن یشمله إلّا كمفعول مطلق مع أنّ مادّة الكلفة في الآیة مباینة مع الحكم و الجعل مفهوماً فیصحّ وقوعه مفعولاً به لفعل (لا يُكَلِّفُ) على حدّ المال و الفعل.
و المتحصّل أنّ الاستدلال بالآیة تامّ و لا نقاش فیه.
الدلیل الثالث: حدیث الرفع
و نحن نبحث عن هذا الحديث الشريف من ضمن أمرين:
إنّ لحديث الرفع طرقاً كثيرة في كتب الفريقين و لكن المهمّ منها و هي التي فيها فقرة «مَا لَايَعْلَمُون» و نحوها من كتب الخاصّة و هي ثمانية. قد اعتمدنا علی خمسة منها سنداً و أردفناها طرقاً ثلاثة غیر موثوقة الصدور تأييداً لها:
ii. الطريق الأوّل
رواه في الخصال: الصَّدُوقُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حَمَّادٍ عِيسَى عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (السِّجِسْتَانِيِ) عَنْ أَبِي عَبْدِ الله%، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله$: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةٌ: الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَايَعْلَمُونَ وَ مَا لَايُطِيقُونَ([25]) وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ وَ الْحَسَدُ وَ الطِّيَرَةُ وَ التَّفَكُّرُ فِي الْوَسْوَسَةِ فِي الْخَلْقِ مَا لَمْيَنْطِقْ بِشَفَةٍ.»([26]).
قال صاحب المدارك!: «… و هي ضعيفة السند بأحمد بن محمد بن يحيى فإنّه مجهول».([27])
و قال المحقّق الخوئي! في رجاله: «فالمتحصّل مما ذكرناه أنّ الرجل مجهول كما صرّح به جمع منهم صاحب المدارك». ([28])
عدم توثيق أحمد بن محمد بن يحيى العطّار يوجب أن يكون الراوي مهملاً لا مجهولاً.([29])
قد يمكن تصحيح هذا السند من جهة مبنى التعويض[30]و هو أنّ للشيخ الصدوق! في الفقيه طرقاً أخري إلى أصل أو كتاب سعد بن عبد الله و يعقوب بن يزيد و حمّاد ذكرها في الفقيه لا يكون أحمد بن محمد بن يحيى العطار فيها، و بما أنّ الشيخ الصدوق أتى بحديث الرفع مرسلاً في الفقيه مع ذكره الحديث في الخصال و التوحيد بسند متصل بالإمام% يمكن أن نقطع الرواية من صاحب الأصل إلى الشيخ الصدوق و نعوّضه بسند آخر للأصل ذكره في المشيخة من الطرق الصحيحة التي لا يوجد فيها أحمد بن محمد بن يحيى، و ذلك لأنّه ذكر في أوّل الفقيه أنّ ما ينقله فيه هو ما رواه عن أصحاب الأصول و الكتب المعتبرة و أحمد بن محمد بن يحيى لم يكن صاحب كتاب و أصل.([31])
إنّ نظرية التعويض بهذا العرض العريض غير مقبول عندنا، إذ ليس معنى أخبرنا بكلّ رواياته و كتبه كل ما ينسب إليه أو يقع الشخص في سنده من الروايات و لا أقلّ من الإجمال، و المتيقّن أنّه يقصد كلّ ما هو يراه رواية له بأن يسنده و ينسبه في كتبه إليه كما لو بدأ السند به فإنّه حينئذ يمكن تطبيق نظرية التعويض على كلام متروك إلى محلّه و هذا الحديث ليس كذلك كما هو واضح.([32])
أولاً: أنّ القدر المتیقّن من هذا المبنی روایة الشيخ الصدوق! عن كتب أمثال سعد بن عبد الله الأشعري التي اشتهرت بین الشیعة و هذه الكتب قطعاً موجودة بالنسخ الصحیحة المتواترة عند والد الصدوق! و غيره من مشايخه بحیث نحن نعتقد بأنّه لا نحتاج إلى وجود الإسناد بین الشيخ الصدوق! و سعد بن عبد الله الأشعري – لذا لا نحتاج إلى مبنی التعویض في هذا المجال- و من استدلّ هنا بمبنی التعویض، فلابدّ أن یعلم أنّ القدر المتیقّن من هذا المبنی، إسناد الصدوق! إلى أمثال سعد بن عبد الله الأشعري!.
ثانیاً: ما سنشیر إلیه من وثاقة أحمد بن محمد بن یحیی العطار، لأنّ كثرة روایة الصدوق! و التلعكبري!([33])، و ابن الغضائري! عنه و اعتماد الصدوق! علیه في صحّة إسناد بعض الروایات یدلّ على وثاقته و یؤیّده ترضّي الصدوق! علیه و كونه من مشایخ الإجازة.
وثّقه العلّامة!([34])، حيث صحّح طريق الصدوق إلى عبد الرحمن بن الحجاج([35]) و عبد الله بن أبي يعفور([36]) مع اشتمال كلا الطريقين على أحمد بن محمد بن يحيى العطار، و كذلك صحح طريق الشيخ! في التهذيب و الاستبصار إلى محمد بن علي بن محبوب مع انحصار الطريق([37])، و طريقه إلى علي بن جعفر في التهذيب و وقوع أحمد في كلا الطريقين.([38])
و وثّقه الشهيد الثاني في الدراية([39]) و الشيخ البهائي في المشرق([40]) و إن عدّ في الحبل المتين سند الرواية المشتمل عليه ضعيفاً([41]).
و هكذا وثقه السيد الداماد! في الرواشح السماوية ([42]) و المقدّس الأردبيلي([43])، و السماهيجي ([44])، و صاحب المعالم!([45]) مع اعتباره الإيمان و العدالة في الراوي مضافاً إلى الإسلام و الضبط([46]).([47])
- المناقشة في الوجه الثاني ([48])
إنّ توثيقات العلّامة! و المتأخّرين لا وقع له، لحصول الاطمئنان بعدم كون توثيقاتهم مستندة إلى الحسّ من جهة بعد عصرهم عن عصر رواية الكتب بزمان كثير و بعد وجود ما يكون عندهم من المصادر الرجالية الموجبة لكون شهادتهم مستندة إلى الحسّ بل كانت توثيقاتهم بالوجوه الاجتهادية المذكورة لوثاقة هذا الرجل فلا تندرج تلكم التوثيقات في أدلّة حجّية الخبر الدالّة على حجّية خبر الثقة فيما كان مستنداً إلى الحسّ.
و قد ناقش في المعجم بأنّ توثیقات العلّامة! مبتنیة على أصالة العدالة و المبنی باطل فلا یكون توثیقه قابلاً للإسناد.
و المناقشة غیر واردة و ذلك:
أوّلاً: أنّ مبنی العلّامة! في العدالة لیس هو أصالة العدالة حیث إنّه صرّح في كتبه الفقهیة من القواعد و المختلف و الإرشاد([49]) بأنّ العدالة هي الملكة و معه لا یمكن من مثله أن یحكم بعدالة شخص مبتنیاً على أصالة العدالة مع كونها مخالفة لفتواه الفقهیة.
و ثانياً: أنّ من نسب ابتناء توثیقات العلّامة! على أصالة العدالة استند إلى ما استظهره من كلام العلّامة! في الخلاصة في ترجمة أحمد بن إسماعیل بن سمكة حیث قال: «عربي من أهل قم، كان من أهل الفضل و الأدب و العلم و عليه قرأ أبو الفضل محمد بن الحسين بن العميد و له كتب عدة لم يصنّف مثلها، و كان إسماعيل بن عبد الله من أصحاب محمّد بن أبي عبد الله البرقي و ممن تأدّب عليه، فمن كتبه كتاب العباسي و هو كتاب عظيم نحو عشرة آلاف ورقة في أخبار الخلفاء و الدولة العباسية مستوفى لم يصنّف مثله.
هذا خلاصة ما وصل إلينا في معناه و لم ينصّ علماؤنا عليه بتعديل و لم يرو فيه جرح، فالأقوى قبول روايته مع سلامتها من المعارض».([50])
و فیه: أنّ هذا الكلام من العلّامة! بالنسبة إلى أحمد بن إسماعیل لایدلّ على أزید من أنّه مع عدم الظفر على التصریح بتوثیق الرجل حكم بتوثیقه، و هو أعمّ من كون مبناه في مطلق توثیقاته على أصالة العدالة إذ من المحتمل بل الظاهر من كلامه أنّه اطمأنّ بوثاقة الرجل من القرائن و الخصوصیات التي ظفر علیها بالنسبة إلى ابن سمكة فلابدّ لتعیین مبناه في العدالة من المراجعة إلى كتبه الفقهیة و قد عرفت تصریحه بأنّ العدالة هي الملكة.
هذا مضافاً إلى تصریح العلّامة! في الخلاصة في موارد متعدّدة بالنسبة إلى الأفراد و بالنسبة إلى ما هو الأساس عنده في تصحیح الطرق بكونه من المتوقّفین بالنسبة إلى من لا جرح و لا تعدیل في حقّه.
أمّا بالنسبة إلى الأفراد فقد قال في الخلاصة في ترجمة زید الزرّاد و زید النرسي: «و لما لم أجد لأصحابنا تعدیلاً لهما و لا طعناً فیهما توقّفت عن قبول روایتهما».([51])
فكلامه هذا یدلّ على أنّ مبناه في التعدیل لیس هو أصالة العدالة و إلّا لزم أن یحكم بالنسبة إلیهما بالعدالة لعدم وجدان طعن فیهما على ما ذكر الشيخ! في الخلاف([52]) في بیان هذا المبنی و سائر الفقهاء في كتبهم.
و قال أيضاً في الخلاصة بالنسبة إلى سفیان بن مصعب العبدي: «و لم یثبت عندي عدالة الرجل و لا جرحه فنحن فیه من المتوقّفین»([53])، فإنّه فیه ذهب إلى التوقّف مع أنّ مقتضى أصالة العدالة هو الحكم بالعدالة.
و أمّا بالنسبة إلى الطرق ففي الفائدة الثامنة التي ذكر فیها طرق الشيخ الطوسي! في كتابیه و طرق الشيخ الصدوق! في كتاب الفقیه، قال- في ما هو الأساس عنده في تصحیح الطرق-: «و إن كان في الطریق من لا یحضرنا معرفة حاله من جرح أو تعدیل تركناه»([54])، و بالجملة فمع تصریحه بأنّ الأساس في تصحیح الطرق و توثیق الرواة على معرفة حال الرواة في موارد كثیرة ممّا ذكر و من غیرها من الموارد التي یظهر بالتتبّع في القسم الأوّل و الثاني بأنّ الأساس عنده في تصحیح الطرق و توثیق الرواة على معرفة حال الرواة و مع ما عرفت من مبناه في العدالة في كتبه الفقهیّة لایبقی مجال لكون توثیقاته مبتنیة على أصالة العدالة، و توثیقه بالنسبة إلى ابن سمكة مع عدم ظفره على الجرح و التعدیل في حقّه إنّما هو لأجل حصول الاطمینان له بوثوقه من الأوصاف التي ذكرها في ترجمته من كونه من أهل قم مع ملاحظة ما هو المتعارف فیه في تلك العصور بین الرواة من بنائهم على عدم نقلهم الروایة عن الضعاف كما یشهد بذلك إخراج مثل العبیدي عن قم مع كونه من الثقات لإكثاره الروایة عن الضعاف و من كونه من أهل العلم و الأدب و الفضل و كون كتبه التي صنّفها عدیمة النظیر عنده فبملاحظة هذه الكمالات و بملاحظة ما ظفر علیه من التأمّل في كتبه من الأمور دلّ على وثاقة المصنّف عنده اطمأن بوثاقته.
و بالجملة فهذا التوثیق منه بالنسبة إلى مورد خاصّ مع وجود هذه الخصوصیات من دون وجود الجرح و التعدیل لا یدلّ على كون توثیقاته في سائر الموارد مبتنیة على أصالة العدالة سیّما مع ملاحظة ما ذكر من مبناه الفقهي في تعریف العدالة.
و علیه فلا فارق بین توثیقات العلّامة و توثیقات القدماء مثل النجاشي و الشيخ الطوسي! في عدم معاصرتهم لمن وثّقوه من الروات لبعد عصرهم منهم أیضاً إلى قریب ثلاثمائة سنة و عدم إمكان استناد شهادتهم بوثاقة هؤلاء أو بالجرح إلى الحسّ مباشرة و عدم كونها عن طریق نقل الخلف عن السلف في كلّ عصر معنعناً متصلاً إلى النقل عمّن یعاصرهم مع تسالم الفقهاء على اعتبار شهادتهم فما یندفع به الإشكال عن توثیقاتهم یندفع به الإشكال عن توثیقات مثل العلّامة أیضاً، و الوجه الذي أجیب به عن الإشكال بالنسبة إلى شهادات القدماء.
هو كون شهاداتهم متلقّاة من المتقدّمین علیهم من طریق التلقّي كابراً عن كابر و عالماً عن شیخه بحیث یكون تلقّي كلّ خلف عن السلف مسلسلاً متصلاً إلى من عاصر الراوي و هذا الوجه بعینه جارٍ بالنسبة إلى توثیقات العلّامة و إنّما الفارق بینه و بین من ذكر من قدماء الرجالیین من أمثال الشيخ هو اختلاف زمن البعد إلى حدود الضعف ولكن هذا الاختلاف لایوجب انتفاء احتمال استناد مثل العلّامة بالشهادة عن الحسّ و كون شهادته بالوثاقة أو الجرح عن طریق التلقّي كابراً عن كابر أو مستنداً إلى تألیف من القدماء و ذلك لامتیازه عن الآخرین من المتأخّرین من ناحیة موقعیته الاجتماعیة من ارتباطه إلى علماء عصره و إلى ما عندهم من المكتبات و ملاحظة ما كان موجوداً عنده من المستندات الروائیة و الكتب الرجالیة ممّا لم یكن موجوداً عند غیره من الفقهاء المتأخرین و ذلك لأجل رئاسته العامّة و ارتباطه مع السلطات الحكومیة فبهذه الملاحظات یقرب احتمال كون توثیقاته المتفردة بها ناشئة من الإخبارات الحسّیة التي سمعها ممّن عاصرها مشافهة متلقّیاً كابراً عن كابر كأنّ تلقّیه عن المحقّق و المحقّق عن ابن نما و هكذا معنعناً إلى أن وصل إلى الشيخ الطوسي أو ابن عقده و غیرهما من الموثّقین و الإشكال بعدم كون ابن عقده مورداً للاعتماد لذكره في القسم الثاني من الخلاصة مندفع بأنّ اندراجه فیها في القسم الثاني لاینافي وثاقته و كون رجاله مورداً للاعتماد بعد ملاحظة كون المدار في الحجّیة على الوثاقة لا على العدالة أو كان منشؤها ظفره على التوثیق في الأصول المعتمدة عنده أو الكتب الرجالیة المعتبرة التي كانت بیده و لم یكن عند المتأخّرین من الفقهاء مثل رجال ابن عقدّه فإنّها معتمدة و كانت موجودة عند القدماء من النجاشي و الشيخ و ضاعت عن المتأخّرین كالشهید الثاني و الشيخ البهائي، و یحتمل كونها موجودة عند العلّامة فیكون هذا الاحتمال كافیاً في اندراج توثیقاته في أدلة حجّیة خبر الثقة بعد كون الضابط في الحجّیة و الاعتبار هو احتمال استناد الخبر إلى الحسّ لا القطع به، كما هو كذلك بالنسبة إلى توثیقات القدماء من مثل الشيخین و النجاشي من احتمال استنادهم في ما أخبروا به من الجرح و التعدیل بالحسّ و عدم القطع بكونها اجتهادیّة ناشئة عن الحدس.
و بالجملة لما أورد من المناقشة على توثیقاته من كونها اجتهادیة غیر واردة فیما إذا لم یحرز كونها مستندة إلى الحدس فتحصّل أنّ توثیق أحمد بن محمد سالم عن الإشكال و خبره مندرج في أدلّة حجّیة خبر الثقة، هذا مضافاً إلى تأییده بذهاب الشهید الثاني مع كمال دقّته و تبحّره في الرجال و الدرایة إلى وثاقته في كتاب الدرایة و تصریح صاحب المعالم في المنتقی بذلك.([55])
إنّه من مشايخ الصدوق!، و التلعكبري! و من مشايخ الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري!، المشتهر بابن الغضائري و ابن أبي جيد!، اللذان هما من مشايخ شيخ الطائفة!.
و عندنا و عند كثير من الأعلام أنّ شيخوخة الإجازة لايحتاج معها إلى توثيق، و قال العلّامة المجلسي! في الوجيزة: «أحمد بن محمد بن يحيى العطار، من مشايخ الإجازة، و حكم الأصحاب بصحّة حديثه، يروي عنه الشيخ بتوسّط ابن الغضائري و ابن أبي جيد»([56]).
اعتماد السيرافي و بعض الأصحاب على روايته، فيما نقله النجاشي! عنه في ترجمة الحسين بن سعيد الأهوازي، و كانت له ثلاثون كتاباً قال: «أخبرني بهذه الكتب غير واحد من أصحابنا من طرق مختلفة كثيرة فمنها ما كتب إلي به أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن نوح السيرافي رحمه الله في جواب كتابي إليه، و الذي سألت تعريفه من الطرق إلى كتب الحسين بن سعيد الأهوازي رضي الله عنه …. إلى أن قال: فأمّا ما عليه أصحابنا و المعوّل عليه ما رواه عنهما أحمد بن محمد بن عيسى …. إلى أن قال: و أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن يحيى العطار القمي، قال: حدثنا أبي و عبد الله بن جعفر الحميري و سعد بن عبد الله جميعاً عن أحمد بن محمد بن عيسى …»([57]).
و السيرافي!، قال النجاشي! في شأنه: «كان ثقة في حديثه متقناً لما يرويه فقيهاً بصيراً بالحديث و الرواية، و هو أستاذنا و شيخنا و من استفدنا منه، و له كتب كثيرة» ([58]).
ترضّي و ترحّم الشيخ الصدوق! عليه في مواضع كثيرة من كتبه.([59])
يروي المتقدّمون من علمائنا رضي الله عنهم عن جماعة من مشايخهم الذين يظهر من حالهم الاعتناء بشأنهم، و ليس لهم ذكر في كتب الرجال، و البناء على الظاهر يقتضي إدخالهم في قسم المجهولين، و يشكل بأنّ قرائن الأحوال شاهدة ببعد اتخاذ أولئك الأجلاء الرجل الضعيف أو المجهول شيخاً يكثرون الرواية عنه و يظهرون الاعتناء به، و رأيت لوالدي – رحمه الله – كلاماً في شأن بعض مشايخ الصدوق! قريباً ممّا قلناه، و ربّما يتوهّم أنّ في ترك التعرّض لذكرهم.
في كتب الرجال إشعاراً بعدم الاعتماد عليهم، و ليس بشيء، فإنّ الأسباب في مثله كثيرة، و أظهرها أنّه لا تصنيف لهم، و أكثر الكتب المصنّفة في الرجال لمتقدّمي الأصحاب اقتصروا فيها على ذكر المصنّفين، و بيان الطرق إلى رواية كتبهم. هذا، و من الشواهد على ما قلناه، أنّك تراهم في كتب الرجال يذكرون عن جمع من الأعيان، أنّهم كانوا يروون عن الضعفاء، و ذلك على سبيل الإنكار عليهم وإن كانوا لايعدّونه طعناً فيهم، فلو لم تكن الرواية عن الضعفاء من خصوصيات من ذكرت عنه لم يكن للإنكار وجه، و لولا وقوع الرواية من بعض الأجلاء عمّن هو مشهور بالضعف لكان الاعتبار يقتضي عدّ رواية من هو معروف بالثقة و الفضل و جلالة القدر عمّن هو مجهول الحال ظاهراً من جملة القرائن القوية على انتفاء الفسق عنه.([60])
و ذكر السيد الصدر وجهاً آخر لتوثيق أحمد بن محمد بن يحيى و هو أنّ الشيخ الطوسي! نقل في الجزء الأوّل من الاستبصار و اقتصر في روايات كثيرة على هذا السند، (أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه)([61]).
و هذا يدلّ – مع امتلاكه لما لا شك في صحته من سند إلى محمد بن يحيى العطار – على اطمئنانه بالحسين بن عبيد الله الغضائري و أحمد بن محمد بن يحيى و أنّه يشهد بوثاقتهما عن حسّ، و هو سنده إلى الكليني!، عن محمد بن يحيى العطار كما ورد في المشيخة. و لئن اختص هذا السند بكل ما رواه في التهذيبين عن كتب محمد بن يحيى العطار فإنّنا لانشكّ أنّ أكثر هذه الروايات، أو جميعها قد أخذها من كتب محمد بن يحيى العطار، إذ لايوجد قبله عدا الحسين بن عبيد الله الغضائري و أحمد بن محمد بن يحيى. و الأوّل قد نقل الشيخ عنه بعنوان (أخبرنا)، و هذا يعني أنّه لم يأخذها من كتابه على أنّ الحسين بن عبيد الله ليست له كتب روائية، و الثاني ليس له كتاب. و أمّا من بعد محمد بن يحيى فهو ليس شخصاً معيناً في جميع تلك الروايات، فإن السند من بعد – محمد بن يحيى العطار يختلف كثيراً باختلاف تلك الروايات، و إنما القاسم السندي المشترك فيما بينهما هو المقطع الأوّل من السند، و هو الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه محمد بن يحيى العطّار، و هذا يدلّ على أنّه أخذ كلّ تلك الروايات أو جلّها من كتاب محمد بن يحيى العطار لا ممن قبله و لا ممن بعده، و من البعيد أن يكون له سند واضح الصحة إلى كتاب محمد بن يحيى العطار ثمّ يترك ذكره صدفة في كل تلك الروايات المكثّف وجودها في الجزء الأول من الاستبصار، و يقتصر فيها جميعاً على ذكر سند يوجد فيه من ليست له شهادة حسّية بوثاقته، أفلا يعني هذا أنّ الشيخ الطوسي! يشهد بوثاقة الحسين بن عبيد الله الغضائري و أحمد بن محمد بن يحيى؟! فلو لم يكن يشهد بوثاقتهما فلما ذا هذا الإصرار على ذكر سند غير صحيح و ترك السند الصحيح؟! و لو كان يشهد بوثاقتهما عن حدس فلما ذا هذا الإصرار على ذكر سند يكون صحيحاً عنده عن حدس و اجتهاد و ترك سند يكون صحيحاً عنده بالشهادة الحسية أو ما يقرب من الحس؟! على أنّه من البعيد جدّاً كون وثاقتهما ثابتة عند الشيخ بالحدس لا بالحسّ، فإنّ أحدهما شيخه، و الثاني قريب من زمانه لأنّه شيخ شيخه.
و يؤيّد المطلوب: أنّ السند الوحيد الذي ذكره الشيخ في مشيخته إلى كتاب علي بن جعفر هو الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه محمد بن يحيى العطار، عن العمركي بن علي النيسابوري البوفكي، عن علي بن جعفر مع أنّ له سنداً تامّاً إلى كل من محمد بن يحيى العطار و علي بن جعفر.([62])
و هو لبعض الأساطينa: و هو كثرة رواية النجاشي في رجاله في إسناد الكتب إلى مؤلّفيها عن أحمد بن محمد و إن كانت مع وساطة فرد واحد بينه و بينه، و ذلك بملاحظة ما صرّح به في مقدّمة الكتاب من كون السبب لتأليف كتاب الرجال هو تعیير العامة لعلماء الخاصّة بعدم التأليف و التصنيف لهم افتراء عليهم فأقدم على تألیف كتاب الرجال لقطع ألسنتهم عن هذه التهمة و إثبات كثرة كتب الخاصّة و تصانيفهم في العلوم المختلفة، و ذلك بأمر من علم الهدى السيد المرتضى له في تأليف كتاب لهذا الغرض كما أنّ الشيخ الطوسي! ألّف الفهرست بأمر من الشيخ المفيد! لهذا الغرض.
فحيث إنّ الغرض من تأليفه الرجال هو إتمام الحجّة على المخالفين بإثبات كثرة تصانيف الخاصّة و تآليفهم مع اعتراضه على المخاصمين بأنّ من لا علم و لا معرفة له لا حجّة له علينا لا معنى لدعواه وجود الكتب الكثيرة للخاصّة بسند ضعيف غير حجّة عنده مع الاعتراض بأنّ المخالف لا حجّة له إذ للمخالف أن يردّ عليه و يقابله بأنّه هو المدّعى بلا حجّة على مدّعاه. و بالجملة فالغرض من تأليف الكتاب من مثل النجاشي في الدقّة و التحقيق و المتانة یقضي بأنّ كلّ الكتب المنسوبة فيه إلى الأصحاب بأسناد معتبرة بحيث لايمكن للمخالف المناقشة فيها سيّما بالنسبة إلى واسطة كثر وقوعها في أسناد الكتب مثل أحمد بن محمد و إلّا يلزم عليه نقض الغرض.([63])
iii. الطريق الثاني
رواه الصدوق! في الفقيه مرسلاً: «وَ قَالَ النَّبِي$: وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةُ أَشْيَاءَ: السَّهْوُ وَ الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَايَعْلَمُونَ وَ مَا لَايُطِيقُونَ وَ الطِّيَرَةُ وَ الْحَسَدُ وَ التَّفَكُّرُ فِي الْوَسْوَسَةِ فِي الْخَلْقِ مَا لَمْيَنْطِقِ الْإِنْسَانُ بِشَفَةٍ.»([64]).
لعلّ نظره إلى السند الذي يذكره في الخصال، و لكن يشكل عليه من جهة الإرسال فهو ضعيف.([65])
نحن نعتقد بصحّة مرسلات الصدوق! في ما رواه بعبارة «قال»، كما علیه بعض أعلام المحققین و منهم بعض الأساطين من أساتذتنا، و كذلك بصحّة ما رواه بلفظ «روي».
iv. الطريق الثالث
ما رواه فِي النوادِرِ أَحْمَدُ بْنِ عِيسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَ عَنْهُ [أي فَضَالَةَ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِ كما في البحار] عَنْ أَبِي عَبْدِ الله% قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: وُضِعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سِتٌ: «الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَايَعْلَمُونَ وَ مَا لَايُطِيقُونَ وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ».([66])
يشكل عليه من جهة إسماعيل بن جابر الجعفي المردّد بين ثلاثة:
1- إسماعيل بن جابر الجعفي الذي لم يذكر النجاشي له توثيقاً غير أنّه ذكر له كتاباً و ذكر طريقه إليه صحيحاً ينقل عنه صفوان بن يحيى.
2- إسماعيل بن جابر الذي ذكره الشيخ في الفهرست من دون لقب و قال: إنّ له كتاباً، و لم يوثّقه.
3 – جابر بن إسماعيل الخثعمي الكوفي الذي شهد الشيخ بوثاقته في رجاله.
و حينئذ يقال باحتمال التعدّد، و الرواية لم يقع في سندها عنوان الخثعمي الموثق في رجال الشيخ.
توثيق الآخرَين على إجمالهما لنقل صفوان عنهما كما ذكر النجاشي في عنوان الجعفي و ذكر الشيخ أيضاً في فهرسته في عنوان إسماعيل بن جابر نقل صفوان عنه و الطريق صحيح فيثبت وثاقتهما حتّى على تقدير تعدّدهما بنقل صفوان بناء على المختار في مشايخ الثلاثة.([67])
و قرر جوابه! بتقریرین:
محاولة التوحيد بين الثلاثة (یعني وحدة إسماعیل بن جابر الجعفي و الخثعمي و الذي لم يذكر له لقب) بمجموع قرائن، من قبيل:
1- لو فرض التعدّد لزم ما هو بعيد جدّاً من افتراض وجود ثلاثة أشخاص و مع ذلك يقتصر كلّ من الشيخ و النجاشي” على ذكر أحدهم خصوصاً.
2- إنّ الفهرست للشيخ! مخصّص لذكر أصحاب الكتب و الأصول و قد ذكر الشيخ! في الرجال أنّ الخثعمي الثقة له كتب و روايات و له طريق إليه فلو كان هو غير المذكور في الفهرست بعنوان إسماعيل بن جابر كيف يكون قد أغفله.
3 – سكوت الشيخ! عن إسماعيل بن جابر الجعفي مع أنّ النجاشي! يذكره و يذكر أنّه له كتاباً ينقله عنه بطريق صفوان غريب لولا الاتحاد.
وحدة الوصف و الطريق إلى كتاب إسماعيل بن جابر المذكور في الفهرست و الجعفي المذكور في رجال النجاشي، فكلّ الحلقات في سلسلة السند في الفهرست هي عينها في الرجال.
وقوع إسماعيل الجعفي في سند رواية الأذان([68]) المعروفة المعتمد عليها في الفقه و قد اعتمد الشيخ نفسه عليها في كتبه الفقهية و كتب الحديث و قد ذكر النجاشي أنّ إسماعيل بن جابر الجعفي هو إسماعيل الجعفي الراوي لفقرات الأذان.
فهذه كلّها قرائن تؤكد وحدة العناوين و إن كان هناك ظاهرة حينئذ غريبة يلزم من الوحدة و هي أنّ هذا العنوان يكون قد روى عنه أشخاص متفاوتون من حيث الطبقة من أصحاب الصادق% إلى أصحاب الجواد%. ([69])
و الواقع أنّ استبعاد احتمال التعدّد في المقام في محلّه، فإسماعيل بن جابر الخثعمي مع إسماعيل بن جابر الجعفي منطبقان على شخص واحد و ليسا شخصين، لأنّنا لو بنينا على تعدّدهما فلا يخلو الأمر من أحد فرضين:
الأوّل: أن يفترض أنّ مراد الشيخ! من إسماعيل بن جابر الخثعمي الذي ذكره في رجاله و إسماعيل بن جابر الذي ذكره في فهرسته واحد، و أنّ إسماعيل بن جابر الجعفي الذي ذكره النجاشي! شخص آخر.
و الثاني: أن يفترض أنّ إسماعيل بن جابر الخثعمي الوارد في رجال الشيخ! مغاير لإسماعيل بن جابر الوارد في فهرسته، و لإسماعيل بن جابر الجعفي الوارد في فهرست النجاشي!، و لكلّ من هذين الفرضين مبعّدات إلى حدّ يحصل الظنّ الاطمئناني بعدمه.
أمّا الفرض الأوّل: و هو اتّحاد إسماعيل بن جابر و إسماعيل بن جابر الخثعمي الواردين في كلام الشيخ! مع مغايرته لإسماعيل بن جابر الجعفي الوارد في كلام النجاشي!، فيبعّده أمور:
الأوّل: أنّه- بناء على التعدّد يلزم افتراض أنّ النجاشي! لم يذكر في المقام إسماعيل بن جابر الخثعمي الذي شهد الطوسي! بوثاقته و ممدوحيته، و له أصول، و يروي عنه المشايخ! من قبيل صفوان. و عدم ذكر النجاشي لشخص من هذا القبيل مع تمام تتبّعه و اهتمامه بعيد خصوصاً -على ما يقال- من أنّ النجاشي! أوسع و أدقّ من الشيخ! باعتبار اختصاصه بهذا الفن.
و الثاني: أنّه يلزم- على التعدّد- أنّ الشيخ! أهمل في كلا كتابيه الفهرست و الرجال مثل إسماعيل بن جابر الجعفي الذي ذكره النجاشي!، و هو كثير الرواية جداً، و كان الشيخ! معاصراً للنجاشي!، و على علاقة به، فكيف لم يطّلع على إسماعيل بن جابر الجعفي، و قد تعهّد في مقدمة كلّ من كتابيه ببذل قصارى جهده و طاقته في الاستقصاء، خصوصاً أنّ إسماعيل بن جابر الجعفي مذكور في رجال الكشي الذي لخّصه الشيخ الطوسي! و ذكر عنه بعض الروايات- و لايوجد في رجال الكشي إسماعيل بن جابر الخثعمي-. و حينما نلاحظ التهذيب و الاستبصار للشيخ الطوسي! نرى أنّه يروي فيهما عن إسماعيل الجعفي تارة، و عن إسماعيل بن جابر أخرى، و لايذكر و لا مرّة واحدة عن إسماعيل الخثعمي- في حدود فحصي لهذين الكتابين-، و كيف نحتمل أنّ الشيخ! ذكر في كتابيه في الرجال الخثعمي الذي لم يرو عنه و لا مرة واحدة، و لا يذكر الجعفي الذي روى عنه روايات كثيرة؟!
و الثالث: أنّ طريق النجاشي! إلى إسماعيل بن جابر الجعفي، و طريق الشيخ! إلى إسماعيل بن جابر متّحد في جميع رجاله، فمن البعيد جدّاً تعدّدهما، و اتّحاد الطريقين في جميع رجاله صدفة.
و هنا وقع سقط في كتاب الشيخ المامقاني! حيث نقل سند النجاشي! إلى إسماعيل بن جابر الجعفي هكذا: أخبرنا أبو الحسين علي بن أحمد قال: حدّثنا محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى عنه. و نقل سند الشيخ! إليه هكذا:
أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن صفوان عنه. فيتراءى أنّ السندين يختلفان في وجود الصفّار و عدمه، لكن الواقع أن المذكور في رجال النجاشي! هكذا: (محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن) و الأول هو ابن الوليد، و الثاني هو الصفار، و في كلام الشيخ! حيث لم يذكر بالإسم فلم يقع تكرار في اللّفظ لم تبتلِ عبارة كتاب الشيخ المامقاني! بالسقط، و لكن ابتلت بالسقط عند نقل كلام النجاشي!.
و أمّا الفرض الثاني: و هو فرض كون الخثعمي غير الجعفي و غير إسماعيل بن جابر الذي جاء في كلام الشيخ! مطلقاً- أي من دون توصيف- فهذا أيضاً يبعّده أمور:
الأوّل: نفس المبعّد الأوّل في الفرض الأوّل.
و الثاني: أنّ الشيخ! لماذا لم يذكر الخثعمي في فهرسته مع كونه صاحب أصل مع اطلاعه عليه، و تعهّده في مقدّمة الكتاب بالاستيعاب بقدر الإمكان.
و الثالث: وحدة الراوي المباشر عن جابر بعناوينه الثلاثة المذكورة في كتاب النجاشي! و كتابي الشيخ!، و هو صفوان.
و قد نقل الشيخ المامقاني! في رجاله عن جملة من المدقّقين أيضاً الجزم بالوحدة.([70])
إنّ الوارد في سند حديث الرفع إسماعيل الجعفي لا إسماعيل بن جابر الجعفي و حينئذ يحتمل أن يكون المراد به إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي الذي لم يوثّق و هو من حيث الطبقة مناسب أيضاً و كون إسماعيل الجعفي في رواية الأذان قد شهد النجاشي بأنّه إسماعيل بن جابر لايعني أنّه دائماً عند ما يرد عنوان إسماعيل الجعفي يراد به ابن جابر. و إسماعيل بن عبد الرحمن و إن نقل عنه الصدوق! في مشيخته بواسطة صفوان إلا أنّ الطريق إلى صفوان فيه محمد بن سنان الذي لم يثبت توثيقه.([71])
أولاً: ما قلنا في مباحثنا الرجالیة من وثاقة محمد بن سنان، كما علیه السید الأستاذ الشبیري الزنجانيa.
ثانیاً: الإنصاف انصراف عنوان إسماعيل الجعفي إلى ابن جابر لكثرة روايات ابن جابر و ندرة روايات ابن عبد الرحمن و لهذا شهد بذلك النجاشي في ترجمته على أنّ كلام النجاشي في ترجمة إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي لايخلو من دلالة على وثاقة الرجل، فإنّه ذكر أنّه كان وجهاً من أصحابنا.([72])
لو سلّمنا أنّ المراد هو إسماعيل بن جابر المحسوب من أصحاب الباقر% تارة و الصادق%أخرى فكيف يعقل أن يكون قد نقل عنه أحمد بن محمد بن عيسى بلا واسطة، فإنّه لاينقل و لم ينقل في الفقه عن أحد من أصحاب الصادقين’ إلّا مع واسطة أو واسطتين و الفاصل الزمني بين أحمد بن محمد و الإمام الصادق%أكثر من مئة عام. فإمّا أن يكون هناك واسطة محذوفة أو أنّ إسماعيل الجعفي ليس هو ابن جابر الذي هو من أصحاب الباقر و الصادق’. و ممّا يؤيّد سقوط الواسطة أنّ الرواية منقولة عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى مردفة بروايته الأخرى عن الحلبي عن الصادق%و الحلبي من أصحاب الباقر و الصادق’ الكبار الذي توفي في أيّام الصادق% فكيف يعقل أن ينقل عنه أحمد بن محمد بن عيسى بلا واسطة، فالظاهر أنّ هناك واسطة ساقطة.([73])
نقول: إنّ العلّامة المجلسي! نقل هذه الرواية بهذا النحو:
عن كتاب حسين بن سعيد و النوادر فَضَالَةُ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ%قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «وُضِعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سِتَّةٌ: الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَايَعْلَمُونَ وَ مَا لَايُطِيقُونَ وَ مَا اضْطُرُّوا عَلَيْهِ.» ([74])
و بهذا تحلّ المشكلة.
v. الطريق الرابع
رواه في فقه الرضا%: «وَ أَرْوِي أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَسْقَطَ عَنِ الْمُؤْمِنِ مَا لَايَعْلَمُ وَ مَا لَايَتَعَمَّدُ وَ النِّسْيَانَ وَ السَّهْوَ وَ الْغَلَطَ وَ مَا اسْتُكْرِهَ عَلَيْهِ وَ مَا اتَّقَى فِيهِ وَ مَا لَايُطِيقُ.»([75])
و قد اخترنا في مباحثنا الرجالیة اعتبار فقه الرضا% فلا نعید.
vi. الطريق الخامس
في الكافي: «الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ النَّهْدِيِّ رَفَعَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَه%قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله$: وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعُ خِصَالٍ: الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانِ وَ مَا لَايَعْلَمُونَ وَ مَا لَايُطِيقُونَ وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ وَ مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ الطِّيَرَةُ وَ الْوَسْوَسَةُ فِي التَّفَكُّرِ فِي الْخَلْقِ وَ الْحَسَدُ مَا لَمْيُظْهِرْ بِلِسَانٍ أَوْ يَدٍ».([76])
و الطريق ضعيف بالرفع.
قد تقدّم في مباحثنا الرجالیة اعتماد بعض الأعلام، مثل المحقّق النائیني! و بعض أساتذتنا مثل الشيخ البهجت! على ما نقله الشيخ الكلیني!، فلا نعید.([77])
vii. الطريق السادس
ما رواه في تحف العقول: «قَالَ$: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي [تِسْعٌ]: الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَايَعْلَمُونَ وَ مَا لَايُطِيقُونَ وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ وَ الْحَسَدُ وَ الطِّيَرَةُ وَ التَّفَكُّرُ فِي الْوَسْوَسَةِ فِي الْخَلْقِ مَا لَمْيَنْطِقْ بِشَفَةٍ وَ لَا لِسَان.»([78])
viii. الطريق السابع
ما رواه في الاختصاص: «قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقُ%: رُفِعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سِتٌ: الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَايَعْلَمُونَ وَ مَا لَايُطِيقُونَ وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ»([79]).
ix. الطريق الثامن
ما رواه في الدعائم: «قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ’: رَفَعَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَرْبَعاً: مَا لَايَسْتَطِيعُونَ وَ مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا نَسُوا وَ مَا جَهِلُوا حَتَّى يَعْلَمُوا»([80]).
إنّ الرفع تعلّق بأُمور تسعة منها: «ما لایعلمون»، و مصداق «ما لایعلمون» هو الحكم الإلزامي فينطبق حدیث الرفع مع الشكّ في التكلیف الإلزامي الوجوبي أو التحریمي.
و المراد من الرفع هو رفع الحكم ظاهراً لا واقعاً و إلّا یلزم التصویب. و بعبارة أُخری إنّ الحكم الواقعي الإنشائي بعد تحقّق موضوعه و هو المكلّف قد بلغ إلى درجة الفعلیة و لكن لمیصل إلى المكلّف، فمع الشكّ في التكلیف و عدم العلم به نحتمل تنجّز الحكم الواقعي، و حینئذٍ حدیث الرفع ینطبق عليه و مفاده رفع الحكم الواقعي ظاهراً لا رفع الحكم الواقعي واقعاً.
و معنی رفع الحكم الواقعي ظاهراً هو أنّ الحكم الواقعي باقٍ على الفعلیة واقعاً فلمیُرفع بحقیقته بل الرفع تعلّق به ظاهراً بمعنی أنّه غیر منجّز، فیستفاد منه أنّ الحكم ما لمیصل إلى المكلّف فهو غیر منجّز علیه.
x. بقاء الأحكام الواقعیة على الفعلیة
و الأدلّة علیه ثلاثة:
إنّ الآیات و الروایات دالّة على اشتراك الأحكام الواقعیة بین العالم و الجاهل.
الروایات الواردة في حسن الاحتیاط تدلّ على بقاء الحكم الواقعي على الفعلیة و إلّا لمیبقَ مورد للاحتیاط.
إنّ المحقّق الخوئي! استدلّ على ذلك مضافاً إلى هذین الدلیلین بالقرینة الداخلیة التي هي مناسبة الحكم و الموضوع؛ فإنّ التعبیر ﺑ«ما لایعلمون» دلیل على أنّ في الواقع حكماً لانعلمه و الجهل بالشيء فرع وجوده، و لو كان المرفوع وجوده الواقعي بمجرد الجهل به لكان الجهل به مساوقاً للعلم بعدمه.([81])
إنّ الاستدلال بذلك مصادرة للمطلوب، لأنّ القائل بالتصویب یقول: إنّ الرفع في مرتبة الحكم و عدم العلم في مرتبة الموضوع، فإنّ الجهل بالشيء فرع وجوده في مرتبة الجهل. و بعبارة أُخری إنّ الجهل كاشف عن وجود الحكم الواقعي في مرحلة الموضوع و الرفع یتحقّق بعد مرحلة الموضوع -أي في مرحلة المحمول- فعلى هذا وجود الحكم الواقعي في مرحلة موضوع حدیث الرفع لاینافي رفعه الواقعي في مرحلة المحمول.
هنا أمران:
الأمر الأوّل: هل یعمّ حدیث الرفع الشبهات الحكمیة؟
إنّ البحث عن تعمیم حدیث الرفع للشبهات الحكمیة أو اختصاصها بالشبهات الموضوعیة یرتبط بمسألة أُخری، هي أنّه ما المرفوع بحدیث الرفع؟
هنا احتمالات أربعة لابدّ من أن نبحث حولها:
الأوّل: أن یكون المرفوع أثر الحكم و هو وجوب الاحتیاط و هذا مختار الشيخ الأنصاري!.([82])
الثاني: أن یكون المرفوع نفس الحكم لا أثره.
الثالث: أن یكون المرفوع ما هو المجهول الأعمّ من أن یكون حكماً أو موضوعاً.
الرابع: أن یكون المرفوع الموضوع المجهول.
قال الشيخ الأنصاري!: معنی رفع أثر التحریم في «ما لایعلمون» عدم إیجاب الاحتیاط و التحفّظ فیه حتّی یلزمه ترتّب العقاب، إذا أفضى ترك التحفّظ إلى الوقوع في الحرام الواقعي … [إلى أن قال:] و الحاصل: أنّ المرتفع في «ما لایعلمون» و أشباهه ممّا لایشمله أدلّة التكلیف هو إیجاب التحفّظ على وجه لایقع في مخالفة الحرام الواقعي و یلزمه ارتفاع العقاب و استحقاقه، فالمرتفع أوّلاً و بالذات أمر مجعول یترتّب علیه ارتفاع أمر غیر مجعول.
- إیراد المحقّق الخوئي! علیه([83])
إنّ ذلك خلاف ظاهر الحدیث، فإنّ ظاهره أنّ المرفوع هو نفس ما لایعلم و هو الحكم الواقعي لا وجوب الاحتیاط و بعد كون الحكم بنفسه قابلاً للرفع في مرحلة الظاهر … [إلى أن قال:] لا وجه لارتكاب خلاف الظاهر.
و هو أن یكون المرفوع نفس الحكم سواء كان حكماً كلّیاً أم جزئیاً، لأنّ منشأ الشكّ في الحكم إمّا عدم وصوله إلى المكلّف فهو حینئذٍ یشكّ في الحكم الكلّي، و إمّا الاشتباه في الأمور الخارجیة فالمكلّف حینئذ یشكّ في الحكم الجزئي.
فحدیث الرفع -على هذا الاحتمال- یشمل الشبهات الحكمیة و الشبهات الموضوعیة. ([84])
و هو أن یكون المرفوع ما هو الأعمّ من الحكم المجهول و الفعل الخارجي المجهول بحسب العنوان و هذا مثل فعل الشرب الذي لمیعلم عنوانه أ هو شرب الخمر أو شرب الخلّ؟
و حینئذٍ إن قلنا بإمكان شمول الموصول للحكم و الفعل الخارجي المجهول فلابدّ من الالتزام به و ترجیح هذا الاحتمال الثالث على الاحتمال الثاني و ذلك لإطلاق الموصول.
و هو أن یكون المرفوع خصوص الفعل الخارجي المجهول بحسب العنوان دون الحكم و لو التزمنا بهذا القول لابدّ من أن نلتزم باختصاص حدیث الرفع بالشبهات الموضوعیة، فلاتجري البراءة حینئذ في الشبهات الحكمیة (لو كان الدلیل علیه حدیث الرفع فقط).
قال الشيخ الأنصاري! بعد تقریب الاستدلال بحدیث الرفع:
«یمكن أن یورد علیه بأنّ الظاهر من الموصول في “ما لایعلمون” بقرینة أخواتها هو الموضوع أعني فعل المكلّف غیر المعلوم كالفعل الذي لایعلم أنّه شرب الخمر أو شرب الخلّ و غیر ذلك من الشبهات الموضوعیة فلایشمل الحكم غیر المعلوم.» ([85])
إنّ وحدة السیاق تقتضي ذلك لأنّ المراد من الموصول هو الفعل لا الحكم كما نری ذلك في «مَا لَا يُطِيقُونَ» و «مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْه» و «مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ»، فإنّ المراد فیها هو الفعل الذي لایطیقونه و الفعل الذي یُكرهون علیه و الفعل الذي یُضطرّون إلیه و لا معنی لعدم الطاقة على الحكم بل عدمُ الطاقة على إجراء الحكم و امتثاله و لا إكراه على الحكم بل الإكراهُ على الفعل ولا اضطرار إلى الحكم بل الاضطرارُ إلى الفعل الخارجي.
إنّ وحدة السیاق محفوظة هنا، لأنّ الموصول استعمل في معنی واحد و هو المرادف لمعنی الشيء، مثال ذلك هو أن یقال: «إنّ ما تركه جابر أو عمّار فهو لمیثم» مع أنّ ما تركه جابر مثلاً فهو الدار و ما تركه عمّار مثلاً هو أساس البیت، و الاختلاف في مصادیق الموصول لایضرّ بوحدة السیاق في ناحیة الموصول. ([86])
إنّ الرفع في الحدیث أُسند إلى عنوان التسعة بإسناد واحد كلامي، و بعض مصادیق التسعة هو الفعل الخارجي قطعاً كما في «مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ» و «مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْه» و «مَا لَا يُطِيقُونَ» و إسناد الرفع إلى الفعل الخارجي مجازي بلا شبهة.
فإن كان الموصول في «مَا لَا يَعْلَمُونَ» أیضاً الفعل الخارجي فإسناد الرفع إلى «ما لایعلمون» یكون إسناداً مجازیاً و یكون إسناد الرفع إلى التسعة إسناداً مجازیاً.
و إن كان الموصول في «مَا لَا يَعْلَمُونَ» هو الحكم فإسناد الرفع إلى «مَا لَا يَعْلَمُونَ» حینئذٍ یكون إسناداً حقیقیاً فیلزم أن یكون الإسناد الواحد (و هو إسناد الرفع إلى عنوان التسعة) حقیقیاً و مجازیاً و هذا غیر جائز.([87])
إنّ المراد من الرفع هو الرفع التشریعي لا[88]التكویني و إسناد الرفع التشریعي إلى الفعل إسناد حقیقي، و یلزم حینئذٍ أن یكون إسناد الرفع إلى عنوان التسعة إسناداً حقیقیاً.([89])
- الجواب الثاني: ما أفاده المحقّق الخوئي! أیضاً ([90])
لو قلنا بأنّ المراد من الرفع هو الرفع التكویني یلزم أن یكون إسناد الرفع إلى عنوان التسعة مجازیاً، إذ الإسناد إلى العنوان الجامع الواحد في ما إذا كان بعض مصادیقه قابلاً لهذا الإسناد حقیقة و بعض مصادیقه الآخر قابلاً له مجازاً، إسناد مجازي فلایلزم أن یكون إسناد واحد حقیقیاً و مجازیاً.([91])
و یمكن الجواب عن ذلك ثالثاً بأن یقال: لا إشكال في كون الإسناد الواحد بالنسبة إلى بعض مصادیق المسند إلیه حقیقیاً و بالنسبة إلى بعضها الآخر مجازیاً، لما تقدّم من أنّ استعمال لفظ واحد في أكثر من معنی واحد جائز عند بعض المحقّقین و هذا هو المختار.
إنّ حدیث الرفع وارد في مقام الامتنان على المكلّفین، فلابدّ أن یكون المرفوع أمراً ثقیلاً حتّی یكون رفعه امتناناً على المكلّف و الثقیل هو الفعل دون الحكم لأنّ الحكم اعتبار من المولى و لكن الفعل هو ما یصدر عن المكلّف.
- أجاب عنه المحقّق الخوئي! ([92])
قال!: «لا مانع من إسناد الرفع إلى الحكم باعتبار كونه سبباً لوقوع المكلّف في كلفة و ثقل».
إنّ الرفع لابدّ و أن یتعلّق بالفعل، لتقابله مع الوضع فلابدّ أن یكون متعلّق الرفع و الوضع أمراً واحداً، و حیث إنّ الحكم هو اعتبار وضع الفعل على ذمّة المكلّف فلابدّ أن یكون الرفع هنا هو رفع الفعل عن ذمّته، فالرفع و الوضع كلاهما متعلّقان بالفعل.
هو أنّ الحكم اعتبار الشارع و المراد من الوضع هو جعل الحكم و إیجاده في عالم الاعتبار و قرینة المقابلة تقتضي تعلّق الرفع بالحكم أیضاً.
فالرفع كما یتعلّق بالفعل یتعلّق بالحكم أیضاً، فالموصول في «مَا لَا يَعْلَمُونَ» یعمّ الفعل و الحكم.
إنّ «مَا لَا يَعْلَمُونَ» یشمل الفعل یقیناً فلو قلنا بشموله للحكم یلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنی واحد.
إنّ الموصول لمیستعمل في المعنیین بل استعمل في معناه المبهم المرادف لمفهوم الشيء و غایة الأمر أنّه ینطبق على الفعل مرّة و على الحكم أُخری، و اختلاف المصادیق لایوجب تعدّد المعنی المستعمل فیه.
إنّ استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنی واحد جائز عند بعض الأعلام و قد تقدّم بیان جوازه. ([93])
الأمر الثاني: إشكال على عموم حدیث الرفع لبعض موارد الشبهات الحكمیة
إن كلمة الرفع تستعمل في إزالة الشيء الموجود، كما أن كلمة الدفع تستعمل في المنع عن الإیجاد.
فالشكّ في أصل ثبوت التكلیف یقتضي استعمال كلمة الدفع، و لكن الموجود في الروایة هو «الرفع»، و هو ظاهر في ثبوت التكلیف قبلاً، فللحدیث موردان:
المورد الأوّل: ثبوت التكلیف في شریعتنا و عروض الجهل بعد ذلك.
المورد الثاني: ثبوت التكلیف في الشرائع السابقة و الجهل بتشریعه في شریعتنا.
و بما أنّ المورد الأوّل هو مجری الاستصحاب و أدلّة حجّیة الاستصحاب -على هذا- تخصّص حدیث الرفع بالنسبة إلى المورد الأوّل، و تخصيص بالفرد الأكثر لأنّه لایبقی لحدیث الرفع إلّا المورد الثاني و هو فرد نادر، و هو مستهجن، فیقع التعارض بین حدیث الرفع و دلیل حجّیة الاستصحاب في المورد الأوّل لتجنّب الاستهجان.
و اتّجهوا لدفع هذا الإیراد الموهن اتّجاهاتٍ عدیدةً، فبعضهم – كالمحقّق النائیني! – قال باستعمال الرفع بدل الدفع من دون عنایة و مجاز، و بعضهم- كالمحقّق الخوئي! – التزم بالمجازیة في كلمة الرفع، و سیأتي مقتضى التحقیق إن شاء الله تعالى.
إنّ اتصاف الشيء بالرافعیة أو الدافعیة لایكون إلّا بعد وجود المقتضي فما لمیكن هناك مقتضٍ لوجود الشيء فلا دافع و لا رافع بل یستند العدم إلى عدم المقتضي و كلّ رافع فهو دافع في الحقیقة. ([94])
توضیح ذلك:
إنّ الرفع في الحقیقة یمنع و یدفع المقتضي عن التأثیر في الزمان اللاحق أو المرتبة اللاحقة، لأن بقاء الشيء كحدوثه یحتاج إلى علّة البقاء و إفاضة الوجود علیه من المبدأ الفیّاض في كلّ آنٍ، فالرفع في مرتبة وروده على الشيء إنّما یكون دفعاً حقیقة باعتبار علّة البقاء و إن كان رفعاً باعتبار الوجود السابق، فاستعمال الرفع في مقام الدفع لایحتاج إلى علاقة المجاز، بل لایحتاج إلى عنایة أصلاً، بل لایكون خلاف ما یقتضیه ظاهر اللفظ، لأنّ غلبة استعمال الرفع في ما یكون له وجود سابق لایقتضي ظهوره في ذلك.
فلا مانع من جعل الرفع في الحدیث المبارك بمعنی الدفع و لایلزم من ذلك مجاز في الكلمة و لا في الإسناد.
و صرّح في أجود التقریرات بصحّة استعمال كلّ منهما بدل الآخر من دون عنایة. ([95])
إنّ المحقّق الخوئي! ناقش في هذه النظریة بقوله: «إنّ احتیاج الممكن إلى المؤثّر حدوثاً و بقاءً و كون إعدام الشيء الموجود أیضاً منعاً عن تأثیر المقتضي لایستلزم اتّحاد مفهوم الرفع و الدفع لغةً، لإمكان أن یكون الرفع موضوعاً لخصوص المنع عن تأثیر المقتضي بقاءً بعد فرض وجود المقتضي و حدوثه و الدفع موضوعاً للمنع عن التأثیر حدوثاً. و بالجملة ما ذكره بحث فلسفي لا ربط له بالبحث اللّغوي و مفهوم اللّفظ».([96])
إنّ ما أفاده المحقّق النائیني! (لو سلّمت تمامیته) هو أنّ كلّ رفع دفع و لمیثبت أنّ كلّ دفع رفع، و ما یلزم ثبوته هنا هو أنّ كلَّ دفع رفع فالمستفاد من كلام المحقّق النائیني! هو أنّ للدفع مصداقین:
الأوّل: الدفع الذي هو یمنع عن تأثیر المقتضي حدوثاً.
و الثاني: الدفع الذي یمنع عن تأثیر المقتضي بقاءً بعد تأثیره حدوثاً.
فهذا المصداق الثاني هو الرفع باعتبار إعدامه لما حدث سابقاً و لكن لا مجال لاستعمال الرفع بدل الدفع بالمعنی الأوّل.
فما أفاده في أجود التقریرات من «أنّ استعمال كلّ منهما بدل الآخر صحیح» لا وجه له بل مقتضى نظریته هو أنّ كل رفع دفع و لیس كلّ دفع رفعاً.
و في ما نحن فیه جریان البراءة بالنسبة إلى الحكم الشرعي المشكوك من مصادیق الدفع بالمعنی الأوّل و لا یجوز استعمال الرفع بدله فما أفاده! لایجدي في المقام.([97])
إنّه التزم بأحد الوجهین:
الوجه الأوّل: أنّ إطلاق الرفع هنا حقیقي و استعماله هو باعتبار ثبوت تلك الأحكام في الشرائع السابقة و لو بنحو الموجبة الجزئیة، و یستظهر ذلك من اختصاص الرفع في الحدیث بالأُمّة.([98])
الوجه الثاني: أنّ إطلاق الرفع هنا مجازي، لأنّ الرفع حقیقة إزالة الشيء الموجود إلا أنه صحّ استعماله في ما إذا تحقق المقتضي مع مقدمات قریبة لوجود الشيء فزاحمه مانع عن التأثیر.
مثلاً إذا تحقق المقتضي لقتل شخص و وقع تحت السیف، فعفي عنه أو حدث مانع آخر عن قتله، صحّ أن یقال عرفاً: ارتفع عنه القتل، فیمكن أن یكون استعمال الرفع في الحدیث الشریف من هذا القبیل.([99])
أمّا الوجه الأوّل فیرد علیه: أنّ ثبوت بعض الأحكام القلیلة بنحو الموجبة الجزئیة في الشرائع السابقة لایوجب ثبوت الحكم المشكوك حتّی یجري فیه حدیث الرفع، فإنّ الرفع یتعلق بنفس الحكم المشكوك فلابدّ من إقامة دلیل على ثبوت شخص ذلك الحكم المشكوك.
أمّا الوجه الثاني فیرد علیه: أنّ هذا خلاف الظاهر، كما اعترف به! بمجازیته فلایمكن المصیر إلیه.
إن إطلاق الرفع هنا حقیقي حیث إن موضوع الرفع قد أُخذ مفروض الوجود و لسان حدیث الرفع هو أن الشيء الموجود الذي لاتعلمونه فهو مرفوع ظاهراً.
و الوجه في ذلك هو إطلاق الموصول بالمعنی المرادف للشيء على الأمر المرفوع.
فتحصّل إلى هنا: أن حدیث الرفع یدل على جریان البراءة في جمیع الشبهات الحكمیة و الموضوعیة و لا وجه لاختصاصه بالشبهات الموضوعیة و لا ببعض الشبهات الحكمیة.
xi. النكتة الأُولى
إنّ الرفع بالنسبة إلى «مَا لَا يَعْلَمُونَ» ظاهري و لذا لو انكشف الخلاف و بان الحكم الواقعي لایجوز الاكتفاء بالحكم الظاهري إلّا إذا قلنا في بحث الإجزاء بالاجتزاء بالأمر الظاهري أو قلنا بالاجتزاء في بعض الموارد الخاصّة مثل حدیث «لاَ تُعَادُ اَلصَّلاَةُ إِلاَّ مِنْ خَمْسَةٍ».([100])
أمّا الرفع بالنسبة إلى سائر فقرات حديث الرفع كالاضطرار و الإكراه فواقعي و لذا لو ارتفع الاضطرار أو الإكراه یكتفى بما أوتي به في حال الاضطرار أو الإكراه.
xii. النكتة الثانیة
إنّ حدیث الرفع یعمّ الأحكام التكلیفیة و الوضعیة و متعلّقات الأحكام و موضوعاتها و قد یكون الفعل الخارجي متعلّقاً لحكم و موضوعاً لحكم آخر مثل الإفطار في نهار شهر رمضان فإنّه متعلّق لحكم الحرمة و موضوع لحكم وجوب الكفارة، فإنّ متعلّق الوجوب الكفارة و موضوعه الإفطار.
xiii. النكتة الثالثة
إنّ مفاد حدیث الرفع هو رفع الحكم لا إثبات الحكم و لذا یجري الحدیث إذا وقعت المعاملة – مثلاً – صحیحة في نفسها و لكن البائع كان مكرهاً علیها و یرتفع عنها الحكم الوضعي بالصحّة و إذا وقعت المعاملة فاسدة بإكراه البائع علیها فلایمكن الحكم الوضعي بالصحّة استناداً إلى حدیث الرفع.
xiv. النكتة الرابعة
إنّ حدیث الرفع یجري بالنسبة إلى الحكم المترتّب على فعل المكلّف بما هو فعل المكلّف و لایجري بالنسبة إلى الحكم المترتّب على العناوین المذكورة في نفس الحدیث.
توضيح ذلك: أنّ الحدیث یجري بالنسبة إلى الحكم الوضعي – مثلاً – بـ «بطلان الصلاة عند فقد الجزء» فإذا ترك المكلّف الجزءَ نسیاناً یرتفع بالنسيان الحكم بالبطلان و لكن حديث الرفع لایجري بالنسبة إلى حكم عنوان النسیان بأنّه لو نسي المكلّف الحكم فتجب عليه – مثلاً – سجدتا السهو.
و كذلك یجري بالنسبة إلى حكم القتل بما أنّه قتل عند وقوعه خطأً و لایجري بالنسبة إلى حكم عنوان الخطأ مثل الدیة في القتل خطأً.
xv. النكتة الخامسة
قد تقدّم أنّ حدیث الرفع یجري بالنسبة إلى الحكم المترتب على فعل المكلّف بما أنّه فعل المكلّف فلایجري بالنسبة إلى الحكم المترتب على العناوین الخاصّة بما هي عناوین خاصّة لا بما هي فعل مكلّف.
مثلاً إذا اضطرّ المكلّف أو أُكره على ملاقاة بدنه للنجاسة فلا ترتفع النجاسة للاضطرار أو الإكراه، لأنّ النجاسة حكم وضعي تترتّب على عنوان الملاقاة بما أنّها ملاقاة و لیس مترتباً على الملاقاة بما أنّها فعل المكلّف.
و أیضاً إذا اضطرّ المكلّف إلى تفویت العبادة في وقتها اضطراراً أو إكراهاً فلایجري حدیث الرفع بالنسبة إلى وجوب القضاء لأنّ وجوب قضاء العبادة مترتّب على عنوان الفوت بما أنّه فوت و لیس مترتّباً على الفوت بما أنّه فعل المكلّف.
xvi. النكتة السادسة
إنّ حدیث الرفع وارد في مورد الامتنان و المدار فیه على الامتنان على الأمّة لا الامتنان الشخصي فقط، و لذا ترفع به صحّة بیع المكره لأنّه امتنان علیه و لاترفع به صحّة بیع المضطرّ لأنّ رفع صحته خلاف الامتنان علیه، و أیضاً ترفع به حرمة التصرّف في مال الغیر و لایرفع به ضمان الإتلاف في ما إذا تصرّف في مال الغیر اضطراراً أو إكراهاً لأنّه و إن كان امتناناً على المتلف المضطرّ أو المكره و لكنّه خلاف الامتنان بالنسبة إلى المالك.
xvii. النكتة السابعة
هل تجري أصالة البراءة المستفادة من حدیث الرفع في الأحكام غیر الإلزامیة؟
إنّ هذا البحث لایختصّ بحدیث الرفع بل لابدّ من أن نبحث حول جریان البراءة العقلیة و الشرعیة في الأحكام غیر الإلزامیة سواء كانت مستفادة من حدیث الرفع أم من غیره.
أمّا البراءة العقلیة فلاتجري بالنسبة إلى الأحكام غیر الإلزامیة لأنّ مستندها قاعدة قبح العقاب بلا بیان و هذه القاعدة لاتجري في الأحكام غیر الإلزامیة لعدم العقاب على تركها.
أمّا البراءة الشرعیة فقد اختلفوا فیها، فقال بعضهم بجریانها فیها و قال المحقّق الخوئي! بالتفصیل في ذلك، فلابدّ من التحقیق حول ذلك.
- تفصیل المحقّق الخوئي! ([101])
إنّه! قال بالتفصیل بین موارد الشكّ في التكالیف الاستقلالیة فلاتجري فیها البراءة الشرعیة و بین موارد الشكّ في التكالیف الضمنیة فتجري فیها.
و الوجه في عدم جریانه في التكالیف الاستقلالیة هو أنّ الرفع في الحدیث الشریف هو رفع ظاهري، فإذا تعلّق الرفع بالحكم الإلزامي یوجب عدم وجوب الاحتیاط و بهذا الوزان إذا تعلّق الرفع بالحكم غیر الإلزامي فهو یوجب عدم استحباب الاحتیاط و لكن ذلك ممّا لایمكن الالتزام به لعدم الإشكال في استحباب الاحتیاط سواء كان الحكم إلزامیاً أم غیر إلزامي، للأدلّة الدالّة على حسن الاحتیاط و استحبابه.
و الوجه في جریانه في التكالیف غیر الإلزامیة الضمنیة (مثل الجزء المستحب أو جزء المستحب) هو أنّ جزئیتها أو شرطیتها مشكوكة فترفع بحدیث الرفع، و یحكم بعدم الاشتراط أو عدم الجزئیة ظاهراً.
إنّ ما أفاده في التكلیف الضمني تامّ و لكن التفصیل مخدوش، لأنّ عدم وجوب الاحتیاط في التكلیف الإلزامي هو من آثار الرفع و ثمراته و المرفوع نفس الحكم لا وجوب الاحتیاط و من هنا نقول: إنّ المرفوع في التكلیف غیر الإلزامي هو نفس حكم الاستحباب لا استحباب الاحتیاط فإنّ استحباب الاحتیاط ثابت لما ورد من حسن الاحتیاط و استحبابها و أمّا الاستحباب (نفس الحكم الاستحبابي) فهو مرفوع بحدیث الرفع.
و لعلّ منشأ الخلط هو ما أفاده الشيخ! من أنّ المرفوع في التكالیف الإلزامیة هو وجوب الاحتیاط و توهّم من ذلك أنّ المرفوع في التكالیف غیر الإلزامیة أیضاً لابدّ أن یكون استحباب الاحتیاط و لكنّه قد تقدّم المناقشة فیه، بل المحقّق الخوئي! هو ممّن استشكل على الشيخ الأنصاري! بأنّ المرفوع نفس الحكم لا وجوب الاحتیاط بالنسبة إلیه.
فتحصّل من ذلك: جریان حدیث الرفع في التكالیف غیر الإلزامیة استقلالیة كانت أم ضمنیة.
xviii. النكتة الثامنة
تعلّق الاضطرار و الإكراه و نحوهما بمتعلّق التكلیف.
- تفصیل المحقّق الخوئي!([102])
إنّ المحقّق الخوئي! فصّل في المسألة فقال: إنّ متعلّق التكلیف في التكالیف الاستقلالیة؛ إن كان هو الكلّي الساري كما في المحرّمات المنحلّة إلى أحكام عدیدة بتعدّد الأفراد فطروّ أحد هذه العناوین على فرد من الطبیعة لایوجب إلّا سقوط التكلیف المتعلّق بهذا الفرد، و إن كان هو الكلّي على نحو صرف الوجود كما في التكالیف الإیجابیة فطروّ الاضطرار و نحوه على فرد من ذلك الكلّي لا أثر له في ارتفاع الحكم أصلاً، إذ ما طرأ علیه العنوان و هو الفرد لا حكم له على الفرض و ما هو متعلّق التكلیف و هو الطبیعي لمیطرأ علیه عنوان الاضطرار و نحوه.
نعم لو اضطرّ إلى ترك الصلاة في تمام الوقت أو في خصوص آخره في ما إذا لمیأت بها قبل ذلك كان التكلیف ساقطاً لامحالة.
أمّا في التكالیف الضمنیة فلو اضطرّ المكلّف إلى ترك جزء أو شرط في فرد مع تمكّنه منه في فرد آخر لایرتفع به التكلیف الضمني المتعلّق بهذا الجزء أو الشرط، لأنّ متعلّق التكلیف و هو الكلّي لمیتعلّق به الاضطرار فالإتیان بالناقص مع التمكّن من الإتیان بفرد تامّ من حیث الأجزاء و الشرائط لایكون مجزیاً و لو اضطرّ المكلّف إلى ترك الجزء أو الشرط مستوعباً لتمام الوقت سقط التكلیف المتعلّق بالمركّب المشتمل على المضطرّ إلى تركه.
و في هذا الفرض هل یجب الإتیان بالتكليف في غیر ما اضطرّ إلى تركه، أو أكره على تركه من الأجزاء و الشرائط، أو من جهة النسيان؟
هنا قولان:
القول الأوّل: الوجوب، لأنّ المرفوع خصوص الأمر الضمني المتعلّق بالمضطرّ إلیه، فیبقی الأمر المتعلّق بغیره على حاله.([103])
القول الثاني: عدم الوجوب و هو مختار المحقّق الخوئي! و هذا القول هو الصحیح، لأنّ التكلیف متعلّق بالمجموع و مع فقدان الجزء أو الشرط لایمكن تحقّق المجموع، فإذا ارتفع التكلیف بالمجموع للاضطرار إلى ترك جزئه أو شرطه، كان التكلیف ببقیة الأجزاء و الشرائط محتاجاً إلى دلیل آخر، فإن وجدنا دلیلاً آخر على وجوب التكلیف الفاقد لبعض الأجزاء و الشرائط یجب الإتیان به كما في باب الصلاة حیث یستفاد من الروایات أنّه «لاتترك الصلاة بحالٍ»([104]) و إن لمنجد دلیلاً على ذلك فلایجب الإتیان به.
أوّلاً: ما أفاده من أنّ متعلّق التكلیف هو الكلّي على نحو صرف الوجود هو مصطلح المحقّق النائیني! و قد تقدّم([105]) سابقاً مناقشة المحقّق الإصفهاني! فیه من أنّ صرف الوجود هو الوجود البحت و لاینبغي استعماله هنا.
ثانیاً: ما أفاده من أنّ الاضطرار عارض على الفرد لا على الطبیعي الذي هو متعلّق التكلیف یرد علیه أنّ التكلیف لایتعلّق بالطبیعة بل یتعلّق بالفرد و یعبّر عنه بوجود الطبیعة فالصحیح أن یقال: إنّ هذا الفرد من الطبیعة لیس بشخصه متعلّقاً للتكلیف بل انطباق المتعلّق علیه بالتخییر العقلي.
الدلیل الرابع: حدیث الحجب
الصدوق! في توحیده عن أحمد بن محمّد بن یحیی عن أبیه (محمّد بن یحیی العطّار) عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن داود بن فرقد عن أبي الحسن زكریا بن یحیی عن أبي عبد الله%: «مَا حَجَبَ اللَّهُ عِلْمَهُ عَنِ الْعِبَادِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُمْ»([106]) و رواه الكلیني! عن محمّد بن یحیی أیضاً بغير لفظ «عِلْمَهُ»، فإنّ سنده تامّ كما أنّ دلالته أیضاً ممّا لا خفاء علیها، كما قال السیّد الصدر!: هذا خیر دلیل من السنّة على البراءة سنداً و دلالةً.([107])
c. إیراد الشيخ الأنصاري و صاحب الكفایة” على دلالته ([108])
إنّ الظاهر من «مَا حَجَبَ اللَّهُ عِلْمَهُ» ما لمیبینه للعباد، لا ما بیّنه و اختفی علیهم من معصیة من عصى الله في كتمان الحق أو ستره فالروایة مساوقة لما ورد عن مولانا أمیرالمؤمنین%: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى حَدَّ حُدُوداً فَلَا تَعْتَدُوهَا وَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تَنْقُصُوهَا وَ سَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ لَمْ يَسْكُتْ عَنْهَا نِسْيَاناً لَهَا فَلَا تُكَلَّفُوهَا رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا». ([109])
و أمّا ما بینه الله تعالى و لكن لمیصل إلینا لمنع الظالمین عن وصوله فلایصحّ فیه إطلاق «مَا حَجَبَ اللَّهُ عِلْمَهُ عَنِ الْعِبَادِ» و لایصحّ إسناد الحجب إلیه تعالى.
i. جواب المحقّق الخوئي! عن هذا الإیراد ([110])
إنّه تعالى قادر على بیانها بأن یأمر الإمام المهدي0 بالظهور و بیان تلك الأحكام فحیث لمیأمره بالبیان لحكمة لایعلمها إلّا هو صحّ إسناد الحجب إلیه تعالى هذا في الشبهات الحكمیة و كذا الحال في الشبهات الموضوعیة، فإنّ الله تعالى قادر على إعطاء مقدّمات العلم الوجداني لعباده فمع عدم الإعطاء صحّ إسناد الحجب إلیه تعالى.
الدلیل الخامس: روایات الحلّ
و هي أربع:
d. الروایة الأُولى: موثقة مسعدة بن صدقة
رواها الكلیني عن علي بن إبراهیم عن هارون بن مسلم عن مَسعَدَة بن صَدَقَة عَنْ أَبِي عَبْدِ الله% قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «كُلُّ شَيْءٍ هُوَ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ وَ ذَلِكَ مِثْلُ الثَّوْبِ يَكُونُ عَلَيْكَ قَدِ اشْتَرَيْتَهُ وَ هُوَ سَرِقَةٌ أَوِ الْمَمْلُوكِ عِنْدَكَ وَ لَعَلَّهُ حُرٌّ قَدْ بَاعَ نَفْسَهُ أَوْ خُدِعَ فَبِيعَ قَهْراً أَوِ امْرَأَةٍ تَحْتَكَ وَ هِيَ أُخْتُكَ أَوْ رَضِيعَتُكَ وَ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا عَلَى هَذَا حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ تَقُومَ بِهِ الْبَيِّنَةُ».
وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ! بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.([111])
هارون بن مسلم من أجلّائنا، و مسعدة بن صدقة قيل: عامّي، و مضى توثيقه في مبحث القطع فراجع.([112])
e. الروایة الثانیة: صحیحة عبد الله بن سنان
محمّد بن علي بن الحسین بإسناده([113]) عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان عَنْ أَبِي عَبْدِ الله% قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ [يَكُونُ] فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ أَبَداً حَتَّى تَعْرِفَ الْحَرَامَ مِنْهُ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَهُ».([114])
f. الروایة الثالثة: صحیحة عبد الله بن سلیمان
محمّد بن یعقوب عن محمّد بن یحیی عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن أبي أیّوب (الحسن بن محبوب) عن عبد الله بن سنان عن عبد الله بن سلیمان (من ثقات الإمامیة) قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ% عَنِ الْجُبُنِّ، فَقَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ طَعَامٍ يُعْجِبُنِي ثُمَّ أَعْطَى الْغُلَامَ دِرْهَماً فَقَالَ: يَا غُلَامُ ابْتَعْ لَنَا جُبُنّاً ثُمَّ دَعَا بِالْغَدَاءِ فَتَغَدَّيْنَا مَعَهُ فَأُتِيَ بِالْجُبُنِّ فَأَكَلَ وَ أَكَلْنَا فَلَمَّا فَرَغْنَا عَنِ الْغَدَاءِ، قُلْتُ: مَا تَقُولُ فِي الْجُبُنِّ؟ قَالَ: أَ وَ لَمْ تَرَنِي آكُلُهُ؟ قُلْتُ: بَلَى، وَ لَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ، فَقَالَ: سَأُخْبِرُكَ عَنِ الْجُبُنِّ وَ غَيْرِهِ؛ «كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى تَعْرِفَ الْحَرَامَ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَهُ».([115])
g. الروایة الرابعة: روایة معاویة بن عمّار
أحمد بن أبي عبد الله البرقي في المحاسن عن الیقطیني (محمّد بن عیسی بن عبید) عن صفوان (أي صفوان بن یحیی) عن معاویة بن عمّار عن رجل من أصحابنا قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ% فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْجُبُنِّ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ%: إِنَّهُ لَطَعَامٌ يُعْجِبُنِي فَسَأُخْبِرُكَ عَنِ الْجُبُنِ وَ غَيْرِهِ، كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ الْحَلَالُ وَ الْحَرَامُ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى تَعْرِفَ الْحَرَامَ فَتَدَعَهُ بِعَيْنِهِ».([116])
و المحقّق الخوئي! احتمل كون «رجل من أصحابنا» عبد الله بن سلیمان لاحتمال اتّحاد هذه الروایة و الروایة السابقة.([117])
فقد استدلّ بهذه الروایات بعض الأعلام و احتجّ بها على جریان البراءة الشرعیة في الشبهات الحكمیة.
و بعضهم احتجّ فقط بصحیحة عبد الله بن سنان و صحیحة عبد الله بن سلیمان.
و بعضهم احتجّ فقط بروایة مسعدة بن صدقة مثل صاحب الكفایة!.([118])
و بعضهم أنكر دلالتها على البراءة أو أصالة الإباحة في الشبهات الحكمیة مثل المحقّق النائیني و المحقّق الإصفهاني و المحقّق العراقي و المحقّق الخوئی#.
فلابدّ من ملاحظة مناقشات الأعلام بالنسبة إلى هذه الروایات.
مناقشات في شمول هذه الروايات لشبهات الحكمية
و يمكن تصنیف تلك المناقشات في نقاط ثلاث:
i. النقطة الأُولى
من جهة قوله%: «تَعْرِفَ الْحَرَامَ بِعَيْنِهِ»، فإنّ كلمة «بعينه» أوجبت انحصار دلالة الرواية في الشبهات الموضوعیة، و هذه الكلمة موجودة في جمیع روایات الباب.
قد أشكل المحقّق النائیني! على تعمیم الروایات للشبهات الحكمیة بكلمة «بِعَيْنِهِ» فقال!: إنّها ظاهرة في اختصاص الحكم المذكور بالشبهات الموضوعیة، و لو سلّمنا عدم الظهور لكون القید جيء به للاهتمام و هذا لاینافي كون الشبهة حكمیة أیضاً، فلا إشكال في احتمال قرینیته، لأنّ معنی المعرفة بعینه هو معرفة الشيء متمیّزاً عن غیره في مقابل المعرفة برؤیة الشبح مثلاً و هذا المعنی یناسب الشبهة الموضوعیة، فیكون من قبیل احتفاف الكلام بما یصلح للقرینیة، فلایكون له ظهور في العموم.([119])
أوّلاً: أنّ كلمة «بعینه» تستعمل كثیراً في مقام التأكید، لو لمنقل بغلبة استعمالها في ذلك.
ثانیاً: لو سلّمنا ذلك فهذه الكلمة تدلّ على لزوم معرفة الحرام بشخصه في قبال معرفة الحرام مطلقاً سواء عُرِف بشخصه و بعینه كما في العلم التفصیلي أم عُرف إجمالاً و بعبارة أُخری هذا القید احتراز عن معرفة الحرام لا بعینه، فإنّ الشارع اعتبر الحكم بالإباحة و الحلّیة و جعل غایته معرفة الحرام و حینئذٍ فلو لمتتقیّد معرفة الحرام بكلمة «بعینه» یؤخذ بإطلاقها و دلالتها على أنّ العلم بالحرمة – سواء كان تفصیلاً أم إجمالیاً – داخل في الغایة، فلاتجري أصالة الإباحة و الحلّ في أطراف العلم الإجمالي في الشبهات الحكمیة.
و تقييد معرفة الحرام بكلمة «بِعَيْنِهِ» موجب لأن تكون غایة الحكم بالحلیة و الإباحة هي معرفة الحرام بعینه أي العلم التفصیلي بالحرمة و حینئذٍ العلم الإجمالي بالحرمة باقٍ تحت عموم قوله%: «كُلُّ شَيْءٍ لَكَ حَلَالٌ».
نعم إنّ أصالة الإباحة و أصالة الحلّ لاتجري في جمیع أطراف العلم الإجمالي لأنّه ینتهي إلى المخالفة القطعیة للحكم الشرعي بل تجري في بعض الأطراف ما لمیلزم مخالفة قطعیة، و قد تقدّم في مباحث العلم الإجمالي أنّه لیس علّة تامّة للموافقة القطعیة بل تكفي موافقته احتمالاً.
ii. النقطة الثانیة
من جهة قوله%: «فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» فإنّه أیضاً موجب لاختصاص دلالتها بالشبهات الموضوعیة و هذه العبارة موجودة في جمیع الروایات إلّا موثقة مسعدة بن صدقة.
إنّ الشيخ الأنصاري و بعض المحقّقین مثل المحقّق الخوئي” قالوا: بأنّ فقرة «فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» تدلّ على اختصاص الروایة بالشبهة الموضوعیة و في قبالهم بعض الأعلام مثل المحقّق النائیني و المحقّق العراقي و المحقّق النراقي ([120]) و السیّد الصدر صاحب شرح الوافیة#([121]) قالوا بعدم دلالتها على الاختصاص بالشبهات الموضوعیة.
إنّ الظاهر من قوله%: «فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» هو الانقسام الفعلي بمعنی وجود القسمین (أي الحلال و الحرام) فیه بالفعل لا تردّده بین كونه حلالاً أو حراماً، و هذا لایمكن تصویره في الشبهات الحكمیة، لأنّ وجود القسمین في الشبهات الحكمیة فرضیة و إمكانیة و احتمالیة. و بعبارة أُخری أنّ وجود القسمین أي الحلال و الحرام في الشبهات الحكمیة لیس فعلیاً بل هو شأني بمعنی التردّد بین كونه حلالاً أو حراماً.([122])
- طریقان للجواب عن هذه المناقشة
- الطریق الأوّل: من المحقّق النائیني! ([123])
إنّ الشیئیة حیث إنّها تساوق الوجود فظاهر لفظ «الشيء» هو الموجود الخارجي، فیدور الأمر بین إرادة احتمال الحلّیة و الحرمة من قوله%: «فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» و بین الالتزام بالاستخدام و حمله على الانقسام الفعلي، و الأوّل و إن كان في نفسه خلاف الظاهر، إلّا أنّ الالتزام به أهون من الالتزام بالاستخدام، و على ذلك فلا مانع من شمول الروایة للشبهة الحكمیة.
و هذا البیان یحتاج إلى زیادة توضیح:
إنّ قوله%: «كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» ظاهر في فعلیة انقسام الشيء إلى القسمین و نحن نذعن بهذا الظهور إلّا أنّ الكلام یقع في أنّه هل یؤخذ بظهور المقسم و الانقسام أو لابدّ من الالتزام بخلاف الظاهر في أحدهما فإنّ بعض الأعلام مثل الشيخ
و المحقّق الخوئي” التزموا بخلاف الظاهر في ناحیة المقسم فقالوا: إنّ المقسم لقسمي الحلال و الحرام لیس نفس ذلك الشيء بل نوعه و بعبارة أُخری لیس الحلال و الحرام – بعنوانهما – وصفين لذلك الشيء بل هما وصفان لغیر من هو له و لكن المحقّق النائیني! یتحفّظ على ظهور المقسم و ظهور الكلام في فعلیة الانقسام و یلتزم بخلاف الظاهر في ناحیة الانقسام فیقول: إنّ الشيء ینقسم إلى كونه محتمل الحلّیة و الحرمة و بعبارة أُخری إنّ معنی قوله%: «كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» هو كلّ شيء فیه احتمال الحلّیة و الحرمة و هذا القید هو لإخراج ما لایتطرّق فیه الحلّیة و الحرمة، فإنّ الالتزام بخلاف الظاهر في ناحیة الأقسام بحمل فعلیتهما على الشأنیة و الاحتمال أهون من الالتزام بأنّ عنوان الحلال و الحرام وصفان لغیر من هو له.
- إیرادان من المحقّق الخوئي! على الطریق الاول
- الإیراد الأوّل ([124])
إنّ لفظ «الشيء» موضوع للمفهوم المبهم العامّ لا للموجود الخارجي و لذا یستعمل في المعدومات بل في المستحیلات.
أوّلاً: أنّ ذلك لایضرّ بنظریة المحقّق النائیني!، فإنّ كلّ طبیعة من الطبائع مع قطع النظر من وجوده الخارجي إذا تطرّق فیه احتمال الحلّیة و الحرمة فهو حلال.
ثانیاً: أنّ المحقّق الخوئي! هو بنفسه ملتزم بأنّ المراد من «الشيء» هو الموجود الخارجي كما اعترف بذلك في عبارته فقال:([125])
إنّ الشكّ في حلّیة مائع موجود في الخارج ناشئ من انقسام المائع إلى الحلال و الحرام إذ لو كان المائع بجمیع أقسامه حلالاً أو بجمیع أقسامه حراماً لما شككنا في هذا المائع الموجود في الخارج من حیث الحلّیة و الحرمة، فحیث كان المائع منقسماً إلى قسمین: قسم منه حلال كالخلّ و قسم منه حرام كالخمر، فشككنا في حلّیة هذا المائع الموجود في الخارج.
- الإیراد الثاني ([126])
إنّه على تقدیر التنزّل و تسلیم أنّ المراد منه الموجود الخارجي نلتزم بالاستخدام في الضمیر في قوله%: «فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ»، فیكون المراد أنّ كلّ موجود خارجي في نوعه حلال و حرام فهو لك حلال حتّی تعرف الحرام منه بعینه، و القرینة على هذا الاستخدام هو نفس التقسیم، باعتبار أنّ الموجود الخارجي غیر قابل للتقسیم، فلامحالة یكون المراد انقسام نوعه، فتكون الروایة مختصّة بالشبهات الموضوعیة.
إنّه قد تقدّم أنّ الالتزام بخلاف الظاهر في ناحیة الأقسام بحمل فعلیة الحلّیة و الحرمة على القوّة و الاحتمال أهون من الالتزام بالاستخدام المذكور بأن كان عنوان الحلال و الحرام وصفین لغیر من هو له.
- الطریق الثاني: من المحقّق العراقي! ([127])
یمكن أن یقال بشمول الروایة للشبهات الحكمیة نظراً إلى إمكان فرض الانقسام الفعلي فیها أیضاً كما في كلّي اللّحم، فإنّ فیه قسمین معلومین: حلال و هو لحم الغنم و حرام و هو لحم الأرنب و قسم ثالث مشتبه و هو لحم الحمیر، لایدری أنّه محكوم بالحلّیة أو الحرمة و منشأ الاشتباه فیه هو وجود القسمین المعلومین فیقال -بمقتضى عموم الروایة -: إنّه حلال حتّی تعلم حرمته بل یمكن فرضه في لحم الغنم أیضاً بالإضافة إلى أجزائه، فإنّه ممّا یوجد فیه قسمان معلومان و قسم ثالث مشتبه كالقلب مثلاً فلایدری أنّه داخل في الحلال منه أو الحرام فیقال: إنّه حلال حتّی یعلم كونه من القسم الحرام و یخرج بذلك عن دائرة المشتبهات المحكوم فیها بالحلّیة، و بعد شمول العموم المزبور لمثل هذا المشتبه الذي یوجد في نوعه القسمان المعلومان یتعدّی إلى غیره بعدم القول بالفصل.
إنّ ما أفاده خلاف الظاهر في ناحیة المقسم حیث إنّ معنی قوله%: «كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ»، هو أنّ كلّ شيء في كلّیِّهِ حلال و حرام فهو حلال و التفاوت بین طریق المحقّق العراقي و المحقّق الخوئي” في تقدیر كلمة كلّیه أو كلمة نوعه.
و على أيّ حال لو تنزّلنا عمّا أفاده المحقّق النائیني!، فهذا الطریق الذي سلكه المحقّق العراقي! یدلّنا على تعمیم روایات الحلّ للشبهات الحكمیة.
iii. النقطة الثالثة
من جهة خصوص موثّقة مسعدة بن صدقة حیث أُورد على دلالتها مضافاً إلى ما تقدّم من اشتمالها على كلمة «بعینه».
و هذه نقطة تتضمن ثلاث مناقشات: ([128])
- المناقشة الأُولى ([129])
إنّ الأمثلة التي ذكرها الإمام% في الروایة [أي روایة مسعدة بن صدقة] كلّها من قبیل الشبهة الموضوعیة، و هي لو لمتكن قرینةً على [إرادة خصوص الشبهات الموضوعیة و] عدم إرادة العموم فلا أقلّ من احتمال قرینیتها فیمنع عن انعقاد الظهور في العموم.
إنّ القاعدة الكلّیة لاتخصّص بذكر أمثلتها، و التمثیل ببعض المصادیق لایوجب تخصّصها بها، و لانحتمل قرینیة الأمثلة المذكورة، لأنّ لسانها لسان التمثیل و التنظیر لا القرینیة على تعیین موضوع القاعدة الكلّیة.
- المناقشة الثانیة ([130])
قوله% في ذیل الروایة: «أَوْ تَقُومَ بِهِ الْبَيِّنَةُ»([131]) ظاهر في إرادة الشبهة الموضوعیة.
توضیح ذلك: هو أنّ البیّنة المصطلح علیها هي شهادة العدلین و موضوعها هي الشبهات الموضوعیة.
إنّ البینة في الروایة لیست بمعناها المصطلح علیه بل هي بمعناها اللغوي و البیّنة اللغویة هو مطلق الدلیل الأعمّ من الخبر الواحد الذي یستدلّ به في الشبهات الحكمیة و الموضوعیة.
إنّ الحكم بالحلّیة في الأمثلة المذكورة في موثّقة مسعدة بن صدقة لیس مستنداً إلى أصالة الحلّیة و البراءة بل هو مستند إلى قواعد أُخر مثل قاعدة الید التي هي من الأمارات، فإنّ الحكم في الثوب و العبد المملوك مستند إلى قاعدة الید، و الحكم في المرأة التي یحتمل كونها أُختاً نسبیة مستند إلى استصحاب العدم الأزلي و الحكم في المرأة التي یحتمل كونها أُختاً رضاعیة مستند إلى استصحاب عدم تحقّق الرضاع.
و لا أقلّ هنا ثلاثة احتمالات:
الأوّل: أن یكون مستند الحكم أصالة الحلّیة و البراءة، فالمراد من الحلّیة هي الحلّیة المجعولة للشاكّ.
الثاني: أن یكون مستند الحكم هذه القواعد مثل قاعدة الید و الاستصحاب و المراد من الحلّیة هي الحلّیة المستفادة منها.
الثالث: أن یكون مستند الحكم أعمّ من أصالة الحلّیة و هذه القواعد مثل الید و الاستصحاب و المراد من الحلّیة حینئذٍ هو ما یقابل المنع و الحرمان.
و دلالة روایات الحلّ على البراءة في الشبهات الحكمیة متوقّفة على الاحتمال الأوّل و الثالث و لكنّهما غیر ثابتین.
إنّ الظاهر من موثقة مسعدة بن صدقة هو استناد الحكم فیها إلى قاعدة «كُلُّ شَيْءٍ هُوَ لَكَ حَلَالٌ» و هذه القاعدة ظاهرة في أنّ المراد من الحلّیة فیها هي الحلّیة المجعولة للشاكّ المستفادة من أصالة الحلّیة و الإباحة لا ما تدلّ علیه قاعدة الید أو الاستصحاب، فإنّ الاستناد إلى قاعدة الحلّ لاینافي وجود سائر المستندات.
فتحصّل من ذلك: أنّ روایات الحلّ و هي موثقة مسعدة بن صدقة و صحیحة عبد الله بن سنان و صحیحة عبد الله بن سلیمان و روایة معاویة بن عمّار كلّها تدلّ على جریان البراءة في الشبهات الحكمیة و الموضوعیة.
الدلیل السادس: حدیث السعة
و العبارة المعروفة من الحدیث هي: «الناس في سعة ما لایعلمون» و فیه ملاحظة كما سیجيء إن شاء الله تعالى.
و البحث هنا في جهتان: الأولى في السند و الثانیة في الدلالة.
iv. مناقشة المحقّق الخوئي! على الاستدلال بحدیث السعة سنداً ([132])
الذي يهوّن الخطب أنّ الحديث مرسل لايصحّ الاعتماد عليه، بل لم يوجد في كتب الأخبار أصلاً. ([133])
ثمّ قال!: نعم حدیث السفرة المطروحة في الطریق مشتمل على هذه العبارة بتفاوت یسیر، و إلیك نصّه:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله%: «أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ% سُئِلَ عَنْ سُفْرَةٍ وُجِدَتْ فِي الطَّرِيقِ مَطْرُوحَةً كَثِيرٌ لَحْمُهَا وَ خُبْزُهَا وَ جُبُنُّهَا وَ بَيْضُهَا وَ فِيهَا سِكِّينٌ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ%: يُقَوَّمُ مَا فِيهَا ثُمَّ يُؤْكَلُ، لِأَنَّهُ يَفْسُدُ وَ لَيْسَ لَهُ بَقَاءٌ فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا غَرِمُوا لَهُ الثَّمَنَ، فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ%، لَايُدْرَى([134]) سُفْرَةُ مُسْلِمٍ أَوْ سُفْرَةُ مَجُوسِيٍ؟ فَقَالَ%: هُمْ فِي سَعَةٍ حَتَّى يَعْلَمُوا».([135])
و هذه الروایة و إن كانت معتبرة سنداً و لكن دلالتها على جریان البراءة في الشبهات الحكمیة مخدوشة، لأنّ حكمها بالحلّیة إنّما هو من جهة كونه (أي اللحم) في أرض المسلمین و هو أمارة على التزكیة و إلّا فمقتضى أصالة عدم التزكیة حرمة أكله.([136]) تمّ ما أردنا نقله من كلامه!.
و ما أفاده من تعارض أخبار الاحتیاط أو حكومتها على هذه الروایة سیأتي إن شاء الله تعالى تحقیقه في محلّه.
و هنا قراءتان:
القراءة الأُولى: أنّ الحديث لايدلّ على البراءة الشرعیة و كلمة «سعة» فيه منوّنة على أنّ ما زمانیة، فمعنی الروایة -على هذا- هو أنّ الناس ما داموا غیر عالمین بالحكم الشرعي یكونون في سعةٍ. فمفاد حديث السعة هو بعینه مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان، و حینئذٍ أدلّة وجوب الاحتياط تتقدّم علیه بالحكومة، لأنّها بيان.
القراءة الثانیة: أنّ الحديث يدلّ على البراءة الشرعیة و كلمة «سعة» مضافة إلى كلمة «ما» الموصولة و هذه الإضافة تقتضي أن تكون كلمة ما الموصولة مضافاً إلیها، و حینئذٍ یكون معنی الروایة هو أنّ الناس یكونون في سعة بالنسبة إلى ما یجهلون من الحكم الشرعي و في سعةٍ من الحكم المجهول. فیكون مفاد حدیث السعة بعین مفاد حديث الرفع، و يتعارض مع أدلّة وجوب الاحتياط.
هنا نشیر إلى نظریات ثلاث:
v. النظرية الأولى: للمحقّق النائیني! (عدم دلالته على البراءة الشرعیة) ([137])
إنّ المحقّق النائیني! یری أنّ الروایة على التفسیر الأوّل (ما المصدریة الزمانیة) لاتفي بالمقصود، لأنّ أخبار الاحتیاط تكون حاكمةً على هذه الروایة، لأنّ مفاد أخبار الاحتیاط هو أنّ الناس في الضیق من جهة الحكم الشرعي المجعول.
و أمّا على التفسیر الثاني فیقع التعارض بین هذه الروایة و أخبار الاحتیاط، فتقدّم أخبار الاحتیاط على هذه الروایة، لأنّ حدیث السعة عامّ لمطلق الشبهات و أخبار الاحتیاط مختصّة بالشبهات التحریمیة، إلّا أنّه! ادّعی ظهور الروایة في أنّ ما زمانیة.([138])
- مناقشة المحقّق الخوئي! على المحقّق النائیني! ([139])
إنّ الروایة ظاهرة في أنّ «ما» هي موصولة، لأنّ ما الزمانیة لاتدخل على الفعل المضارع بل تدخل على الفعل الماضي لفظاً و معنی أو معنی فقط.
إنّ المذكور في عوالي اللآلي عنه$: «اَلنَّاسُ فِي سَعَةٍ مَا لَمْ يَعْلَمُوا». ([140])
و على هذا فمدخول كلمة ما في الروایة، ماضٍ معنیً، فیمكن حمل كلمة ما في الروایة على ما الزمانیة، فلا تدلّ على البراءة الشرعیة.
إنّ بعض الأساطينa یری دلالة حدیث السعة على البراءة الشرعیة، سواء قلنا بأنّ كلمة ما موصولة أو زمانیة، فقالa:
و التحقيق عدم الافتراق بين الوجهين بالنسبة إلى مدلول الرواية، و الوجه فيه هو أنّ مفهومها بحسب ظاهر الجملة و إن كان يختلف على الوجهين في مقام الإثبات من ناحية اشتمال الأوّل على الضمير العائد إلى الموصول الموجب لكون غاية السعة هو العلم بنفس الحكم المجهول بخلاف الثاني من كون الموضوع للسعة مطلق العلم، لكن مقام الثبوت يقتضي كون العلم المأخوذ في الغاية على الوجه الثاني أيضاً هو العلم المتعلّق بنفس المجهول، حيث إنّ متعلّق السعة في «الناس في سعة» هو الأمر المجهول، فإنّ المراد منها هو كون الناس في سعة بالنسبة إلى الأمر المجهول و حينئذٍ لايخلو كون متعلّق العلم في الغاية هو هذا الأمر المجهول أو غيره و الثاني غير محتمل إذ لا معنى لكون العلم المتعلّق بغير الشيء المجهول الذي كان في سعة منه رافعاً لسعته فيكون الظاهر من هذه الجملة بمقتضى السبر و التردید و بمناسبة الحكم و الموضوع من كون العلم بالحكم موجب لوقوع المكلّف في الضيق كون الناس في سعة مما جهلوه ما داموا جاهلين بها، فلا فرق بين الوجهين في ما هو الظاهر من الرواية، و لما كان الظاهر من أدلّة الاحتياط كون الوجوب المستفاد منها هو الوجوب الطریقي بمنظور التحفّظ على الواقع في قبال ما دلّ على البراءة الموجب لكونها معذرة عن الواقع فيكونان متعارضين كما تقدّم بيانه.([141])
vi. النظرية الثانیة: للمحقّق الإصفهاني! (عدم دلالته على البراءة الشرعیة) ([142])
إنّ المحقّق الإصفهاني! قال بورود أدلّة الاحتياط على الرواية، سواء بنينا على أنّ مفاد أدلّة الاحتياط هو الوجوب النفسي أو الوجوب الطريقي، خلافاً لصاحب الكفاية! حيث ذهب إلى أنّه إن كان طريقياً فلا يكون وارداً و ذلك بأن نقول: بأن يكون المراد من «مَا لَا يَعْلَمُون» هوعدم الحجّة لا الجهل بالحكم فإذا كان مفاد الدليل مطلق الحجّة سواء كانت أمارة أو أصالة الاحتياط فلا يمكن الالتزام بالسعة فيما قامت أدلّة الاحتياط على جريانه فتكون أدلّة الاحتياط حجّة على الحكم و ترفع موضوع البراءة و هو السعة. و إليك نصّ كلامه:
و أمّا إن كان الاحتياط واجباً طريقياً، فيمكن أن يقال: بورود دليل، الاحتياط أيضاً بناء على إرادة مطلق الحجّة القاطعة للعذر من العلم. فمفاد دليل البراءة حينئذ هي التوسعة فيما لم تقم حجّة على الواقع.
و بعد أن كان احتمال التكليف منجّزاً بدليل الاحتياط كان كما إذا وردت أمارة، و قلنا: بأنّ معنى حجّيتها منجّزيتها للواقع، فكما لا شبهة في ورودها على دليل البراءة، كذلك ينبغي أن لا يرتاب في ورود دليله (أي الاحتياط) على دليل البراءة.
فإن قلت: كما أنّ دليل البراءة موضوعه «ما لم يُعلَم» بمعنى عدم الحجّة المنجّزة للواقع، كذلك موضوع دليل الاحتياط المشتبه بمعنى ما لم تقم حجّة معذّرة عن الواقع، فيتعارضان، لأنّ أحدهما يوجب المنجّزية، و الآخر يوجب المعذّرية، و لا وجه للتوسعة في الأوّل دون الثاني.
قلت: حيث إنّ إيجاب الاحتياط بعنوان التحفّظ على الغرض الواقعي المنبعث عنه التكليف الواقعي، إمّا بإيصاله عرضاً بإيصال الحكم المماثل، أو بإيصاله بأثره بجعل الواقع منجّزاً به، فلا محالة ليس موضوعه إلّا احتمال التكليف اللّزومي المنبعث عن الغرض الواقعي، لا احتمال عدمه، و لا عدم قيام المعذّر عنه.
بخلاف دليل البراءة، فإنّه في مقام التوسعة ممّا لم يتنجّز بمنجّز واقعي أو جعلي، فموضوعه ما لم يقم عليه منجّز.
و الكلام في ورود دليل الاحتياط بلحاظ لسان دليله، و عنوان موضوعه، و إلا فتعارض المنجّز و المعذّر بديهي.
لايقال: إذا لم يكن دليل الاحتياط كما ذكر من حيث عموم موضوعه لعدم المعذّر لم يكن وجه لتقديم الأمارة النافية عليه، بناء على كون الأمارة منجّزة أو معذّرة.
لأنّا نقول: حيث إنّ لسان الأمارة النافية عدم التكليف، فالمعذورية من حيث إنّ لسانها نفي التكليف، فلا مجال لما يكون لسانه منجّزية احتمال ثبوت التكليف، و لأجل هذه الخصوصية يكون دليل الأمارة وارداً أيضاً إذا كانت مثبتة منجّزة للتكليف، فإنّ لسانها ثبوت التكليف، فلا مجال لما يكون لسانه منجّزية احتمال ثبوته.
و هذا التقريب غير تامّ، فإنّه يجاب عنه بوجهين بالنقض و بالحلّ:
أمّا النقض:
فبأنّ ما أفاده من البرهان لتقديم أدلّة الاحتیاط على مدلول رواية السعة جارٍ لتقديمها على حديث الرفع أيضاً فإنّ الموضوع فيه أيضاً هو عدم العلم و مقتضى ما أفاده في رواية السعة هو كون المراد منه أيضاً عدم قيام الحجّة فيكون مدلوله هو رفع ما لم يقم عليه الحجّة وحيث إنّ الرفع بحسب الواقع يكون من التصويب الباطل فيكون المراد رفع ما لم تقم عليه الحجّة بحسب الظاهر وبمقتضى ما أفاده من استحالة الإهمال فلامحالة يكون الرفع في الظاهر مقيّداً بما إذا لم تقم حجّة على تنجيزه كما أنّ أدلّة الاحتياط مقيّدة بما لم تقم حجّة على التعذير عنه فيتنافى الدليلان، ومقتضى ما أفاده في وجه حكومة أدلّة الاحتياط على رواية السعة هو تقديم أدلّة الاحتياط على حديث الرفع أيضاً وسقوطه عن الاستدلال به مع أنّه وغيره من الأصوليين غير ملتزمين به.
و أمّا الحلّ:
فبأنّه لاريب في كون كلمة العلم مباينة لكلمة الحجّة مفهوماً، فإنّ العلم [هو] حقيقةٌ في الصفة النفسانية الكاشفة عن الواقع، و الحجّة [هي] حقيقةٌ فيما يحتجّ به، و تكون النسبة بينهما هو العموم و الخصوص المطلق لكون كلّ علم حجّة و عدم كون كلّ حجّة علماً، و مقتضى أصالة الحقيقة حمل كلّ لفظ على معناه الحقيقي، كما أنّ مقتضى أصالة الموضوعية كون العنوان المأخوذ في موضوع الدليل هو الموضوع للحكم و مقتضى السيرة العقلائية حمل ما هو المراد الاستعمالي على كونه هو المراد الجدي، فلا وجه لحمل كلمة العلم على غير معناها الحقيقي و رفع اليد عمّا هي ظاهرة فيه مع عدم القرينة على خلافه بل القرينة على وفاته، و ذلك لكون مبنى الشريعة بمقتضى الأدلّة القطعية على السماحة و السهولة و هذا يوجب و يؤكّد احتمال كون الشارع المقدّس لأجل التسهيل على العباد و الامتنان عليهم جعل خصوص الجهل بالحكم الواقعي موجباً لرفعه في الظاهر و عدم استحقاق العقاب على مخالفته، و على هذا لا وجه لرفع اليد عن ظاهر ما لا يُعلَم و حمله على عدم قيام الحجّة لا في حديث الرفع و لا في غيره من روايات الحلّ و الطهارة و السعة.
و أمّا ما أفاده في وجه تقديم أدلّة الاحتیاط على حديث السعة من كون الموضوع لوجوب الاحتياط هو احتمال التكليف الإلزامي و الموضوع للسعة في الرواية هو عدم الحجّة على الحكم فتكون أدلّة وجوب الاحتیاط حجّة على الحكم و رافعة لموضوع السعة و لاتكون رواية السعة متعرّضة لموضوع أدلّة وجوب الاحتياط و نافية لاحتمال الحكم الإلزامي و إن كان حجّة على السعة في ظرف الجهل بالحكم فتكون أدلّة الاحتياط واردة على الرواية و نافيةً لموضوعها دون العكس.
فيرد عليه: أولاً: بأنّ المناط في الورود و الحكومة هو مقام الإثبات و لسان الدليل كما اعترف به و حيث إنّ الموضوع في لسان أدلّة الاحتیاط هو الشبهة فمع وجود الحجّة على السعة و التعذير ترتفع الشبهة فتكون الرواية و سائر أدلّة البراءة من حديث الرفع و غيره وارداً على دليل الاحتياط كما يقدّم أصل البراءة و غيره من الأصول على دليل القرعة حيث إنّ الموضوع فيها أيضاً هو الشبهة و بالأصل المتضمّن للحكم الظاهري ترتفع الشبهة.
و ثانياً: على فرض كون الموضوع لوجوب الاحتياط هو احتمال الحكم الإلزامي، فالجواب هو أنّ الموضوع في أدلّة البراءة من رواية السعة وغيرها أيضاً هو عدم العلم بالحكم الإلزامي مع احتماله، فإنّه المحتاج إلى جعل السعة لا الحكم الندبي غير المحتاج إلى جعل السعة فلا فرق في هذه الجهة بين الدليلين فكما أنّ رواية السعة غير متعرّضة لنفي احتمال التكليف كذلك دليل الاحتياط غیر متعرّض له فلا وجه لورود أحدهما على الآخر من هذه الجهة و يكون التنافي بينهما على نحو التعارض.
و بالجملة فما أفاده المحقّق الإصفهاني! لعدم صحّة الاستدلال بالرواية على البراءة حتّى بناء على كون مدلول أدلّة الاحتياط هو الوجوب الطريقي لكون وزانها مع أدلّة الاحتياط على هذا المبنى أيضاً وزان قاعدة قبح العقاب بلابیان مع أدلّته غير وافٍ لما ادّعاه.([143])
vii. النظریة الثالثة: لبعض الأساطينa (تمامیة دلالته على البراءة)
و التحقيق أنّ مدلول الرواية بحسب مقام الثبوت لا يخلو من أحد احتمالات ثلاثة:
الأوّل: كون مدلول «مَا لَا يَعْلَمُون» هو ما لايكون معلوماً عنده من الأحكام الواقعية فيكون في سعة منه.
الثاني: كون المكلّف في سعة بالنسبة إلى ما لم يعلم ما هو وظيفته فيه.
الثالث:كون المكلّف في السعة بالنسبة إلى ما لم يقم حجّة عليه.
و حيث إنّ الظاهر منه في مقام الإثبات هو الاحتمال الأوّل – و كون الأخيرين خلاف الظاهر منه على ما تقرّر في البحث – تكون الرواية تامّة الدلالة على البراءة و السعة في الحكم المجهول قبال دلالة أدلّة الاحتياط على التنجيز و الاحتياط فيتحقّق التعارض بينهما و لابدّ من علاجه.
فالمتحصّل: عدم تمامیة الروایة سنداً، كما أفاده المحقّق الخوئي! و تمامیة الاستدلال بحدیث السعة على البراءة وفاقاً لبعض الأساطينa و خلافاً للمحقّق النائیني! و المحقّق الإصفهاني!.
الدلیل السابع: حدیث «كلّ شيء مطلق»
محمّد بن علي بن الحسین قال: قَالَ الصَّادِقُ%: «كُلُّ شَيْءٍ مُطْلَقٌ حَتَّى يَرِدَ فِيهِ نَهْيٌ». ([144])
أما سند الروایة: فهي ضعیفة سنداً على مبنی بعضهم إلّا أن یقال بانجبارها بالشهرة العملیة أو یقال باعتبار مرسلات الصدوق! في ما إذا كانت بلسان «قال المعصوم%» فإنّ بعض الأعلام فصّلوا في مرسلاته بین قوله روي عن الإمام% فلا اعتبار لها و قوله قال الإمام% فإنّها معتبرة عندهم.([145])
أمّا دلالة الروایة: فهي تامّة بلا إشكال و اختصاصها بالشبهات التحریمیة لایضرّ بها لأنّ الخلاف بین الأُصولیین و الأخباریین في الشبهات التحریمیة و أمّا الشبهات الوجوبیة فلا خلاف بینهم فیها إلّا من شذّ و ندر (مثل المحدث الأسترابادي!)
و أوّل من استدلّ بها الشيخ الصدوق!، فإنّه استند إلیها في جعل الإباحة لجمیع الأشیاء حتّی یثبت المنع عنها و أیضاً استدلّ بهذه الروایة على جواز القنوت بالفارسیة.([146])
و قال الشيخ الأنصاري!:إنّ دلالته على المطلب [أصالة البراءة] أوضح من الكل [كلّ الأدلّة المذكورة] و ظاهره عدم وجوب الاحتیاط، لأنّ الظاهر إرادة ورود النهي في الشيء من حیث هو، لا من حیث كونه مجهول الحكم، فإن تمّ ما سیأتي من أدلّة الاحتیاط دلالة و سنداً وجب ملاحظة التعارض بینها و بین هذه الروایة و أمثالها ممّا یدلّ على عدم وجوب الاحتیاط، ثم الرجوع إلى ما یقتضیه قاعدة التعارض.([147])
h. مناقشتان في دلالة هذا الحدیث
i. المناقشة الأُولى: ما أفاده صاحب الكفایة! ([148])
إنّ مناقشته تبتني على أن یكون المراد من الورود في الروایة في قوله%: «حَتَّى يَرِدَ فِيهِ نَهْيٌ» هو صدور الحكم لا وصوله مع أنّ الكلام في وصول الحكم، فلو أُرید من الورود الصدور أو قلنا باحتمال ذلك لم یصحّ الاستدلال بالروایة، لأنّ مفاد الروایة حینئذ هو أنّ كلّ شيء لمیصدر فیه نهي من الشارع فهو مطلق فالموضوع لحكم الشارع بأنّه مطلق هو ما لمیصدر النهي فیه مع أنّ الكلام في بحث البراءة في الشبهات الحكمیة هو جریانه في ما لمیصل النهي إلینا و شككنا في صدوره.
ii. إیراد المحقّق الخوئي! على مناقشة صاحب الكفایة! ([149])
إنّه لو قلنا بأنّ معنی الورود هو الصدور یلزم أن تكون الإباحة المجعولة بقوله «كُلُّ شَيْءٍ مُطْلَقٌ» الإباحة الواقعیة مع أنّه لایمكن الالتزام به.
توضیح ذلك: إن كان المراد من ورود النهي في الروایة هو الصدور فلا مناص من أن یكون المراد من الإطلاق في قوله%: «كُلُّ شَيْءٍ مُطْلَقٌ» هو الإباحة الواقعیة، فیكون المعنی أنّ كلّ شيء مباح واقعاً ما لمیصدر النهي عنه من المولى، و لایصحّ أن یكون المراد من الإطلاق هي الإباحة الظاهریة إذ لایصحّ جعل صدور النهي من الشارع غایة للإباحة الظاهریة، فإنّ موضوع الحكم الظاهري هو الشكّ و عدم وصول الحكم الواقعي إلى المكلّف، فلاتكون الإباحة الظاهریة مرتفعة بمجرّد صدور النهي من الشارع و لو مع عدم الوصول إلى المكلّف بل هي مرتفعة بوصوله إلى المكلّف.
و حینئذ إمّا أن یراد الإباحة الواقعیة المطلقة (أي في جمیع الأزمنة) أو المقیّدة بعصر النبي$.
أمّا الأولى فیكون بیانه توضیحاً للواضحات و هذا لاینبغي صدوره عن الإمام% لأنّه لغو فإنّ المعنی على هذا هو أنّ كلّ شيء مباح واقعاً حتّی یصدر النهي من الشارع.
أمّا الثانية فیكون معناها: الناس في عصر النبي$ غیر مكلّفین بالسؤال عن الأحكام فهم في سعة ما لمیصدر النهي من الشارع، و هذا المعنی خلاف الظاهر بل الظاهر الإباحة مطلقاً غیر مقیدة بزمان دون زمان.
فتعیّن أن یكون المراد من المطلق الإباحة الظاهریة لا الواقعیة و علیه فلابدّ أن یكون المراد من الورود الوصول.
iii. المناقشة الثانیة: ما أفاده المحقّق النائیني!
إنّ المحقّق النائیني! یری أنّ الاستدلال بالروایة متوقّف على أمرین:
الأمر الأوّل: أن یكون المراد من لفظ «الشيء» هو الشيء بعنوانه الثانوي و هو الشيء المجهول.
الأمر الثاني: أن یكون المراد من الورود الوصول.
و الأمر الثاني محقّق لأنّ الورود ظاهر في الوصول، و لكن الأمر الأوّل لایتمّ لأنّ الظاهر من لفظ الشيء هو الشيء بعنوانه الأوّلي، و على هذا یكون معنی الروایة هو أنّ الأصل في الأشیاء في الشریعة الإباحة حتّی یثبت الحظر فمفاد الروایة أجنبي عن محلّ الكلام. ([150])
- إیرادات أربعة على المناقشة الثانیة
- الإیراد الأوّل و الثاني: ما أفاده المحقّق الخوئي! ([151])
أوّلاً: أنّ بیان الإطلاق و الإباحة و اللّاحرجیة العقلیة الأصلیة قبل ورود الشرع لغو لایصدر من الإمام%، إذ لاتترتّب علیه ثمرة و فائدة، بل المفید هو الكلام عن حكم الشيء بعنوان كونه مجهولاً حكمه.
ثانیاً: أنّ ظاهر الكلام الصادر من الشارع هو بیان الحكم الشرعي المولوي، لا الحكم العقلي الإرشادي.
إنّ المحقّق النائیني! رأى بأنّ الروایة بصدد بیان الأصل في الأشیاء في الشریعة و بعبارة أُخری الروایة تبیّن الإباحة الشرعیة المجعولة للشيء بعنوانه الأوّلي في قبال الإباحة الظاهریة المجعولة للشيء بعنوان كونه مجهول الحكم.
فما أفاده المحقّق الخوئي! من أنّ الإباحة المذكورة في الحدیث عند المحقّق النائیني! هي الإباحة العقلیة قبل ورود الشرع خلاف صریح كلام المحقّق النائیني!.
و هما الحقّ في الإیراد على المحقّق النائیني!
أوّلاً: أنّ الإباحة المجعولة في الشریعة للشيء بعنوانه الأوّلي هي الإباحة الواقعیة فالمحقّق النائیني! یری أنّ الروایة مسوقة لبیان الحكم بالإباحة الواقعیة، فالحق في مقام الإیراد علیه هو ما تقدّم في الإیراد على صاحب الكفایة! من أنّ بیان حكم الإباحة الواقعیة من الواضحات فلاینبغي صدوره عن الإمام%.
ثانیاً: أنّ ما أفاده المحقّق النائیني! في تفسیر المطلق بالإباحة الواقعیة لایناسب تفسیر الورود بالوصول، لأنّ الغایة و هي وصول النهي إلى المكلّف یناسب جعل الإباحة الظاهریة، كما أنّ تعبیره بالأصل في الأشیاء هو أیضاً یناسب جعل الإباحة الظاهریة، فما ذهب إلیه تهافت و تناقض بالقول.
i. نظرية المحقّق الإصفهاني! في وجه دلالة الرواية على البراءة (المختار)
إنّ المحقّق الإصفهاني! یری دلالة الحدیث على البراءة الشرعیة، و لقد أجاد في الاستدلال علیه، و لأهمیة البحث هنا نشیر أوّلاً إلى ملخّص كلامه و ثانیاً إلى تفصیل بیانه:
أمّا ملخّص ما أفاده: هو أنّ كلمة الورود في الرواية إمّا بمعنی الوصول أو بمعنی الصدور. و مختار المحقّق الإصفهاني! هو أنّ الورود بحسب البرهان العقلي و بحسب معناه العرفي بمعنی الوصول، لأنّ المراد من الورود هو الورود على المكلف المساوق لوصوله إليه و المراد بالإطلاق في «كلّ شيء مطلق» هو الترخيص الشرعي الظاهري، و عدم تقيّد المكلف ظاهراً بالترك، أو الفعل، فحدیث «كلّ شيء مطلق» دليل على البراءة.
أمّا البرهان العقلي لذلك: فإنّ للإطلاق في الرواية احتمالات ثلاثة: اللاحرجية العقلية أو الإباحة الواقعية الشرعية أو الإباحة الظاهرية عند الشكّ في الحكم الواقعي.
إن قلنا بأنّ الورود بمعنی الصدور، فلا تصحّ الروایة، لأنّه لایمكن تفسیر كلّ شيء مطلق بأحد من هذه الاحتمالات الثلاثة، لأنّه لایمكن إرادة الإباحة الشرعية واقعية كانت أو ظاهرية، كما سیأتي بیانه و حمل الإباحة على اللاحرج العقلي (الإباحة المالكية قبل الشرع التي يحكم بها عقل كلّ عاقل) بعيد غير مناسب للإمام% المعدّ لتبليغ الأحكام.
فلابدّ من أن نقول بأنّ الورود هنا بمعنی الوصول و المراد بالإطلاق الإباحة الشرعية الظاهرية.
أمّا تفصیل بیانه: قال!: تحقيق المقام: أنّ المراد بقوله% «حَتَّى يَرِدَ فِيهِ نَهْيٌ»، تارة: هو الورود في نفسه المساوق للصدور واقعاً.
و أخرى: هو الورود على المكلف المساوق للوصول إليه.
و النافع في المقام هي إباحة ما لم تصل حرمته إلى المكلّف، لا إباحة ما لم يصدر فيه نهي واقعاً، فإنّه دليل إباحة الأشياء قبل الشرع، لا الإباحة فيما لم يصل، و إن صدر فيه نهي واقعاً.
توضيحه أنّ الإباحة على قسمين:
إحداهما: بمعنى اللاحرج من قبل المولى في قبال الحظر العقلي، لكونه عبداً مملوكاً ينبغي أن يكون وروده و صدوره عن رأي مالكه.
ثانيتهما: الإباحة الشرعية في قبال الحرمة الشرعية الناشئة عن المفسدة الباعثة للمولى على زجره عمّا فيه المفسدة.
و هي تارة: إباحة واقعية ثابتة لذات الموضوع، ناشئة عن لا اقتضائية الموضوع لخلوّه عن المصلحة و المفسدة.
و أخرى: إباحة ظاهرية ثابتة للموضوع بما هو محتمل الحرمة و الحلّية ناشئة عمّا يقتضي التسهيل على المكلّف بجعله مرخّصاً فيه.
و الإباحة القابلة لأن يغيّا بعدم صدور النهي واقعاً هي الإباحة بمعنى اللاحرج، لا الإباحة الشرعية سواء كانت واقعية أو ظاهرية.
أمّا الإباحة الواقعية: فالمفروض أنّها ناشئة عن لا اقتضائية الموضوع فلايعقل ورود حرمة في موضوعها للزوم الخلف من فرض اقتضائية الموضوع المفروض أنّه لا اقتضاء.
لايقال: لا اقتضائيته من حيث ذاته لاتنافي عروض عنوان عليه يقتضي الحرمة.
لأنّا نقول: نعم إلّا أنّ الذي يرد فيه نهي ذلك العنوان الذي له اقتضاء الحرمة، لا أنّ النهي يرد في مورد الإباحة.
و فرق بين ورود نهي في مورد الإباحة كما هو ظاهر الخبر، و بين انطباق عنوان ورد فيه النهي على مورد الإباحة، فالماء مثلاً مباح و الغصب حرام، و انطباق عنوان الغصب على الماء لايقتضي صدق ورود النهي في الماء المغصوب، بل من انطباق العنوان الوارد فيه النهي على مورد الإباحة.
هذا إذا أريد ما هو ظاهر الخبر من كون الإباحة مغياة بورود النهي في موردها.
و أمّا إذا أريد بورود النهي تحديد الموضوع و تقييده،- بأن يكون المراد أنّ ما لم يرد فيه نهي مباح، و أنّ ما ورد فيه نهي ليس بمباح،- فهو: إن كان بنحو المعرفية فلا محالة يكون حمل الخبر عليه حملاً على ما هو كالبديهي الذي لايناسب شأن الإمام%.
و إن كان بمعنى تقييد موضوع أحد الضدّين بعدم الضدّ حدوثاً أو بقاء، فهو غير معقول: لأنّ عدم الضدّ ليس شرطاً لوجود ضدّه، لا حدوثاً و لا بقاء، و لا معنى لتقييد موضوع الإباحة بعدم ورود النهي حقيقة إلّا شرطيته.
و أمّا الإباحة الظاهرية: فجعلها مغياة أو محدّدة و مقيّدة بعدم صدور النهي في موضوعها واقعاً غير صحيح من وجوه([152]) … و حيث علم من جميع ما ذكرنا عدم إمكان إرادة الإباحة الشرعية واقعية كانت أو ظاهرية، بناء على إرادة الصدور من الورود، فلا مناص من حمل الإباحة على إباحة الأشياء قبل الشرع بمعنى اللاحرج العقلي، فإنّها محدودة و مغيّاة بعدم صدور الحرمة الشرعية، فيكون الخبر دليلاً على هذه الإباحة، لا الإباحة الشرعية الظاهرية المبحوث عنها هنا.
إلا أنّ حمل الإباحة على الإباحة المالكية قبل الشرع التي يحكم بها عقل كلّ عاقل بعيد غير مناسب للإمام% المعدّ لتبليغ الأحكام، خصوصاً بملاحظة أنّ الخبر مروي عن الصادق% بعد ثبوت الشرع، و إكمال الشريعة، خصوصاً في المسائل العامّة البلوى التي يقطع بصدور حكمها عن الشارع، فلا فائدة في الإباحة مع قطع النظر عن الشرع.
و عليه، فالمراد من الورود هو الورود على المكلّف المساوق لوصوله إليه.
و المراد بالإطلاق هو الترخيص الشرعي الظاهري، و عدم تقيّد المكلّف ظاهراً بطرف الترك، أو بطرف الفعل، فيكون دليلاً على المسألة.
و التعبير عن الوصول بالورود تعبير شائع لاينسبق إلى أذهان أهل العرف غيره.
بل الظاهر كما يساعده تتبّع موارد الاستعمالات أنّ الورود ليس بمعنى الصدور أو ما يساوقه، بل هو معنى متعدّ بنفسه، فهناك بلحاظه وارد و مورود، فيقال: ورد الماء و ورد البلد و وردني كتاب من فلان، و إن كان بلحاظ إشراف الوارد على المورود ربما يتعدّى بحرف الاستعلاء.
نعم ربما يكون الوارد أمراً له محلّ في نفسه كالحكم، فيقال: ورد فيه نهي مثلاً، فالموضوع محلّ الوارد، لا مضايف الوارد، بل مضايفه من ورده هذا التكليف الخاصّ، و لذا لايصحّ أن يقال: بالإضافة إلى الموضوع: ورده نهي، بل ورد فيه.
بخلاف المكلّف، فإنّه الذي ورده التكليف أو ورد عليه بلحاظ إشرافه عليه.
و بالجملة: نفس معنى الورود متعدّ بنفسه إلى المورود، و لمكان التضايف لايعقل الوارد إلّا بلحاظ المورود، و ليس المورود هنا إلّا المكلّف دون محلّ الوارد، و لذا لو لم يكن الوارد محتاجاً إلى المحلّ لايتعدّى إلّا بنفسه، أو بحرف الاستعلاء بلحاظ الإشراف.
فتحقّق أنّ الورود ليس بمعنى الصدور و ما يساوقه مفهوماً حتّى لايحتاج في ذاته إلى مكلّف يتعلّق به، بل بمعنى يساوق الوصول إليه، لتضايف الوارد و المورود، فتدبّر جيّداً. ([153])
i. إيراد بعض الأساطين على ما أفاده المحقّق الإصفهاني! ([154])
ما أفاده! غیر سالم عن الإيراد من وجوه:
الأوّل: أنّ ما أفاده من البرهان من عدم إمكان كون الورود بمعنى الصدور على احتمال كون المراد من الإطلاق في الحديث هو الإباحة الظاهرية و إن كان تامّاً بعدم تعقّل كون الغاية للإباحة الظاهرية هو صدور النهي، إذ غايتها هو العلم بالحكم الواقعي و لايكون صدور النهي موجباً للعلم به.
لكن ما ادّعاه من عدم إمكانه أيضاً على كون المراد من الإطلاق هو الإباحة الواقعية فغير صحيح، و ذلك لابتناء عدم إمكانه على أمرين من كون منشأ الإباحة الواقعية هو خصوصية لا اقتضائية متعلّقها بالنسبة إلى الفعل و الترك لخلوّ المتعلّق عن المصلحة و المفسدة و كون منشأ النهي هو كون متعلّقه ذا مفسدة.
و كلا الأمرين مورد للإشكال و ذلك لعدم انحصار كون منشأ الإباحة هو لا اقتضائية المتعلق و إمكان كون منشأها هو تزاحم المفسدة القائمة بالمتعلّق مع مصلحة مانعة عن تأثيرها و حينئذ تكون المفسدة بعد ارتفاع المصلحة منشأً لعروض النهي على ما كان مباحاً واقعاً من دون استلزام الانقلاب المحال كما كان ذلك ثابتاً بالنسبة إلى المحرّمات في أوّل البعثة، مثلاً كان الخمر ذا مفسدة مطلقاً و لكن مصلحة التسهيل بالنسبة إلى من كان حديث العهد بالإسلام اقتضت تحريمه تدریجاً كما أنّ منشأ النهي أيضاً غير منحصر في كون المتعلّق ذا مفسدة بل يمكن كون المنشأ له هو قيام المصلحة بنفس النهي من كونه لمحض التعبّد كما هو كذلك في كثير من الواجبات و المحرّمات الشرعية.
و عليه فلا مانع من كون الورود بمعنى الصدور و المراد من الإطلاق هو الإباحة الواقعية من دون أن يستلزم منه ما أفاده من المحذور.
الثاني: أنّ ما أفاده من عدم احتمال كون المراد من الإطلاق هو اللاحرجية العقلية مردود لعدم تمامية ما ذكره من الوجوه المانعة: أمّا ما ذكره من عدم المعنى لبيان الإمام الصادق% أمراً مربوطاً إلى زمان قبل البعثة و صدر الإسلام، فإنّه إنّما يتمّ فيما إذا كان المراد من بحث كون الأشياء قبل الشرع على الحظر أو الإباحة هو القبلية الزمانية، و أمّا بناء على كون المراد من القبلية هو قبل صدور الحكم من الشارع و بلوغه إلى المكلّف فهو لايختصّ بزمان دون زمان و الحقّ هو الثاني، إذ همّ العقل إنّما هو درك ما هو وظيفة العبد بمقتضى عبوديته بالنسبة إلى ما لم يكن من الشارع فيه أمر و نهي من دون أن يكون البحث بالنسبة إلى زمان خاصّ.
و كذا ما ذكره من كون المسألة من الواضحات العقلية غير محتاجة إلى البيان ممنوع بعد ملاحظة كون المسألة ذات أقوال أربعة؛ من القول بالحظر و القول بالإباحة و القول بالتوقّف و القول بسكوت العقل فيه، ضرورة أنّها لو كانت من الواضحات لما كان فيها مجال للاختلاف بين أهل التحقيق و أصحاب العقول.
و أمّا ما ذكره ثالثاً من كون شأن الإمام% بيان الأحكام الشرعية دون الإرشاد إلى الإدراكات العقلية.
ففيه: أوّلاً: أنّ دعوى عدم كون شأن الإمام% هو الإرشاد إلى الأحكام العقلية لايمكن المساعدة عليه بنحو السالبة الكلّية ضرورة أنّ الإمام هوالخليفة من الله بين الناس فيكون شأنه بیان ما هو من شأن الله تبارك و تعالى بيانه للناس، و من المعلوم اشتمال الآيات القرآن المجيد على كثير من الإرشادات العقلية مثل (أَطيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ)([155])و لا ريب في كون ما هو من شأنه تبارك و تعالى بیانه، يكون من شأن الإمام% أيضاً بیانه. نعم الأصل في كلامهم هو كونهم في مقام بيان الأحكام الشرعية لا الإرشاد فيحمل ما صدر عنهم على المولوية و تشريع الأحكام أو تبليغها، لكنّه حيث كان أصلاً مقامياً یكون اعتبارها منوطاً بعدم ظهور لفظي في الكلام على خلافه فلا مجال لجريانه مع ما ادّعاه صاحب الكفاية! في ظهور كلمة الورود في الصدور.
و ثانياً: كون المرشد إليه حكم العقل تعبیر مسامحي إذ الحكم شأن المولى و لا مولوية للعقل، بل شأن العقل هو الإدراك و هو حجة باطنية على الإنسان كما أنّ الرسول حجّة ظاهرية، و كما أنّ ما بيّنه هو حكم الله كذلك ما يدركه العقل هو حكم الله قام عليه الحجّة من الله على عبده، و عليه ففي موارد الاختلاف فيما يدركه العقل كما في المسألة المبحوث عنها من كونها ذات أقوال أربعة لايكون ما يبيّنه الإمام% و يعبّر عنه بالإرشاد إلى حكم العقل خارجاً عن بیان حكم الله حتّى يقال بعدم كون بيانه من شأن الإمام، بل يكون حكماً إلهياً يدركه العقل السليم و بيّنه الإمام لرفع الأوهام عن العقول المبتلية بها، فظهر عدم المانع عن احتمال كون المراد من الإطلاق هو اللاحرجية العقلية و عدم تمامية الوجوه التي ذكرت للمانعية.
الثالث: أنّ ما أفاده في تقريب كون المراد من الورود هو الوصول بحسب المتفاهم العرفي في مقام الإثبات من ثبوت التضايف في مفهوم الورود من حيث استلزامه الوارد و المورود عليه و فيهما يكون الوارد هو التكليف من الأمر و النهي و المورود عليه هو المكلّف لكونه هو الذي يتوجّه إليه التكليف لا غيره و من المعلوم عدم صدق الورود على المكلّف إلّا بوصول التكليف إليه لا بمجرّد الصدور.
يرد عليه: أنّ مفهوم الورود و إن كان من المفاهيم الإضافية المتقوّمة بالوارد و المورود لكنّه يختلف مفهومه بحسب تعديته بنفسه أو بـ «علی»، ففي مثل: «وردني كتاب فلان» أو «ورد عليّ كتابه» يكون مفهومه الوصول كما أفاده، و أمّا في صورة تعديته بكلمة «في» مثل: «ورد النهي في الخمر» أو «في لحم الأرنب» مثلاً يصدق الورود بمجرّد صدور النهي من دون دلالته على كون المورود عليه هو المكلّف إلّا ببيان زائد، و الموجود في الرواية هو مجرّد ورود النهي في الشيء من دون دلالة فيها على كون المورود هو المكلّف ففي مثله یصدق الورود بمجرّد صدور النهي و إن لم يصل إلى المكلّف.
فظهر عدم تمامية ما أفاده لكون الورود بمعنى الوصول تثبيتاً لما اختاره الشيخ!.
لانسلّم أن یكون المراد من «المطلق» الإباحة الواقعیة، فإنّ الظاهر من الحدیث أنّه لیس في مقام تغییر مناطات الأحكام و حدوث المصلحة أو المفسدة الملزمتین في متعلّقاتها أو ارتفاعهما، فلابدّ من أن یكون في مقام بیان حكم الأشیاء ظاهراً.
مضافاً إلى أنّ ما أفاده من إنكار لا إقتضائیة المتعلّق في بعض موارد الإباحة و إمكان كون منشأ الإباحة هو تزاحم المفسدة القائمة بالمتعلّق مع مصلحة مانعة عن تأثيرها، فحینئذٍ یكون المتعلّق في الإباحة الواقعیة إقتضائیاً للمصلحة و المفسدة، لایمكن المساعدة علیه، لأنّه في ما إذا فرضنا وجود المصلحة و المفسدة الملزمتین في المتعلّق فهما متعارضتان فلیس المتعلّق إقتضائیاً بل هو لا إقتضائي، كما أفاده المحقّق الإصفهاني!.
و حينئذ تكون المفسدة بعد ارتفاع المصلحة منشأً لعروض النهي على ما كان مباحاً واقعاً من دون استلزام الانقلاب المحال كما كان ذلك ثابتاً بالنسبة إلى المحرّمات في أوّل البعثة، مثلاً كان الخمر ذا مفسدة مطلقاً و لكن مصلحة التسهيل بالنسبة إلى من كان حديث العهد بالإسلام اقتضت تحريمه تدریجاً كما أنّ منشأ النهي أيضاً غير منحصر في كون المتعلّق ذا مفسدة بل يمكن كون المنشأ له هو قيام المصلحة بنفس النهي من كونه لمحض التعبّد كما هو كذلك في كثير من الواجبات و المحرّمات الشرعية.
إنّ المحقّق الإصفهاني! لم یدّع أنّ شأن الإمام% لیس بیان الإدراكات العقلیة، بل ما أفاده المحقّق الإصفهاني! بقوله: «أنّ حمل الإباحة على الإباحة المالكية قبل الشرع التي يحكم بها عقل كلّ عاقل بعيد غير مناسب للإمام% المعدّ لتبليغ الأحكام» هو أنّ بیان ما یحكم به عقل كلّ عاقل غیر مناسب للإمام% بل إنّه% في مقام بیان الأحكام و هذا الكلام صحیح لا غبار علیه، كما اعترف به بعض الأساطينa بعد الإیراد علیه قائلاً: «نعم الأصل في كلامهم هو كونهم في مقام بيان الأحكام الشرعية لا الإرشاد فيحمل ما صدر عنهم على المولوية و تشريع الأحكام أو تبليغها»
إنّ التضایف بین الوارد و المورود علیه، ممّا لا سبیل لإنكاره و لو في ما إذا تعدّی الورود بحرف «في»، فإنّ الوارد في ما إذا تعدّی بحرف في أیضاً یحتاج إلى المورود علیه و هو المكلّف، فمعنی «یرد فیه نهي» هو الورود على المكلّف و ذلك مستلزم لمعنی الوصول إلیه.
فعلى هذا نحن نعتقد بتمامیة دلالة الحدیث على البراءة الشرعیة، و بتمامیة استدلال المحقّق الإصفهاني!.
فتحصّل من ذلك تمامیة الاستدلال بحدیث «كُلُّ شَيْءٍ مُطْلَقٌ حَتَّى يَرِدَ فِيهِ نَهْيٌ».([156])
الدلیل الثامن: الإجماع
و له تقریبان:
إنّ الأُصولیین و الأخباریین اتّفقوا على قبح العقاب بلا بیان و هي البراءة العقلیة و ذلك من جهة تسلیم الأخباریین للبراءة العقلیة على تقدیر عدم تمامیة أدلّة وجوب الاحتیاط.
i. إیرادان على هذا التقریب
إنّ الإجماع لابدّ و أن یكون مورده هو الحكم الشرعي الظاهري أو الواقعي، و لا معنی لدعوی الإجماع في المسألة العقلیة.([157])
و ذلك لأنّ حجّیة الإجماع على فرض ثبوته لیس إلّا من جهة كاشفیته عن رأي الإمام%.
- الإیراد الثاني: من المحقّق الخوئي! ([158])
لو سلّمنا تمامیة الإجماع المذكور من حیث الكبری لمتترتّب علیه ثمرة لعدم ثبوت الصغری، فإنّ الأخباریین یدّعون عدم تحقّق الصغری حیث إنّهم یرون وجود البیان على الأحكام الشرعیة و وصوله إلینا لوجود الروایات الدالّة على الاحتیاط و التوقّف فالأحكام واصلة إلى المكلّفین عند الأخباریین إمّا مطلقاً كما هو مختار المحدّث الأسترآبادي! و إمّا في خصوص الشبهات التحریمیة كما ادّعاه مشهور الأخباریین.
إنّ الأُصولیین و الأخباریین اتّفقوا على البراءة الشرعیة بمعنی أنّ الحكم الشرعي المجعول في موارد الجهل بالحكم الواقعي و عدم وصوله هو الترخیص و الإباحة.
ii. إیراد المحقّق النائیني! على التقریب الثاني ([159])
إنّ الإجماع المذكور غیر محقّق، لذهاب الأخباریین و فیهم أساطین الفقهاء إلى وجوب الاحتیاط فكیف یمكن دعوی الإجماع على البراءة.
توضیح ذلك: إنّ التزامهم بوجوب الاحتیاط قد یرجع إلى عدم تمامیة أدلّة البراءة الشرعیة عندهم أو تقدم أخبار الاحتیاط على أخبار البراءة الشرعیة، فالإجماع ممنوع كبرویاً، و قد یرجع إلى عدم تحقّق الصغری لأخبار البراءة مع تمامیتها في نفسها فكبری جریان البراءة عندهم تامّة و الإشكال هو في عدم وجود الصغری له و ذلك لأنّ أخبار الاحتیاط موجبة لوصول الأحكام إلى المكلّفین وصولاً طریقیاً و حیث إنّه لمیثبت التزام جمیع الأخباریین بالوجه الأخیر لاتتحقّق كبری الإجماع.
b.
الدلیل التاسع: الاستصحاب
إنّ الاستصحاب یقتضي تمامیة جریان البراءة الشرعیة في موارد الشكّ في التكلیف و لو فرضنا تمامیة أدلّة الاحتیاط و تعارضها و أدلّة البراءة فالاستصحاب یوجب حلّ التعارض حیث إنّه أصل محرز و بجریانه یثبت عدم التكلیف فیقدّم على أخبار وجوب الاحتیاط.
هنا استصحابان:
و الاستصحاب إمّا یجري بالنسبة إلى عدم جعل الحكم و إمّا یجري بالنسبة إلى عدم فعلیة الحكم.
و ذلك لأنّ الأحكام الشرعیة عند جعلها إنشائیة و بعد ذلك تصیر فعلیة.
و الاستصحاب یجري بالنسبة إلى كلتا المرتبتین.
الأوّل: استصحاب عدم جعل الحكم
و هو یجري في موارد الشكّ في التكلیف، لأنّ الحكم المشكوك لمیكن مجعولاً سابقاً و نشكّ الآن في جعله فنستصحب عدم جعله.
i. إیرادات خمسة على استصحاب عدم الجعل
إنّ عدم جعل الحكم عدم محمولي، لأنّ المتیقّن هو عدم الجعل قبل زمان الشارع و المشكوك هو عدم الجعل في زمان الشارع و هذا عدم نعتي لأنّ الجعل المنفي فیه منتسب إلى الشارع.
و على هذا استصحاب العدم المحمولي بالنسبة إلى العدم النعتي أصل مثبت.
- جواب المحقّق الخوئي! ([160])
إنّ المستصحب هو العدم النعتي فإنّ المتیقّن لیس هو العدم المحمولي أي عدم جعل الحكم قبل زمان الشرع بل المتیقّن المستصحب هو جعل الحكم بعد زمان الشرع.
إنّ الحكم الإنشائي لا أثر له بل المؤثّر هو الحكم الفعلي، و استصحاب عدم الجعل لإثبات عدم الحكم الفعلي أصل مثبت.
- جواب المحقّق الخوئي! عنه نقضاً و حلاً ([161])
- الجواب النقضي
إنّ جریان استصحاب بقاء الجعل في ما إذا شكّ في نسخه ممّا لا إشكال علیه و لا خلاف فیه مع أنّ الغرض من استصحاب بقاء جعل الحكم هو إثبات الحكم الفعلي، و حینئذٍ نقول: كما أنّ استصحاب بقاء الجعل بالنسبة إلى بقاء الحكم الفعلي لیس بمثبت لیس استصحاب عدم الجعل بالنسبة إلى عدم الحكم الفعلي أیضاً مثبتاً.
إنّ الإنشاء هو إبراز الاعتبار، و الاعتبار كما یتعلّق بأمر فعلي یتعلّق بأمر متأخّر مقیّد بقیود، فإنشاء الحكم و جعله هو اعتبار شيء على ذمّة المكلّف في ظرف خاصّ و هذا الاعتبار متّحد مع المعتبر كالوجود و الإیجاد فإنّهما متّحدان حقیقة و الفرق بینهما اعتباري فالحكم الفعلي هو الحكم الإنشائي مع فرض تحقّق قیوده المأخوذة فیه فاستصحاب الحكم الإنشائي أو عدمه هو استصحاب الحكم الفعلي أو عدمه.
إنّ استصحاب المرتبة المتقدّمة من مراتب الحكم لایثبت المرتبة الأُخری المتأخّرة إلّا في ما إذا أحرزنا سائر القیود كما أنّ استصحاب عدم المرتبة المتأخّرة لایثبت عدم المرتبة المتقدّمة.
فما أفاده بقول مطلق من أنّ استصحاب الحكم الإنشائي أو عدمه هو استصحاب الحكم الفعلي أو عدمه ممنوع بإطلاقه.
نعم إنّ استصحاب المرتبة المتقدّمة (مثل استصحاب بقاء الجعل) یثبت المرتبة المتأخّرة في ما إذا أحرزنا سائر القیود، كما في مثال استصحاب بقاء الجعل عند الشكّ في النسخ حیث أحرزنا سائر القیود، لأنّ بقاء الموضوع فیه محرز و سائر شرائط الحكم أیضاً مفروضة الوجود.
و أمّا استصحاب عدم المرتبة المتقدّمة فهو دائماً یدلّ على عدم المرتبة المتأخّرة كما في ما نحن فیه، فإنّ استصحاب عدم الجعل یثبت عدم الحكم الفعلي مسلّماً.
فما أفاده من اتّحاد الحكم الإنشائي و الفعلي حقیقة و إن كان تامّاً صحیحاً إلّا أنّ إطلاق قوله في ما بعد حیث قال: «استصحاب الحكم الإنشائي أو عدمه هو استصحاب الحكم الفعلي أو عدمه» ممنوع.
إنّ استصحاب عدم الجعل لایجري في الشبهات الموضوعیة لعدم جعل الحكم بشخصه فیها.
- جواب المحقّق الخوئي! ([162])
إنّ الأحكام المجعولة بنحو القضایا الحقیقیة تنحلّ إلى أحكام متعدّدة بحسب تعدّد أفراد موضوعاتها.
إنّ هذا الاستصحاب لایجري في الشبهات الموضوعیة لعدم الشكّ في الحكم فیها مثلاً إذا اشتبه الخمر بالخلّ خارجاً فلا شبهة في حرمة الخمر و نجاسته كما أنّه لا شبهة في حلّیة الخلّ و طهارته فلا شكّ في الحكم المجعول بل الشكّ هو في الموضوع الخارجي.
- جواب المحقّق الخوئي! ([163])
إنّ المشكوك هو الحكم الشخصي للموضوع الخارجي، فإنّ الشكّ في خمریة مائع مستلزم للشكّ في جعل الحرمة له.
إنّ استصحاب عدم جعل الحكم الإلزامي معارض باستصحاب عدم جعل الترخیص فیسقطان بالمعارضة.
- جواب المحقّق الخوئي! ([164])
لا مانع من جریان كلا الاستصحابین بعد ما لمیلزم منه مخالفة عملیة للتكلیف الإلزامي، فإذا ثبت عدم جعل الإلزام و عدم الترخیص بمقتضى الاستصحابین كفی ذلك في نفي العقاب … نعم الآثار الخاصّة المترتبة على عنوان الإباحة لاتترتّب على استصحاب عدم جعل الإلزام.
الثاني: استصحاب عدم الحكم الفعلي
و له تقریبان:
المتیقّن هو عدم الحكم الفعلي في حال الصغر و المشكوك هو عدم الحكم الفعلي بعد البلوغ و الوجه في تقیید المتیقّن بحال صغر السنّ و قبل البلوغ هو أنّ الاستصحاب إن كان بملاحظة أوائل التشریع و عدم ثبوت الحكم الفعلي فیها فهو استصحاب عدم الجعل لأنّ عدم ثبوت الحكم الفعلي فیها لعدم جعل التكلیف. نعم إن قلنا بجریان كلا الاستصحابین (استصحاب عدم الجعل و استصحاب عدم الحكم الفعلي في أوائل التشریع) بلحاظ عدم الجعل و الفعلیة في أوائل التشریع لمصلحة التدریج فلایرد علیه بعض المناقشات الآتیة.
و النتیجة هي أنّ لاستصحاب عدم الحكم الفعلي تقریبین:
التقریب الأوّل بلحاظ أنّ المتیقّن عدم الحكم الفعلي قبل البلوغ.
التقریب الثاني بلحاظ أنّ المتیقّن عدم الحكم الفعلي في أوائل التشریع.
ii. مناقشات في التقریب الأوّل
- المناقشة الأُولى: ما أفاده الشيخ الأنصاري! ([165])
إن قلنا بحجّیة مثبتات الأُصول العملیة أو قلنا بأماریة الاستصحاب فیجري استصحاب عدم الحكم الفعلي من دون لزوم اللّغویة، لأنّ مفاد الاستصحاب عدم الحكم الإلزامي و لازمه الترخیص في الفعل و مع ثبوت الترخیص لا عقاب على الفعل.
و أمّا إن قلنا بعدم حجّیة مثبتات الأُصول و عدم أماریة الاستصحاب فلایجري هذا الاستصحاب للزوم اللّغویة، لأنّ مفاد الاستصحاب عدم الحكم الإلزامي و أمّا مثبتاته (أي وجود الترخیص) فلیست بحجّة و مع عدم ثبوت الترخیص لانقطع بعدم العقاب بل نحتمل وجوده و لابدّ حینئذٍ من جریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان و مع جریان البراءة العقلیة كان الاستصحاب لغواً.
- جواب المحقّق الخوئي! ([166])
أوّلاً: إنّ عدم الحكم الإلزامي (الذي هو مفاد الاستصحاب) كافٍ لنفي احتمال العقاب إذ العقاب من لوازم المنع عن الفعل و مع إحراز عدم المنع بالاستصحاب نقطع بعدم العقاب بلا حاجة إلى إحراز الرخصة التي هي من لوازم عدم المنع لیكون مثبتاً.
ثانیاً: إنّ الاستصحاب یجري في نفس الترخیص الشرعي الثابت قبل بلوغ المكلّف و مع استصحاب الترخیص لانحتمل وجود العقاب.
أدلّة البراءة العقلية
الاستدلال على البراءة العقلیة بحكم العقل بأدلّة متعدّدة
تنقيح مورد البحث
إنّ قاعدة «قبح العقاب بلا بیان» مؤمّنة في مورد عدم العلم بالتكليف أو الغرض بعد الفحص عن الحجج النقلية و العقلية على الحكم أو الغرض حتّی اليأس عن الظفر بها، فتارة يستدلّ علىه بحكم العقل و أخرى بالسيرة العقلائية. و أمّا قبل الفحص عنها بهذه الكیفیة فلا تجري القاعدة.
الدلیل الأول: استدلال المشهور
تقریر المحقّق النائيني! لهذا الاستدلال: و أمّا العقل، فحكمه بالبراءة ممّا لا يكاد يخفى، لاستقلاله بقبح العقاب بلا بيان واصل إلى المكلف بعد إعمال العبد ما تقتضيه وظيفته من الفحص عن حكم الشبهة و اليأس عن الظفر به في مظانّ وجوده، و لايكفى في صحة المؤاخذة و استحقاق العقوبة مجرد البيان الواقعي مع عدم وصوله إلى المكلف، فإنّ وجود البيان الواقعي كعدمه غير قابل لأن يكون باعثاً و محركاً لإرادة العبد ما لم يصل إليه و يكون له وجود علمي.
فتوهّم: أنّ البيان في موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان هو البيان الواقعي- سواء وصل إلى العبد أو لم يصل- فاسد، فإنّ العقل و إن استقلّ بقبح العقاب مع عدم البيان الواقعي، إلّا أنّ استقلاله بذلك لمكان أنّ مبادئ الإرادة الآمرية بعد لم تتمّ، فلا إرادة في الواقع، و مع عدم الإرادة لا مقتضى لاستحقاق العقاب، لأنّه لم يحصل تفويت لمراد المولى واقعاً، بخلاف البيان الغير الواصل فإنّه و إن لم يحصل مراد المولى و فات مطلوبه واقعاً، إلّا أنّ فواته لم يستند إلى المكلف بعد إعمال وظيفته، بل فواته إمّا أن يكون من قبل المولى إذا لم يستوفى مراده ببيان يمكن وصول العبد إليه عادة، و إمّا أن يكون لبعض الأسباب التي توجب اختفاء مراد المولى عن المكلف، و على كل تقدير: لايستند الفوات إلى العبد، فلأجل ذلك يستقلّ العقل بقبح مؤاخذته، فمناط حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان واقعي غير مناط حكمه بقبح العقاب من غير بيان واصل إلى المكلف.([1])
و تقریر المحقّق الخوئي!: فلا ينبغي الشكّ في تمامية قبح العقاب بلا بيان، على القول بالتحسين و التقبيح العقليين، كما عليه العدلية و المعتزلة، فإنّه من الواضح أنّ الانبعاث نحو عمل أو الانزجار عنه إنّما هو من آثار التكليف الواصل، و ما يكون محركاً للعبد نحو عمل أو زاجراً له عنه إنّما هو العلم بالتكليف لا وجوده الواقعي، فإذا لم يكن التكليف واصلاً إلى العبد كان العقاب على مخالفته قبيحاً عقلاً، إذ فوت غرض المولى ليس مستنداً إلى تقصير من العبد، بل إلى عدم تمامية البيان من قبل المولى، فنفس قاعدة قبح العقاب بلا بيان تامة بلا شبهة و إشكال، و مسلمة عند الأصولي و الأخباري.([2])
الدلیل الثاني: عن المحقّق الإصفهاني!
إنّ مدار الاطاعة و العصيان على الحكم الحقيقي، و أنّ الحكم الحقيقي متقوّم بنحو من أنحاء الوصول، لعدم معقولية تأثير الإنشاء الواقعي في انقداح الداعي.
و حينئذ فلا تكليف حقيقي مع عدم الوصول، فلا مخالفة للتكليف الحقيقي فلا عقاب، فإنه على مخالفة التكليف الحقيقي. ([3])
إعراض المحقّق الإصفهاني! عن هذا الدلیل
إن عدم العقاب لعدم التكليف أمر، و عدم العقاب لعدم وصوله أمر آخر، و ما هو مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو الثاني دون الأول.
مضافاً إلى أن قاعدة قبح العقاب بلا بيان مما اتفق عليه الكل، و تقوّم التكليف بالوصول مختلف فيه.
بل صريح شيخنا الأستاد! في تعليقته([4]) الأنيقة انفكاك مرتبة الفعلية البعثية و الزجرية عن مرتبة التنجز.
الدلیل الثالث: عن المحقّق الإصفهاني!
إن هذا الحكم العقلي حكم عقلي عملي بملاك التحسين و التقبيح العقليين، و هو مأخوذ من الاحكام العقلائية التي حقيقتها ما تطابقت عليه آراء العقلاء حفظاً للنظام و إبقاءً للنوع، و هي المسماة بالقضايا المشهورة.
و من الواضح أن حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ليس حكماً عقلياً عملياً منفرداً عن سائر الأحكام العقلية العملية، بل هو من أفراد حكم العقل بقبح الظلم عند العقلاء، نظراً إلى أن مخالفة ما قامت عليه الحجة خروج عن زيّ الرقية و رسم العبودية، و هو ظلم من العبد على مولاه، فيستحق منه الذم و العقاب.
كما أن مخالفة ما لم تقم عليه الحجة ليست من أفراد الظلم، إذ ليس من زي الرقية أن لايخالف العبد مولاه في الواقع و في نفس الأمر، فليس مخالفة ما لم تقم عليه الحجة خروجاً عن زي الرقية حتى يكون ظلماً.
و حينئذ فالعقوبة عليه ظلم من المولى على عبده؛ إذ الذم على ما لايذم عليه، و العقوبة على ما لايوجب العقوبة عدوان محض، و ايذاء بحت بلا موجب عقلائي، فهو ظلم، و الظلم بنوعه يؤدّي إلى فساد النوع، و اختلال النظام، و هو قبيح من كل أحد بالاضافة إلى كل أحد و لو من المولى إلى عبده.
لكن لايخفى أن المهم هو دفع استحقاق العقاب على فعل محتمل الحرمة مثلاً ما لم تقم عليه حجة منجزة لهاً.
و حيث إنّ موضوع الاستحقاق بالأخرة هو الظلم على المولى، فمع عدمه لا استحقاق قطعاً، و ضمّ قبح العقاب من المولى أجنبي عن المقدار المهم هنا، و إن كان صحيحاً في نفسه.
تقریب بعض الأساطين لحكم العقل
هو أنّ العقل يدرك عدم استحقاق العقاب على مخالفة التكليف أو تفويت الغرض فيما إذا تفحّص عنه في مظانّ البيان من المولى من الكتاب، و السنّة، و حكم العقل و لم يظفر على البيان منه على الحكم لا نقلاً و لا عقلاً لا بالعنوان الأوّلي و لا بالعنوان الثانوي، لكونه معذوراً عند العقل في المخالفة بعدم نصب الشارع حجّة على حكمه، فحكم العقل هذا ثابت بحسب الاقتضاء. ([5])
الدلیل الرابع: عن الشيخ الأنصاري!
الاستشهاد بحكم العقلاء، قال الشيخ الأنصاري!: و يشهد له: حكم العقلاء كافّة بقبح مؤاخذة المولى عبده على فعل ما يعترف بعدم إعلامه أصلاً بتحريمه.([6])
ما يحتمل مانعیّته أو تعارضه للبراءة العقلیة
المانع الأوّل: قاعدة حقّ الطاعة
دعوى الافتراق بين أحكام الموالي العرفية، و الأحكام الشرعيّة إذ قد يدّعى تمامية حكم العقل بالنسبة إلى القسم الأوّل لكون المولوية فيها اعتبارية دائرة مدار اعتبار المعتبر، فتكون صحّة المؤاخذة العقلية منوطةً بوصول الحكم إلى المكلّف بعد الفحص عنه و هذا بخلاف القسم الثاني و هي الأحكام المجعولة من قبل المولى الحقيقي الذي مولويته ذاتيّة غير مجعولة بجعل جاعل، فإنّ حقّ الطاعة في موردها يقتضي لزوم الطاعة حتّى في مورد احتمال التكليف و الغرض غير الواصل.
إیراد بعض الأساطينa على قاعدة حقّ الطاعة
إنّ [دعوى] لزوم الإطاعة بمقتضى حقّ الطاعة في هذه الصورة ممنوعة حيث إنّ حقّ الطاعة بنظر العقل لايقتضي أزيد من كون العبد في مقام إطاعة المولى على نحو لايستند تفويت حكمه، أو غرضه إليه بحيث يكون مقصّراً في ذلك من ناحية مخالفة التكليف المعلوم، أو من جهة عدم الفحص التامّ عنه حسب ما تقتضيه وظيفة العبوديّة ، و أمّا مع الفحص التامّ، وعدم وصول التكليف إليه من جهة عدم بيان المولى أو إخفاء الظالمين و عدم سدّهم عن ذلك و عدم جعل الاحتياط مع قدرته عليها فيكون عدم إيصال التكليف إليه عذراً عقلياً موجباً لكون العقاب عليه قبيحاً، و ذلك لعدم تقصيره فيما تقتضيه وظيفة العبوديّة و كون التفويت من ناحية المولى لعدم بيانه الحكم مع قدرته عليه.([7])
ملاحظتنا على قاعدة حق الطاعة
إنّ تطبیق قاعدة حق الطاعة على المقام، عندنا مخدوش، فإنّ على المكلّف حقّ الطاعة في ما وصل إليه، أمّا ما لم یصل إلیه فلا حقّ عليه، بل المكلّف معذور عند الله حینئذٍ بحكم العقل و العقلاء.
و هنا لابدّ من معرفة أركان هذه القاعدة:
الركن الأوّل: من له الحقّ و هو الله تبارك و تعالى و لابدّ من معرفته بما عرّف نفسه من أسمائه و صفاته، و هي لاتنحصر في مولویته على العباد بل قد تكون من قبيل الرحمن الرحیم و الرؤوف بعباده و الحكیم الخبیر، و مقتضى معرفة الله تعالى بهذه الأسماء و الصفات هو القول بعدم العقاب في ما إذا لم یصل التكلیف إلى العبد و نتیجة ذلك البراءة العقلیة في المقام.
الركن الثاني: من علیه الحقّ و هو العبد المخلوق الذي له جهات متعدّدة في علاقته مع الله تعالى؛ منها عبودیته لله تعالى، و منها محبوبيته لله تعالى فإنّ العلاقة بين المولى الشرعي أو العرفي و بین العبد قد تقتصر على العبودية و المولوية و قد تكون بينهما -مضافاً إلى العبودية و المولوية، علاقة أبوة و بنوة، كما في المولى العرفي، و علاقة المحبّ مع محبوبه و علاقة صداقة و غیرها، كما في الموالي العرفیة و الشرعیة، فلابدّ من ملاحظة العلائق بين المولى الحقيقي و عبده و أنّها -من ناحية المحبّة و الرأفة و الرحمة- أشدّ و أوثق منها في الأب مع ابنه.
فعلى هذا، كما أنّ الإبن یثق بوالدیه و لایحتمل أن یعذّبه والداه في ما إذا لم یبیّن له التكلیف، فهكذا في العبد بالنسبة إلى المولى تبارك و تعالى.
الركن الثالث: متعلّق الحقّ و هي الطاعة لله تعالى.
الركن الرابع: موضوع الحقّ و هو عندنا ما إذا وصل الحكم إلى المكلّف و عند المحقّق الصدر! هو احتمال التكلیف و إن لم یصل إلینا.
الركن الخامس: من یحكم بهذا الحقّ و هو العقل تارة و العقلاء أخری.
المانع الثاني: قاعدة دفع الضرر المحتمل
ما أفاده المحقّق الإيرواني!
إنّ هنا شبهة عويصة و هي: أنّ البيان في قاعدة قبح العقاب بلا بيان يعمّ بيان التكليف و بيان الاحتياط، كما أنّه بيان الشارع و بيان العقل، فإذا حكم العقل بالاحتياط في مادّة، كموارد العلم الإجمالي، لم يكن مجال لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، لحصول البيان بلسان العقل، و عليه فإذا ظنّ بالتكليف أو احتمل احتمالاً معتدّاً به، كان قاعدة دفع الضرر المحتمل بياناً وارداً على قاعدة القبح، كما أنّ قاعدة القبح حيث ما تحقّقت كانت رافعة لموضوع احتمال الضرر، و بالنتيجة واردة على قاعدة دفع الضرر المحتمل، و لا مجال لتقديم إحدى القاعدتين و إخراج المورد عن موضوع الأخرى، كما صنعه حضرة الأستاذ [صاحب الكفاية!]، بل اللازم ملاحظة المورد قاطعاً للنظر عن القاعدتين، ثمّ ملاحظة أنّه مورد ولايتهما، و المورد في المقام مورد لكلتيهما، لكن القاعدتين بأنفسهما لا تجتمعان، لأنّ العقل لا يحكم بحكمين متخالفين، فإمّا هذه أو تلك، أو لا هذه و لا تلك.
نعم، يمكن أن يقال: إن تحيّر العقل و لم يجزم بانطباق إحدى القاعدتين على سبيل التعيين أو لا انطباقهما جميعاً، حكم حكماً ثانوياً في موضوع عدم جزمه بالبراءة فإنّه إذا لم يكن له ملزم خارجي، و هو بيان الشارع، و لا داخلي، و هو حكم العقل بالاحتياط في الشبهة، حكم بالبراءة، بمعنى أنّه رخّص في الفعل و الترك، و بعد هذا الترخيص كان العقاب قبيحاً بقبح العقاب مع الترخيص العقلي، فكانت النتيجة مطابقة مع حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان، و إن لم تكن بملاكه.([8])
إیراد بعض الأساطينa على كلام المحقّق الإيرواني!
و لكن التحقیق عدم مانعیته أیضاً، و الوجه فیه: أنّه لا ریب في كون اللّزوم في هذه القاعدة عقلیاً غیر شرعي، و الأمر بالإطاعة في مثل قوله تعالى: (أَطيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ)([9]) إرشاداً إلى حكم العقل على ما تقرّر في محلّه من استلزام شرعیة تلك الأوامر التسلسل و العقابات المتعدّدة ضرورة أنّ وجوب الإطاعة شرعاً مستلزم لوجوب إطاعة أخری لأمر أطع، و هذا الأمر الآخر مستلزم لوجوب إطاعته أیضاً و هكذا قاعدة عقلیة مستندة إلى درك العقل قبح العقاب على مخالفة حكم لا بیان علیه من الشارع، و حیث إنّ القاعدتین عقلیان فلا یمكن الشكّ في تحقّقهما عقلاً، و ذلك لاستحالة شكّ كلّ حاكم في حكمه، فإنّه لایخلو الأمر من تحقّق ما هو الموضوع لحكمه مع جمیع خصوصیاته الدخیلة فیكون قاطعاً بالنسبة إلى حكمه، و أمّا ما لایكون موجوداً بنظره فیقطع بعدم حكمه، فالشكّ من الحاكم بالنسبة إلى حكمه غیر معقول.
و علیه فلایمكن تحقّق التعارض و التمانع بین قاعدتین عقلیتین حیث أنّه موجب لاجتماع النقیضین، بل القاعدتان إمّا لاتنافي بینهما لاختلاف موضوعهما و إمّا تكون إحداهما رافعة لموضوع الأخری. و علیه فدعوی تحقّق التعارض بین القاعدتین لا معنی له بل لابدّ من ملاحظة أنّ أیَّهما تكون رافعة لموضوع الأخری، و قد تبیّن أنّ الموضوع لقاعدة قبح العقاب هو عدم البیان العقلي و الشرعي على الحكم لا بعنوانه الأوّلي و لا بعنوانه الثانوي فمع فحص المكلّف عن البیان و الحجّة عن المولى و عدم الظفر علیه یتحقّق موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بیان من ناحیة و یرتفع موضوع قاعدة وجوب دفع العقاب المحتمل.
و أمّا كون هذه القاعدة بیاناً على العقاب المحتمل فغیر معقول، و ذلك لعدم إمكان تكفّل الحكم لإحراز موضوعه و استلزامه الدور، حیث إنّ الحكم متوقّف على تحقّق موضوعه، فلو كان الموضوع متوقّفاً على وجود الحكم لزم الدور، و على هذا تكون موضوع قاعده قبح العقاب، -و هو عدم البیان على الحكم- محقّقاً و یترتّب علیه حكم العقل بقبح العقاب، و یحرز به عدم احتمال العقاب و یرتفع به موضوع قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل، و لایتحیّر العقل في حكمه بل یكون قاطعاً بعدم العقاب على مخالفة التكلیف الذي لا بیان علیه. و بالجملة:
فیرد علیه أوّلاً: أنّ ما ادّعاه من تحیّر العقل بین القاعدتین لا معنی له، و ذلك لاستحالة الشكّ من الحاكم في حكمه.
و ثانیاً: بأنّ دعواه التعارض بینهما لا وجه له، لما ظهر من فرض عدم البیان لا عقلاً و لا شرعاً، على الحكم لا بعنوانه الأوّلي و لا بعنوانه الثانوي و معه یحصل القطع بعدم العقاب، و لایبقی مجال لتحقّق ما هو الموضوع لقاعدة لزوم دفع العقاب المحتمل، حیث یقطع العقل بقحه و استحالة صدوره عن الحكیم.
و ثالثاً: بأنّه على فرض التنزّل و تسلیم تحیّر العقل بالنسبة إلى جریان القاعدتین فلایكون مقتضى القاعدة هو حكم العقل بالترخیص، بل مقتضى القاعدة هو حكم العقل بلزوم الاحتیاط، و ذلك لاحتماله الحكم الإلزامي و عدم وجود المؤمّن من العقاب بالنسبة إلیه. هذا تمام البحث فیما إذا كان المراد من الضرر في القاعدة الثانیة هو العقاب.
و أمّا لو كان المراد من الضرر فیها هو الضرر الدنیوي، فعلى فرض تمامیة الصغری من ملازمة الحكم الإلزامي احتمال الضرر و تمامیة الكبری من حكم العقل بلزوم دفع الضرر بهذا المعنی تصیر هذه القاعده بیاناً عقلیاً على تنجّز الحكم الإلزامي، و موجبة لعدم تحقّق موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بیان. و لكن كلتا المقدّمتین من تمامیة الصغری و الكبری باطلة؛ أمّا الصغری فلعدم اشتمال المحرّمات و الواجبات على الضرر الدنیوي بمعناه اللغوي العرفي من الضرر في طریق تحصیل المنافع أو احتمال حصولها، و كذا العقل یحكم بحسن ارتكابه لذلك، غایة ما یقال هو درك العقل عدم حسن ارتكاب الضرر فیما لم یكن مقدّمة لتحصیل منفعة مادیة أو معنویة، و لكنّه لیس إلى حدّ یحكم العقل باستحقاق العقاب على ارتكابه و لا سیرة من العقلاء على صحّة المؤخذة علیه، و إذا لم یكن ارتكاب الضرر القطعي موجباً لاستحقاق العقاب فالضرر الاحتمالي غیر موجب له بالأولویّة القطعیّة.
هذا مضافاً إلى أنّه لا شكّ في جریان البراءة في الشبهات الموضوعیة و الوجوبیة، مع أنّه لو كان قاعدة وجوب دفع الضرر بیاناً موجباً للزوم الاحتیاط و مانعاً عن قاعدة قبح العقاب بلا بیان لكان موجباً لعدم جریان البراءة مطلقاً لا في الشبهة الحكمیة و لا في الموضوعیة، و لم یقل به أحد من الأصولیین و الأخباریین.
و أمّا لو كان المراد من الضرر فیهما هو المفسدة ففي هذه الصورة أیضاً كانت القاعدة مع تمامیتها بحسب الصغری و الكبری بیاناً مانعاً عن جریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان، و لكنّها بهذا المعنی أیضاً غیر تامّة لا من ناحیة الصغری و لا الكبری.
أمّا من جهة الصغری فلعدم اشتمال الواجبات على المفسدة و انحصار المفسدة في المحرّمات فیكون الدلیل بحسب الصغری أخصّ من المدّعی.
هذا مضافاً إلى احتمال كون الحرمة في بعض المحرّمات أیضاً لأجل المصلحة في أصل الحكم من الامتحان و التعبّد، كما في حرمة صید الحیتان في یوم السبت و حلیّته في سائر أیّام الأسبوع، مع عدم الفرق بین یوم السبت و بقیّة الأیّام في اشتماله على المفسدة و عدمه.
و أمّا من حیث الكبری فما یكون موضوعاً لحكم العقل بوجوب الدفع هي المفسدة البالغة إلى حدّ لزوم الاجتناب غیر المزاحمة مع مصلحة لازمة التحصیل كما أنّ المصلحة البالغة إلى حدّ لزوم التحصیل مع عدم المزاحمة لملاك آخر محكومة بحكم العقل بلزوم التحفّظ، و علیه ففي ما أحرز المفسدة القطعیة البالغة إلى هذا الحد و كانت بلا مزاحم تكون مورداً لحكم العقل بوجوب الدفع و تكون بیاناً عقلیاً موجباً لانتفاء الموضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بیان، و لكن المفسدة إلى هذا الحد و على هذا النحو غیر محرزة حتی في مورد القطع بالمفسدة، و ذلك لاحتمال كون المفسدة المتیقنة غیر بالغة إلى حد الإلزام بالاجتناب عنه و احتمال كونها مزاحمة بملاك أهم على فرض بلوغها إلى ذلك الحد، ضرورة عدم إحاطة العقل بالملاكات القائمة بالأفعال. ففي مورد احتمال المفسدة تكون الكبری غیر محرزة بالأولویة القطعیّة و ذلك لعدم إحراز المفسدة فضلاً عن إحراز كونها لازمة الاجتناب بلا مزاحم.
هذا مضافاً إلى ما ذكر من النقض بالشبهات الموضوعیة الوجوبیة و التحریمیة من الاتفاق على جریان البراءة العقلیة في موردهما دون جریان الاحتیاط عقلاً، مع أنّه لو كان لزوم دفع المفسدة عقلاً مانعاً من جریان قاعدة قبح العقاب للزم منه حكمهم بعدم جریان قاعدة القبح في الشبهات الموضوعیة أیضاً، ضرورة احتمال المفسدة في موردهما أیضاً كالشبهات الحكمیة.
فالتحقیق هو تمامیة الاستدلال بقاعدة قبح العقاب بلا بیان على البراءة على فرض عدم تمامیة أدلة الاحتیاط. ([10])
[1]. فوائد الأصول، ج3، ص 366 .
[2]. مصباح الأصول، ج2، 273.
[3]. نهایة الدرایة، المحقق الإصفهاني!، ج4، ص83.
[4]. التعليقة على فرائد الأصول، 35.
[5]. تحف العقول، ج1، ص185.
[6]. فرائد الأصول، ج2، ص 56.
[7]. تحف العقول، ج1، ص184 .
[8]. نهاية النهاية في شرح الكفاية، ج2، ص100.
[9]. سورة آل عمران(3): 42 .
[10]. تحف العقول، ج1، ص187 – 191.
[1]. سورة الإسراء(17): 15.
[2]. سورة الطلاق(65):7.
[3]. سورة الإسراء(17): 15.
[4]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص255 و (ط.ج): ج2، ص296.
[5]. فرائد الأصول، ج1، ص317 : «فيه: أنّ ظاهرها الإخبار بوقوع التعذيب سابقاً بعد البعث فيختصّ بالعذاب الدنيوي الواقع في الأمم السابقة».
[6]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص256 و (ط.ج): ج2، ص296.
[7]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص256 و (ط.ج): ج2، ص297: «و ثانياً: أنّ جملة ما كان أو ما كنّا و أمثالهما من هذه المادّة مستعملة في أنّ الفعل غير لائق به تعالى، و لايناسبه صدوره منه… ».
[8]. سورة آل عمران(3): 179.
[9]. سورة الأنفال(8): 33.
[10]. سورة الكهف(18): 51.
[11]. (وَ ما كُنَّا مُعَذِّبينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً). سورة الإسراء(17): 15.
[12]. المصدر السابق.
[13]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص256 و (ط.ج): ج2، ص297: «و بهذا ظهر الجواب عن الإيراد الثاني أيضاً، لأنّ عدم لياقة التعذيب قبل البيان يدلّ على عدم كون العبد مستحقا للعذاب… ».
[14]. الفصول الغروية، ص353: «و قد يستدلّ أيضاً بقوله تعالى: (وَ ما كُنَّا مُعَذِّبينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) فإنّ المتبادر من بعث الرسول في المقام هو التبليغ و يشكل بعد التسليم بأنّ نفي التعذيب لايدل على نفي الوجوب و التحريم لجواز الاستحقاق و العفو كما مرّ في دفع حجة المنكرين للملازمة بين العقل و الشرع.
و من جمع بين التمسك بالآية في المقام بالبيان المذكور و بين دفع حجة المنكرين للملازمة بما ذكرناه كما يحكى عن بعض الأفاضل فكأنه أراد نفي الوجوب و التحريم بالمعنى الذي أثبته الخصم فإنه لايلتزم بكونه ذنباً موعوداً عليه بالعفو و عدم المؤاخذة و لو مع الإصرار بل يجعله كغيره من الذنوب فلا يكون تناف بين كلاميه كما أورده بعض المعاصرين عليه.»
[15]. فرائد الأصول، ج1، ص317: «و يمكن دفعه بأنّ عدم الفعلية يكفي في هذا المقام… ».
[16]. كفاية الأصول، ص339.
[17]. بحوث في علم الأُصول، ج5، ص34: «إنّ المقدار الذي يثبت بها البراءة ما لم يصدر من الشارع البيان لا ما لميصل إلى المكلّف لأنّ بعث الرسول غاية ما يمكن أن يحمل عليه هو الكناية عن صدور التشريع لا وصوله إلى المكلّف و المطلوب لنا إثبات البراءة فيما لم يصل إلى المكلف… ».
[18]. تحف العقول في علم الأصول، ص51.
[19]. سورة الطلاق(65): 7.
[20]. نهاية الأفكار، ج3، ص202: «بناء على استعمال الموصول في معناه الكلّي العامّ و إرادة الخصوصيات المزبورة من دوالّ أخر خارجية فلا يتوجّه محذور، لا من طرف الموصول، و لا في لفظ الإيتاء، و لا من جهة تعلّق الفعل بالموصول… ».
[21]. اختلفت آراء الأعلام في حقیقة معنی الحروف؛ قال صاحب هداية المسترشدين، ج1، ص178: «فالقول المحكي عن قدماء أهل العربیة و الأصول القول بكون الوضع و الموضوع له عامّاً».
وقاية الأذهان، ص67: «إلیه ذهب جماعة من محققي المتأخرین أوّلهم -في ما أعلم- الجدّ العلّامة في الهدایة و یمكن بیانه من وجوه: أوّلها: ما ذهب إلیه – طاب ثراه – [في هداية المسترشدين، ج1، ص184] و ملخّصه… ثانیها: ما قرّره السيد الأستاذ [المحقق الفشاركي!] … . و ثالثها: ما ذهب إلیه الشيخ الأستاذ [صاحب الكفاية] !…».
[22]. و في المجلد الأوّل، البحث الثاني (المبادئ التصدیقیة اللّغویة)، الفصل الرابع: استعمال اللفظ في أكثر من معنی واحد، ص373، ذكرنا أربعة من القائلین بعدم جواز استعمال اللّفظ في أكثر من معنی و هم صاحب الكفاية! و المحقّق النائیني! و المحقّق العراقي! و المحقّق الإصفهاني! و عرضنا أدلّتهم.
و ذكرنا للقول بالجواز أربعة أقوال.
[23]. بحوث في علم الأُصول، ج5، ص32.
[24]. البقرة(2):286.
[25]. في التوحید ذكر «ما لایطیقون» قبل «ما لایعلمون».
[26]. الخصال، باب التسعة، ح9، ص417؛ التوحيد، ص353، باب الاستطاعة (56)، ح24.
[27]. مدارك الأحكام، ج1، ص49.
[28]. معجم رجال الحديث، ج3، ص122، و راجع بحوث في علم الأصول؛ ج5 ؛ ص5، و أيضاً آراؤنا في أصول الفقه، ج2، ص161.
[29]. المحصول، ج2، ص252.
[30]. وصفت روایة حریز بالصحّة في كل من الوافية في أصول الفقه، ص180؛ جامعة الأصول لملا مهدي النراقي، ص42؛ الفصول الغروية، ص51 و 353؛ فرائد الأصول، ج2، ص27؛ قلائد الفرائد، ج1، ص306، المحاضرات للسید محمد داماد، ج2، ص203؛ مجمع الأفكار و مطرح الأنظار، ج3، ص254؛ الوصول إلى كفاية الأصول، ج4، ص254؛ الأصول العامّة في الفقه المقارن، ص468؛ الكافي في أصول الفقه للسید سعید الحكیم، ج2، ص184.
و في نهاية الأصول، ص583: «و في توحيد الصدوق و خصاله مسنداً إلى أبي عبد الله% بسند معتمد»
و في دروس في مسائل علم الأصول، ج4، ص252: «من الأخبار التي يتمسك بها على البراءة في الشبهات الحكمية ما ورد في حديث الرفع المروي في الخصال بسند لا بأس به»
و تمسك بعض الأعلام في اعتبارها باشتهارها و اعتماد الأصحاب علیها:
ففي فوائد الأصول، ج3، ص336: «اشتهار الحديث المبارك بين الأصحاب و اعتمادهم عليه يغني عن التكلم في سنده مع أنّه من الصحاح فالمهمّ بيان فقه الحديث»
و في نهاية الأفكار، ج3، ص208: «لما كان هذا الحديث الشريف محل اعتماد الأصحاب رضوان الله عليهم في أبواب الفقه من العبادات …»، و مثله ما في الأصول للمیرزا أبو الفضل نجم آبادي، ج2، ص369، و نتائج الأفكار في الأصول، ج4، ص31.
و في منتهى الأصول (ط.ج) ج2، ص235: «الحديث الشريف مروي في الخصال بسند صحيح…».
و في تهذيب الأصول للسید عبد الأعلی السبزواري، ج2، ص165: «منها ما استفاض منه$ بين الفريقين… و استفاضة نقله تغني عن البحث في سنده، مع أنّ الصدوق نقله في الخصال بسند صحيح، و أنّ متنه يشهد بصحة سنده».
و لكن نرى اختلافاً واضحاً بين تقريري درس المحقق الصدر! حيث قال في بحوث في علم الأصول، ج5، ص58 فقال: «و على كل حال فلميثبت سند صحيح للحديث»، فيردّ الحديث من ناحية السند، و لكن في مباحث الأصول، ج3، ص219 قال: «و قد تحصّلت من تمام ما ذكرناه تماميّة حديث رفع التسعة سنداً و دلالةً» فيقبل الرواية من ناحية السند.
[31]. بحوث في علم الأصول، ج5، ص59.
[32]. بحوث في علم الأصول، ج5، ص60.
[33]. التلعكبري قال فيه النجاشي في رجاله، ص439: هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد بن سعيد، أبو محمد، التلعكبري من بني شيبان. كان وجهاً في أصحابنا، ثقة، معتمداً لايطعن عليه. له كتب، منها: كتاب الجوامع في علوم الدين. كنت أحضر في داره مع ابنه أبي جعفر، و الناس يقرءون عليه.
و في رجال الشيخ، ص449: هارون بن موسى التلعكبري، يكنّى أبا محمد، جليل القدر، عظيم المنزلة، واسع الرواية، عديم النظير، ثقة، روى جميع الأصول و المصنفات، مات سنة خمس و ثمانين و ثلاثمائة، أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا.
[34]. الوسائل، ج30، ص313: أحمد بن محمد بن يحيي العطّار روى عنه التلعكبري و غيره ذكره الشيخ و يعُدّ العلامة و غيره من علمائنا، حديثه صحيحاً و هو يقتضي توثيقه على قاعدتهم.
[35]. خلاصة الأقوال، ص278؛ قال الشيخ الصدوق عند بيان طريقه إلى عبد الرحمن بن الحجّاج في من لا يحضره الفقيه، ج4، المشيخة، ص447: و ما كان فيه عن عبد الرّحمن بن الحجّاج فقد رويته عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار- رضي الله عنه- عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير؛ و الحسن بن محبوب جميعاً عن عبد الرحمن بن الحجّاج البجليّ الكوفيّ و هو مولى و قد لقي الصادق و موسى بن جعفر عليهما السّلام و روى عنهما، و كان موسى% إذا ذكر عنده قال: «إنّه لثقيل في الفؤاد».
[36]. خلاصة الأقوال، ص277؛ قال الشيخ الصدوق! عند بيان طريقه إلى عبد الله بن أبي يعفور في من لا يحضره الفقيه، ج4، المشيخة، ص427: و ما كان فيه عن عبد الله بن أبي يعفور فقد رويته عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار- رضي الله عنه- عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الله بن أبي يعفور.
[37]. خلاصة الأقوال، ص276، قال شيخ الطائفة عند بيان طريقه إلى محمد بن علي بن محبوب في التهذيب، ج10، المشيخة ص72، و في الاستبصار، ج4، المشيخة، ص324: و ما ذكرته في هذا الكتاب عن محمد بن علي بن محبوب فقد أخبرني به الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن أبيه محمد بن يحيى عن محمد بن علي بن محبوب.
[38]. منتهى الدراية، ج5، ص180.
[39]. وثّقه – مضافاً إلى توثيقه مشايخ الإجازة الذين منهم أحمد بن محمد بن يحيی- صريحاً في كتابه الرعاية في علم الدراية، ص371 عند البحث عن تمييز أحمد بن محمد المشترك بين جماعة من ضمنهم أحمد بن محمد بن يحيى العطار فقال في الآخر: و لكنّه مع الجهل لايضرّ لأنّ جميعهم ثقات… .
[40]. مشرق الشمسين مع تعليقات الخواجوئي، عند التكلم عن مشايخ الإجازة، ص81: «… و مثل أحمد بن محمّد بن يحيى العطار، فإنّ الصّدوق يروي عنه كثيراً، و هو من مشايخه و الواسطة بينه و بين سعد بن عبد الله.
[41]. الحبل المتين في أحكام الدين؛ ص: 108(… و هذه الرواية ضعيفة لجهالة أحمد بن محمّد بن يحيى، و …).
[42]. الرواشح السماوية، السيد محمد باقر الداماد (الميرداماد)، ص ١٧٠ قال: «ثمّ إنّ لمشايخنا الكبراء مَشْيخة يوقّرون ذكرهم، و يُكثرون من الرواية عنهم، و الاعتناء بشأنهم، و يلتزمون إرداف تسميتهم بالرَّضْيَلَة عنهم، أو الرَّحْمَلَة لهم ألبتّة فأُولئك أيضاً ثُبَّت فخماء، و أثبات أجلاّء، ذُكروا في كتب الرجال أو لم يذكروا، والحديث من جهتهم صحيح معتمد عليه، نُصّ عليهم بالتزكية و التوثيق أو لم يُنَصَّ. (إلى أن قال:) و كأشياخ الصدوق بن الصدوق … و أحمد بن محمد بن يحيى العطار أحد شيوخ التلعكبري».
[43]. قال في تنقيح المقال، ج8، ص112: «فأمّا المقدّس فإنّه صرّح كثيراً [في كتابه مجمع الفائدة] بأنّ الصحّة دليل الوثاقة».
[44]. تنقيح المقال، (ط.ج): ج8، ص112.
[45]. منتقى الجمان، ج1، الفائدة التاسعة، ص39.
[46]. راجع معالم الأصول، بحث الخبر الواحد.
[47]. راجع في ذلك كلّه تنقيح المقال، ج8، ص110، في ترجمة أحمد بن محمد بن يحيى.
[48]. تحف العقول في علم الأصول، ص103.
[49]. قال في القواعد في كتاب القضاء، في الفصل الأوّل من المقصد التاسع في الشهادات، ج3، ص494: «الفصل في صفات الشاهد… الرابع: العدالة، و هي كيفيّة نفسانيّة راسخة تبعث على ملازمة المروءة و التقوى، فلا تقبل شهادة الفاسق. و يخرج المكلّف عن العدالة بفعل كبيرة …».
و قال في مختلف الشیعة في كتاب القضاء في الفصل السابع في المسألة 77، من الجزء الثامن في ص501: «و التحقيق: أنّ العدالة كيفية نفسانية راسخة تبعث المتّصف بها على ملازمة التقوى و المروءة، و تتحقّق باجتناب الكبائر و عدم الإصرار على الصغائر».
و قال في إرشاد الأذهان في كتاب القضاء في الفصل الأوّل من المقصد الخامس، في ج2، ص156: «الرابع: العدالة و هي: هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى، و تزول بمواقعة الكبائر التي أوعد الله عليها النار – كالقتل، و الزنا، و اللواط، و الغصب – و بالإصرار على الصغائر أو في الأغلب، و لاتقدح الندرة، فإنّ الإنسان لاينفك منها».
[50].خلاصة الأقوال، ص16.
[51]. خلاصة الأقوال، ص223.
[52]. الخلاف، ج6، ص218، و قاله في المبسوط، ج6، ص300، و ج8، ص93-94 و ص254.
[53]. خلاصة الأقوال، ص228.
[54]. خلاصة الأقوال، ص275.
[55]. تحف العقول في علم الأصول، ص 106 – 111.
[56]. الوجيزة في الرجال، ص24.
[57]. رجال النجاشي، ص58.
[58]. رجال النجاشي، ص86.
[59]. الرواشح السماوية، (الميرداماد)، ص ١٧٠ قال: «ثمّ إنّ لمشايخنا الكبراء مَشْيخة يوقّرون ذكرهم، و يُكثرون من الرواية عنهم، و الاعتناء بشأنهم، و يلتزمون إرداف تسميتهم بالرَّضْيَلَة عنهم، أو الرَّحْمَلَة لهم ألبتّة فأُولئك أيضاً ثُبَّت فخماء، و أثبات أجلاّء …».
[60]. منتقى الجمان، حسن بن زين الدين العاملي، ج ١، ص ٦٣.
[61]. راجع معجم رجال الحديث في أحمد بن محمد بن يحيى، ج2، ص 706.
[62]. مباحث الأصول، ج3، ص223: «و هنا طريق لإثبات توثيق أحمد بن محمد بن يحيى العطار لو تمّ ينتفي بذلك إشكال سند حديث الرفع… ».
[63]. تحف العقول في علم الأصول، ص111: «ثمّ قال بعد ذلك: فتحصّل أنّ ما هو العمدة من الوجوه الموجبة للاطمئنان بوثاقه أحمد بن محمد ثلاثة:
الأوّل: توثيق العلاّمة في الخلاصة له و عدم تمامية المناقشات الّتي أوردت عليه. و أمّا توثيق الشهيد الثاني و تصحيح صاحب المعالم و تصحيح المحقّق الأردبیلي له بالنظر إلى مبانيهم في التوثيقات و التصحيح و إن ناقشنا فيه بكونه مستنداً إلى الحدس فيكون من المؤيّدات.
و الثاني: وقوعه في طريق كتب ابن سعيد مع دعوى السيرافي باعتماد الأصحاب على ذلك الطريق.
و الثالث: كثرة وقوعه في أسناد الكتب التي نسبها النجاشي في الرجال إلى الأصحاب بتلك الأسناد فبهذه الوجوه ترتفع الجهالة عن أحمد بن محمد و لایبقی مجال لما عليه صاحب المدارك و السيد الخوئي! من المناقشة في وثاقته».
[64]. من لا يحضره الفقيه، ج1، ص59.
[65]. بحوث في علم الأصول، ج5، ص58.
[66]. النوادر، ص74؛ بحار الأنوار، ج5، ص304 .
[67]. بحوث في علم الأصول، ج5، ص60.
[68]. الوسائل، ج5، ص413.
[69]. بحوث في علم الأصول، ج5، ص60.
[70]. مباحث الأصول، ج3، ص230؛ و أمّا الشيخ المامقاني! فقد قال في تنقيح المقال، ج10، ص33: و قد بنى على اتّحادهما جمع من الأواخر ، بل ظاهر الميرزا في المنهج أنّ اتّحادهما مسلّم، حيث قال: الجعفي أصحّ، و أبوه جابر مشهور به معروف. انتهى.
فإنّ جعله الجعفي أصحّ النسخ ظاهر في أنّ الاتّحاد محرز، كما استفاد ذلك منه الوحيد رحمه الله حيث قال في التعليقة: و المستفاد من كلام المصنّف رحمه الله أنّ الخثعمي وهمٌ، و أنّ الأصحّ الجعفي…- إلى أن قال:- و هذا منه ينبئ بعدم تأمّل منه في الاتّحاد أصلاً كما هو عند الخلاصة أيضاً كذلك، و كذا عند أكثر المحقّقين المطّلعين على الأمر، و الأمر كذلك … -إلى أن قال:- و ممّا يشير إلى الاتّحاد رواية صفوان، و أنّه يبعد عدم اطّلاع الشيخ رحمه الله على الجعفي، مع اشتهاره غاية الاشتهار، و كثرة وروده في الأخبار، مع أنّه الراوي لحديث الأذان المشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار، الذي هو مستند الشيخ رحمه الله في الأذان.
و كذا باقي المشايخ الكبار، و يومي إليه كلام النجاشي، و مع ذلك لايتوجّه إليه أصلاً، و يتوجّه إلى غير معروف و لا معهود، بل و يتكرّر توجّهه إليه، سيّما و أن يكون ثقة ممدوحاً صاحب أصول، بل و غير خفيّ على المطّلع أنّها تناسب الجعفي. هذا، مضافاً إلى أنّه لايَتوجّه أصلاً غيره من الكشّي و النجاشي و الخلاصة إلى من تكرّر توجّهه إليه.
و بالجملة؛ التأمّل في الاتّحاد ليس في موضعه و لا وجه له أصلاً. هذا ، و يحتمل أن يكون قول النجاشي: و هو الذي روى حديث الأذان، إشارة إلى مقبولية روايته، و اشتهارها بالقبول. و رواية صفوان عنه تشير إلى وثاقته. انتهى ما في التعليقة.
و ما ذكره موجّه متين، و أشار بقوله: مع أنّه الراوي لحديث الأذان … إلى آخره إلى ما في الحاوي من الاستشهاد للاتّحاد، و كون الخثعمي تصحيف الجعفي، بأنّ حديث الأذان الذي اعتمد عليه الشيخ و … غيره و أشار إليه النجاشي ، قد رواه الشيخ رحمه الله في التهذيب و … غيره عن غيره، عن إسماعيل الجعفي، فيكشف عن أنّ الجعفي هو الصحيح. انتهى موضّحاً.
[71]. بحوث في علم الأصول، ج5، ص61.
[72]. في هامش المصدر السابق.
[73]. بحوث في علم الأصول، ج5، ص61.
[74]. بحار الأنوار، ج 5، ص304 .
[75]. فقه الرضا%، ص386.
[76]. الكافي، ج2، ص462، كتاب الإيمان و الكفر، باب المعافين من البلاء، ح2.
[77]. راجع المجلد السابع من عيون الأنظار، ص499.
[78]. تحف العقول، ص50.
[79]. الاختصاص، ص31.
[80]. دعائم الإسلام، ج2، ص95.
و هنا روایات أخر من حدیث الرفع لمیرد فیها عبارة «ما لایعلمون»:
ففي الكافي، ج2، ص462، ح1: « الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمُسْتَرِقِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَرْوَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله% يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ الله$: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي أَرْبَعُ خِصَالٍ: خَطَؤُهَا، وَ نِسْيَانُهَا، وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ، وَ مَا لَمْيُطِيقُوا؛ وَ ذلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: (رَبَّنا لاتُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لاتَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لاتُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) وَ قَوْلُهُ: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ)»
وَ في النوادر لأحمد بن عيسى الأشعريّ، ص74 و 75: «عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله% قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه$: عُفِيَ عَنْ أُمَّتِي ثَلَاثٌ: الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ الِاسْتِكْرَاهُ. وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله%: وَ فِيهَا رَابِعَةٌ: وَ مَا لَايُطِيقُونَ. [و] عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله%: وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. [و] عَنْ أَبِي الْحَسَنِ% قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُسْتَكْرَهُ عَلَى الْيَمِينِ فَيَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَ الْعَتَاقِ وَ صَدَقَةِ مَا يَمْلِكُ أَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله$: وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَمْيُطِيقُوا وَ مَا أَخْطَئُوا.»
و في المحاسن، ج2، ص339: «عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي الْحَسَنِ وَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ جَمِيعاً عَنْ أَبِي الْحَسَنِ% قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُسْتَكْرَهُ عَلَى الْيَمِينِ فَيَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَ الْعَتَاقِ وَ صَدَقَةِ مَا يَمْلِكُ أَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ$: وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَمْ يُطِيقُوا وَ مَا أَخْطَئُوا.»
و في دعائم الإسلام، ج1، ص274: «وَ عَنْ عَلِيٍّ% أَنَّهُ قَالَ: فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) قَالَ: اسْتُجِيبَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الَّذِي يَنْسَى فَيُفْطِرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ$: رَفَعَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي خَطَأَهَا وَ نِسْيَانَهَا وَ مَا أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ؛ فَمَنْ أَكَلَ نَاسِياً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَلْيَمْضِ فِي صَوْمِهِ وَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَ اللَّهُ أَطْعَمَهُ.»
و في عوالي اللئالي، ج1، ص232: و قال$: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».
و في ص395: «وَ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ$ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَ النِّسْيَانَ وَ مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. وَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةَ وَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَ هُوَ مَرْوِيٌّ لَنَا عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ».
و في تفسير العياشي، ج1، ص160 و 161 و ج2، ص272: «عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْوَانَ الْخَرَّازِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ% يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ$: رُفِعَتْ عَنْ أُمَّتِي أَرْبَعُ خِصَالٍ مَا أَخْطَئُوا [مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ] وَ مَا نَسُوا وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَمْ يُطِيقُوا وَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَوْلُهُ: (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) وَ قَوْلُ اللَّهِ : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).
[81]. مصباح الأصول (ط.ج): ج1، ص298: «المراد من الرفع هو الرفع في مرحلة الظاهر لا الرفع في الواقع ليستلزم التصويب، و ذلك للقرينة الداخلية و الخارجية أمّا القرينة الداخلية التي قد يعبّر عنها بمناسبة الحكم و الموضوع فهي…».
[82]. الرسائل، طبع النشر الإسلامي، ج1، ص323.
[83]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص258 و (ط.ج): ج2، ص299 و 300.
[84]. الرسائل، ج1، ص323،
و في أصول الفقه للشیخ حسین الحلي، ج7، ص119: «إنّه ليس المراد بالرفع في هذا الحديث الشريف في جميع التسعة إلّا معنى واحداً و هو مجرّد عدم الجعل. غايته أنّه يكون واقعياً فيما عدا ما لايعلمون و في خصوص ما لايعلمون لايكون الرفع الذي هو عبارة عن عدم الجعل إلّا ظاهرياً، و ذلك الاختلاف لايوجب اختلافاً في معنى الرفع لغةً و استعمالًا، بل لايكون الرفع في الجميع إلّا بمعنى واحد، و هو عبارة عن عدم الجعل، و خصوصية كونه ظاهرياً أو واقعياً إنّما يكون في المنسوب إليه الرفع و هو المرفوع، فحيث كان موضوعه في ما لايعلمون هو عدم العلم بالحكم الواقعي، و كان الرفع وارداً في طريق ذلك الحكم الواقعي، لم يكن رفع ذلك الحكم الذي هو عبارة عن عدم جعله إلّا حكماً ظاهرياً، بخلاف باقي التسعة، و القرينة الموجبة لحمل التصرّف في ما لايعلمون على الحكم الظاهري هي ما أقمناه من الأدلّة القطعية العقلية و النقلية على مشاركة العالم و الجاهل في الأحكام الواقعية الشرعية، فإنّ تلك الأدلّة تكون من قبيل القرينة القطعية الموجبة لعدم حمل الرفع المسند إلى «ما لا يعلمون» على الرفع الحقيقي الواقعي، فلا بدّ حينئذ من التنزّل إلى حمله على الرفع الظاهري».
[85]. الرسائل، ج1، ص320 بنفس العبارة.
[86]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص259 و (ط.ج): ج2، ص301: «إنّ الموصول في جميع الفقرات مستعمل في معنى واحد، و هو معناه الحقيقي المبهم المرادف للشيء … فإنّ المستعمل فيه في قولنا: «ما ترك زيد فهو لوارثه و ما ترك عمرو فهو لوارثه و ما ترك خالد فهو لوارثه» شيء واحد فوحدة السياق محفوظة و لو كان هذا المفهوم منطبقاً على الدار في الجملة الأولى، و على العقار في الثانية، و على الأشجار في الثالثة …».
[87]. في أوثق الوسائل (ط.ق): ص259: «ثالثها: ما أورده المصنف) من كون المراد بالموصولة بقرينة أخواتها هو الموضوع فلايشمل الحكم المجهول و يؤيّده أنّه لو كان المراد بها أعمّ من الموضوع و الحكم لزم استعمالها في معنيين مختلفين لأنّ نسبة الرّفع إليها عند إرادة الموضوع باعتبار معنى و عند إرادة الحكم باعتبار معنى آخر إذ المراد على الأوّل رفع مؤاخذة الفعل المشتبه الحكم و على الثّاني رفع نفس الحكم المشتبه»
و في تسديد الأصول، ج2، ص130: «الثالث: ما أفاده المحقّق الخراساني! في تعليقة الفرائد و هو أنّ إسناد الرفع إلى الحكم حقيقيّ و من باب الإسناد إلى من هو له؛ لأنّه قابل للرفع و الوضع حقيقة شرعاً، بخلاف إسناده إلى الفعل فإنّه مجاز عقلي، فإنّ الفعل متحقّق خارجاً و رفعه ادّعائي، فإرادة الأعمّ من الموصول في «ما لايعلمون» توجب الجمع بين نوعين من الإسناد و لا جامع بينهما انتهى ملخّصاً».
و راجع الأصول لمیرزا أبو الفضل النجم آبادي، ج2، ص369.
[88]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص260 و (ط.ج): ج2، ص302: «أوّلًا: أنّه يتمّ لو أريد بالرفع الرفع التكويني… و أمّا إن أريد به الرفع التشريعي، بمعنى عدم كون الفعل مورداً للاعتبار الشرعي. و بعبارة أخرى: الرفع التشريعي عبارة عن عدم اعتبار الشارع شيئاً من مصاديق ما هو من مصاديقه تكويناً، كما في جملة من موارد الحكومة، كقوله%: «لا رِبا بين الوالد و الولد» فكان إسناد الرفع إلى الفعل الخارجي أيضاً حقيقياً، فيكون إسناد الرفع إلى التسعة حقيقياً، بلا فرق بين أن يراد من الموصول في ما لايعلمون الحكم أو الفعل الخارجي…»
و في أجود التقريرات، ج2، ص171: «إنّ صدق الرفع في تمام التسعة باعتبار ثبوت المقتضي للجعل، و من المعلوم أنّ المراد منه هو الرفع التشريعي دون التكويني فرفع الثلاثة الأخيرة تشريعاً إنما هو باعتبار وجود المقتضي لجعل الحرمة فيها فلم يجعل الحرمة امتناناً و أما بالنسبة إلى غير ما لا يعلمون فباعتبار وجود المقتضي لعموم الحكم واقعاً حتى بالنسبة إلى حال الخطأ و النسيان و غيرهما و أن لايختص بغير مواردها و وجود الإطلاق أو العموم ظاهراً مع عدم كونهما مراداً واقعاً أجنبي عن صدق الرفع فما هو الملاك في صدق الرفع في الثلاثة الأخيرة هو الملاك في صدقه فيها بعينه من دون فرق بينهما أصلاً و أما بالنسبة إلى ما لايعلمون فالرفع التشريعي فيه إنما هو برفع نفسه حيث إنّ المجهول إنما هو نفس الحكم و هو بنفسه قابل للارتفاع و هذا بخلاف غيره فإنّ ارتفاع غيره تشريعاً إنما هو بعدم جعله موضوعاً للحكم و أما ارتفاع الحكم المجعول كذلك فهو بعدم جعل نفسه و هذا لا ربط له باختلاف السياق أصلاً ضرورة أنّ المراد من الرفع في الجميع هو الرفع التشريعي و الاختلاف إنما هو في متعلق الرفع باعتبار تعلقه بالحكم مرة و بالموضوع أخرى.»
و في دروس في مسائل علم الأصول، ج4، ص253: «إن رفع ما اضطروا إليه و ما استكرهوا عليه و الخطأ و غيرها ليس رفعاً تكوينياً بل المراد رفعها في مقام التشريع، و الرفع في مقام التشريع عبارة عن جعل الحكم و التكليف مضيّقاً بحيث لايثبت الحكم المجعول و التكليف ما يصدر عنه الإكراه و الاضطرار، فالفعل المضطرّ إليه أو المستكره عليه أو الصادر عن الخطأ لايكون متعلقاً للحرمة، و هكذا، و حيث إنّ الرفع الواقعي في مقام التشريع بالإضافة إلى ما لايعلمون غير ممكن في الشبهات الحكمية و غير واقع في الشبهات الموضوعية، يكون الرفع الحقيقي بالإضافة إلى ما لايعلمون رفعاً ظاهرياً، و الرفع الظاهري عبارة إما عن عدم فعلية التكليف الواقعي كما هو مسلك الماتن و من تبعه، و إما عبارة عن الترخيص الظاهري في الارتكاب في الشبهات التحريمية و الترك في الشبهات الوجوبية بناء على ما تقدم من عدم المنافاة بين الحكم الظاهري الطريقي الترخيصي مع التكليف الواقعي في فرض عدم وصوله، فالرفع الظاهري في ما لايعلمون حقيقي»
و في آراؤنا في أصول الفقه، ج2، ص165.
و في منتقى الأصول، ج4، ص385: «تحقيق الكلام أنّ إسناد الرفع إلى متعلق الحكم يكون إسناداً حقيقياً لا تجوّز فيه و لا عناية، و ذلك إذا كان الملحوظ رفعه في عالم التشريع لا عالم التكوين فإنّ رفع الحكم عنه ملازم لعدم ثبوته في عالم التشريع و الأحكام حقيقة فيصح إسناد الرفع إليه حقيقة، و ذلك كما تقول: إنّي محوت الكلمة الكذائية و أعدمتها بلحاظ دفتر خاص تكون فيه فإنّه يصدق إعدامها حقيقة من ذلك الدفتر. و بالجملة: إنّ رفع الموضوع في عالم التشريع و إن كان برفع حكمه، لكنّه يصح إسناد الرفع إليه حقيقة بلحاظ ذلك العالم الخاصّ، فرفع الحكم واسطة في الثبوت لا واسطة في العروض و ما ذكرناه هو ما أفاده المحقق النائيني»
و في ص391: «إن إسناد الرفع إلى الموضوع حقيقي كإسناده إلى الحكم و ذلك بملاحظة كون الرفع بلحاظ صفحة التشريع لا صفحة التكوين، فإرادة الجامع لاتستلزم تعدد النسبة، بل ليس هناك إلا نسبة واحدة حقيقة فراجع»
[89]. أما الإیراد على هذا الجواب ففي تحريرات في الأصول: «و ما في تقرير العلّامة النائيني رحمه الله من أنّ الرفع التكوينيّ مجاز هنا، و هو غير مقصود، و الرفع التشريعيّ حقيقة، و هو المقصود ضرورة أنّ المنظور رفع موضوعيّة هذه العناوين التسعة عن الأحكام الإلهيّة و معنى رفع الفعل و الشيء تشريعاً هو رفع كونه مورد الاعتبار المولويّ فعلاً أو تركاً، نظير قولهم: «لا صلاة قبل الزوال» أو «لا صيام في السفر» في غاية السقوط ضرورة أوّلاً: أنّ الرفع في ظاهر الكلام، مسند إلى الأشياء التكوينيّة، و كون المرفوع موضوعيّتها يحتاج إلى العناية، فإذا قيل: «إرفع الحجر عن سطح البيت» فليس معناه إلّا إزالته عنه، و هنا الأمر كذلك؛ و ثانياً: في الشبهات الحكميّة الكلّية، ليس الموضوع مندرجاً تحت الحكم القانونيّ العام حتى يخرج بالرفع، و قد عرفت أنّ المسند إليه هو الموضوع، و ثالثاً: في الثلاثة الأخيرة لميكن الأمر كذلك، و توهّم أنّ الإخراج باعتبار دخول الكلّ في الشرائع السابقة فاسد؛ لأنّه يلزم اللغز في الكلام، فإنّ المتكلم يريد عدم حرمة هذه الأمور في هذه الشريعة، فأفاد ذلك بأنّه أخرج عن موضوع الحرمة الثانية في الشرائع القديمة، فإنّه غير جائز، و لا سيّما في مثل كلامه$… و رابعاً: إن الظاهر أن المسند إليه هو النسيان و الخطأ و السهو المصدريّ، و حملها على المفعول يحتاج إلى المؤونة، و ليس النسيان أيضاً مورد الحكم حتى يخرج، إلّا بتخيّل كونه مورد الحكم الاحتياطي بإيجاب التحفّظ مع أن إيجاب التحفظ و إيجاب الاحتياط بمعناه المعقول- و هو تنجّز الواقع في هذه الصور- ليس من الحكم الذي يخرج عنه هذه الموارد، فلايكفي و لو كان بلحاظ الشرائع السابقة. نعم، الثلاث المشتملة على الموصول داخلة في الحكم القانونيّ، و قد أخرجت عنه و عن موضوعية ذلك الحكم العام»
[90]. مصباح الأصول (ط.ج): ج1، ص303: «و ثانياً: أنه لو سلمنا كون المراد من الرفع هو الرفع التكويني كان إسناده إلى التسعة حينئذ مجازياً لا حقيقياً و مجازياً».
[91]. في بحوث في علم الأصول، ج5، ص43: «الثان: ما ذكره [أي المحقق الأصفهاني! حسب ظاهر العبارة] من أنّ الشيء إذا شمل الحكم و الموضوع الخارجي معاً فقد أسند الرفع إلى المركب مما له الرفع و ما ليس له الرفع و المركب مما له و ما ليس له الرفع ليس له الرفع كما أنّ المركب من الذاتي و العرضي ليس بذاتي»
و في مصباح الأصول، ط. الموسوعة، ج1، ص302 : «ثانياً: أنّه لو سلّمنا كون المراد من الرفع هو الرفع التكويني كان إسناده إلى التسعة حينئذٍ مجازياً لا حقيقياً و مجازياً، و ذلك لأن إسناد الرفع إلى بعض المذكورات في الحديث و إن كان حقيقياً و إلى بعض آخر مجازياً، إلا أن ذلك بحسب اللب و التحليل، و الميزان في كون الإسناد حقيقياً أو مجازياً إنّما هو الإسناد الكلامي لا الإسناد التحليلي، و ليس في الحديث إلا إسناد واحد بحسب وحدة الجملة و هو إسناد الرفع إلى عنوان جامع بين جميع المذكورات، و هو عنوان التسعة، و حيث إنّ المفروض كون الإسناد إلى بعضه و هو الفعل مجازياً، فلا محالة كان الإسناد إلى مجموع التسعة مجازياً، إذ الإسناد الواحد إلى المجموع المركب- ممّا هو له و من غير ما هو له- إسناد إلى غير ما هو له، كما في قولنا: «الماء و الميزاب جاريان»، و عليه فإسناد الرفع إلى التسعة مجازي و لو على تقدير أن يكون المراد من الموصول في «ما لايعلمون» هو الحكم أو الأعم منه، فلايلزم أن يكون إسناد واحد حقيقياً و مجازياً».
و في آراؤنا في أصول الفقه: «و ثانياً: … يكون الإسناد مجازياً لأنّ المفروض أنّ الإسناد الكلامي واحد و حيث أنّ المسند إليه مركب من الخارج و الداخل فلايكون الإسناد حقيقياً بل يكون الإسناد إسناداً واحداً مجازياً فلاحظ».
أما الإیراد على الجواب الثاني ففي بحوث في علم الأصول: «فيه: أولاً- ما تقدم في مناقشة الكلام السابق من أنّ النسبتين متغايرتان سنخاً فلايكفي مجرد توسيع نطاق طرف النسبة للتعميم، فإنّ هذا إنّما يفيد في سنخ نسبة واحدة لا نسبتين متغايرتين بالهوية كالتغاير بين النسبة الابتدائية و الظرفية فأنّهما لايمكن جمعهما في واحد مهما وسعنا الطرف.
و ثانياً: أنّ الصياغة المذكورة غير سليمة، لأنّ المركب مما يقبل الرفع و ما لايقبل لو أريد به العام المجموعي -كما هو ظاهر كلمة المركب- قابل للرفع حقيقة برفع الجزء القابل منه فإن المركب ينتفي حقيقة بانتفاء جزئه و لهذا لابد من تعديله و التعبير عنه بالجامع بين ما يقبل و ما لايقبل فإنّه لايقبل الرفع حقيقةً لأن رفع الجامع لايكون إلا برفع تمام مصاديقه فإذا كان فيها ما لايقبل الرفع فالجامع أيضاً لايقبله».
[92]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص262 و (ط.ج): ج2، ص303 بنفس العبارة.
[93]. هنا أجوبة أخر ترجع لبعض الوجوه و بعضها راجعة لوجهين و تقسّم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما أجیب به عن الإشكال مع تسلیم كون استعمال الرفع في الموضوع مجازاً و في الحكم حقیقةً.
الجواب الأول:
في بحوث في علم الأصول، ج5، ص42: «قد أجيب على هذا الاعتراض بوجوه: الأول: ما ذكره المحقق الأصفهاني! من أنّه لا بأس بأن يكون إسناد واحد من ناحية حقيقياً و من ناحية أخرى مجازياً لأنّ التقابل بين الحقيقة و المجاز ليس تقابلاً حقيقياً كالأضداد بل بالاعتبار فلا مانع من صدقهما معاً في إسناد واحد باعتبارين فإسناد الرفع في الحديث إلى الشيء أي الموصول من حيث انطباقه على التكليف يكون حقيقياً و من حيث انطباقه على الموضوع الخارجي يكون عنائياً».
و هو إشارة إلى قول المحقق الإصفهاني في نهاية الدراية، ج4، ص50: «مع أن اتصاف الاسناد الواحد بوصفين متقابلين- إذا كانا اعتباريين- معقول … ».
الإیراد على الجواب الأول:
في بحوث في علم الأصول: «هذا الجواب غير تام، إذ ليس المقصود- بحسب الظاهر- أنّ هذا الإسناد في عالم التطبيق و الانحلال بلحاظ مصداقه الذي هو التكليف يكون حقيقياً و بلحاظ الموضوع الخارجي يكون عنائياً ليتّجه ما ذكر بل الملحوظ مرحلة الاستعمال و الإسناد الكلامي التي هي مرتبة أسبق من مرحلة انحلال المعنى على مصاديقه خارجاً حيث يقال في هذه المرتبة بأنّ الهيئة المستعملة في النسبة الإسنادية إما أن تكون مستعملة فيما هو له فيكون حقيقةً أو في غير ما هو له فيكون إسناداً عنائياً و استعمالاً مجازياً لأن النسبة إلى ما هو له غير النسبة إلى غير ما هو له سنخاً فلايمكن الاستعمال فيهما معاً لأنه من الاستعمال في أكثر من معنى و الجامع بينها غير موجود لتباين النسبتين سنخاً فلا بد من الاستعمال في إحداهما و طرف النسبة إلى ما هو له يستحيل أن يكون له إطلاق لغير التكليف كما هو واضح».
الجواب الثاني:
و في وسيلة الوصول إلى حقائق الأصول: «ثانياً: لو سلّمنا أنّ إسناد الرفع إلى الحكم الشرعي بلا عناية و إسناد إلى ما هو له، و إسناده إلى الموضوع الخارجي إسناد إلى غير ما هو له و بالعناية، لكن كليهما مشتركان في أنّ إسناد الفعل إليهما إسناد إلى نائب فاعله، و هو سنخ واحد من الإسناد، و إن كان أحدهما يحتاج إلى المصحّح دون الآخر بخلاف تعلّق الفعل بالمفعول المطلق و تعلقه بالمفعول، فإنّهما سنخان من الإسناد و التعلّق، و لا جامع بينهما إلّا مفهوم التعلّق، فإسناد الفعل إلى ما هو له و غيره مثل استعمال صيغة الأمر في القدر المشترك بين الوجوب النفسي و الوجوب الغيري، حيث إنّ الصيغة لمتستعمل إلّا في إيقاع النسبة الطلبية الإنشائية، و إن كان الداعي بالنسبة إلى الواجب النفسي هو مطلوبيّته لنفسه، و بالنسبة إلى الواجب الغيري هو مطلوبيته لغيره، كما أنّ اختلاف الدواعي بالنسبة إلى متعلّق الأمر لايوجب استعمال الصيغة في أكثر من معنى فكذلك اختلاف متعلّق الرفع باحتياج بعض الأفراد إلى المصحّح و عدم احتياج بعضه إلى المصحّح لايوجب استعمال اللفظ في أكثر من معنى، إذ اللفظ لميستعمل إلا في معنى واحد إيقاعي، و هو إسناد الفعل إلى نائب فاعله، و هما مشتركان فيه. و إن كان الإسناد إلى أحدهما حقيقي و بلا عناية و في الآخر إدعائي و بالعناية فإنّ هذا الاختلاف من قبيل اختلاف الدواعي، و إسناد الرفع إليهما كإسناد الإنبات إلى اللّه تعالى و إلى الربيع، فتأمّل هذا بناء على عدم التقدير … ».
و في أضواء و آراء، ج2، ص354: «إنّ المجازية بالنسبة إلى سائر الفقرات ليست في مدلول كلمة الرفع ليلزم استعماله في أكثر من معنى مثلاً، و إنّما المجازية في الإسناد و النسبة مع استعمال الرفع في معناه الحقيقي و حيث أنّ النسب متعددة بتعدّد الفقرات المعطوفة في الحديث فلا محذور أن يكون بعضها حقيقياً و بعضها عنائياً من قبيل ما إذا قيل: (أسأل زيداً و عمراً و القرية) أي: أهل القرية».
الجواب الثالث:
في أوثق الوسائل، ص259: «أوّلاً: أن دعوى ظهور الموصولة في إرادة الموضوع خاصة بقرينة السياق نظراً إلى اختصاص الخطإ و النسيان و الإكراه و عدم الطاقة و الاضطرار بالموضوع ممنوعة لصحّة إرادة الأعمّ منه و من الحكم في هذه الفقرات أيضاً… و ثانياً: منع لزوم استعمال الموصولة في معنيين على تقدير إرادة المعنى الأعمّ منها إذ المراد برفع الأمور التسعة… ليس رفع مؤاخذتها حتّى يلزم المحذور بل المراد هو عدم توجيه الخطاب على وجه يشمل صورة الخطاء و النسيان مثلاً أيضاً و حينئذٍ يقال: إنّ المراد برفع ما لايعلمون أيضاً هو عدم توجيه التكليف بحيث يشمل المجهولات حتّى يجب فيه الاحتياط و حينئذٍ يصحّ أن يقال: إنّ المراد بما لايعلمون أعمّ من الموضوع و الحكم المشتبهين و المراد برفعهما رفع حكمهما الظاهري بمعنى أنّه إذا اشتبه الخمر بالخلّ أو اشتبه حكم شرب التتن فالخبر يدل على عدم توجه الخطاب الواقعي بحيث يشمل صورة الجهل حتى يجب الاحتياط في الصورتين».
و في زبدة الأصول، ج4، ص334: «لو أريد به الجامع بينهما المنطبق على الفعل تارة و على الحكم أخرى و كان الاختلاف في المصداق دون المفهوم لايلزم المحذور المذكور»
الإیراد على الجواب الثالث:
في الأصول، ج2، ص370: «لايتوهّم أن وحدة النسبة لاتنافي تعدد المراد من المنسوب إليه لإمكان فرض الجامع للمتعدد ضرورة أن ذلك موقوف على لفظ قابل لأن يكون المراد به الجامع و لا ريب أنّ التسعة ليست جامعة للمذكورات، بل إنّما هي لفظ موضوع لمجموع هذا العدد، لا كالمبهمات حتى تكون قابلة لأن تصير قالباً لكلّ معنى يراد، فيقال: أريد منها الجامع بين الموضوع و الحكم و تستفاد الخصوصيات من دالّ آخر، بل لفظ التسعة قالب لمجموع تلك المعدودات، و في المعنى و المراد تابع لها».
القسم الثاني: الجواب بجعل الاستعمال فیهما حقیقیاً
الجواب الرابع:
في بحوث في علم الأصول: «الثالث: ما ذكره المحقق العراقي! من إرادة التكليف الأعم من الحكم الكلي و الجزئي و يكون الإسناد إليه حقيقياً لا محالة».
و في فوائد الاصول، ج3، ص345: «إنّ المرفوع في جميع الأشياء التسعة إنّما هو الحكم الشرعي، و إضافة الرفع في غير ما لايعلمون إلى الأفعال الخارجية إنّما هو لأجل أنّ الإكراه و الاضطرار و نحو ذلك إنّما يعرض الأفعال لا الأحكام- كما ذكر- و إلّا فالمرفوع فيها هو الحكم الشرعي، كما أنّ المرفوع في «ما لايعلمون» أيضاً هو الحكم الشرعي، و هو المراد من الموصول و الجامع بين الشبهات الحكمية و الموضوعية و مجرد اختلاف منشأ الجهل- و أنّه في الشبهات الحكمية إنّما يكون إجمال النص أو فقده أو تعارض النصين و في الشبهات الموضوعية يكون المنشأ اختلاط الأمور الخارجية- لايقتضي الاختلاف فيما أسند الرفع إليه، فإنّ الرفع قد أسند إلى عنوان ما لايعلم و لمكان أنّ الرفع التشريعي لابد و أن يرد على ما يكون قابلاً للوضع و الرفع الشرعي، فالمرفوع إنّما يكون هو الحكم الشرعي، سواء في ذلك الشبهات الحكمية و الموضوعية».
و في منتهى الأصول (ط.ج): ج2، ص241: «ليس هناك إلّا إسناد الرفع إلى الحكم فقط في كلتا الشبهتين الحكمية و الموضوعية. غاية الأمر أنّ منشأ الجهل و الاشتباه في الشبهة الحكمية هو فقد النصّ أو إجماله، و منشأ الشكّ و الاشتباه في الشبهة الموضوعية الأمور الخارجية، و إلّا ففي كلاهما يكون الشكّ في الحكم، و هو الجامع بينهما. و اختلاف منشأ الشكّ في الشبهتين لايوجب اختلاف الإسناد، فليس الإسناد إلّا إلى ما هو له في كلتا الشبهتين» و راجع أیضاً زبدة الأصول، ج4، ص334.
الإیراد على الجواب الرابع:
في بحوث في علم الأصول: «هذا الجواب و إن كان يحلّ المشكلة بلحاظ فقرة ما لايعلمون و عمومها للشبهتين إلّا أنّه يبقى الإشكال بلحاظ الفقرات الثمان الأخرى، فإنّ المراد من الموصول فيها لايكون إلّا الفعل الخارجي لأنّ ما يضطر إليه أو ما لايطيقونه هو الفعل لا الحكم الشرعي فيبقى الإشكال في كيفية الجمع بين إسناد الرفع إليها الذي لايكون إلا مجازياً و إسناده إلى ما لايعلمون بمعنى الحكم الذي يكون حقيقياً».
الجواب الخامس:
في دررالفوائد (ط.ج): ص441: «أسند الرفع إلى نفس ما لايعلمون بنحو من المسامحة… و على الثاني [أي عدم الالتزام بأنّ الأحكام الواقعية في حال الجهل باقية على فعليتها] إن كان المجهول حكماً يمكن رفعه حقيقة، بمعنى رفع فعليته في حال الجهل، و إما إن كان موضوعاً فلايقبل الرفع، فالمتعين جعل ما لايقبل الرفع مما يقبل الرفع إدعاء ثم نسبة الرفع إلى الجميع حقيقة».
و في تهذيب الأصول، ج3، ص28: «الحقّ في دفع المحذورين ما أفاده شيخنا العلّامة- أعلى اللَّه مقامه… فإنّ الأحكام الواقعية… إن كانت قابلة للرفع يكون الإسناد إلى ما لايعلمون إسناداً إلى ما هو له، و إلى غيره إلى غير ما هو له، و لايلزم محذور؛ لأن المتكلم ادّعى قابلية رفع ما لايقبل الرفع تكويناً، ثمّ أسند الرفع إلى جميعها حقيقة. و بعبارة أخرى: جعل كلّ العناوين بحسب الادعاء في رتبة واحدة و صفّ واحد في قبولها الرفع، و أسند الرفع إليها حقيقة، فلايلزم منه محذور».
و في أصول الفوائد الغروية لمیرزا محمدباقر كمرهاى، ج2، ص81: «أنّ الموصول بمعنى الشيء و إسناد الرفع إليه حقيقة فى الجميع و إن كان مصاديق الشيء مختلفة و بعضها هو الحكم و بعضها الموضوع باعتبار أثره و مصاديق الرفع مختلفة بعضها حقيقي و بعضها مجازي و تنزيلي كالفعل المضطر إليه فهو مصداق الرفع تنزيلاً باعتبار رفع أثره او حكمه كما تقول: «جئني بتسعة أسود» و تريد: الرجل الشجاع و المفترس و غيرهما لكن لا مجازاً في الألفاظ بل تنزيلاً في المصاديق كما قال السكاكى و يدفع توهم الجمع بين الإسناد الحقيقي و المجازي».
و في تسديد الأصول: «أولاً: أنّ الممتنع- على القول به- هو استعمال اللفظ و ما بحكمه في معنيين، و في المجاز العقلي و الإسناد إلى غير من هو له يستعمل لفظ المسند و المسند إليه و هيئة الجملة في نفس ما وضع كلّ منها له، و قوامه إنما هو بادّعاء عقلي تصوّر معه، مثلاً: أنّ الميزاب- في قولنا: جرى الميزاب- جار، و هذا الادّعاء تصرّف عقلي، و عليه فالجمع بين نوعين من الإسناد لايلزم منه استعمال الألفاظ إلا في معنى واحد، و وقوع ادّعاء عقلي في الإسناد إلى بعض المصاديق دون بعض مسألة لاتوجب تفاوتاً في نحو الاستعمال، و لا في المستعمل فيه، فإنها عمل و فعل عقلي لا بأس بتحققه بالنسبة إلى بعض المصاديق دون بعض آخر».
الجواب السادس:
في الأصول في علم الأصول، ج2، ص298: «إنّ الرفع و الوضع كما يسندان إلى الحكم كذلك يسندان إلى الموضوع ذي الحكم بلا عناية و تجوّز. نعم، مصحّح نسبتهما إلى الموضوع هو الرفع و الوضع لحكم ذلك الموضوع، بل مصحّح نسبتها إلى الحكم و الموضوع أمر واحد، و هو إلزام العقل بالإطاعة؛ فإن الثقل و المشقّة المصحّحة لصدقها هو من قبل إلزام العقل بالفعل. نعم، هذا المصحّح يكون في الموضوع بواسطتين، و في الحكم بواسطة واحدة و أمّا نفس النسبة ففي الكل على وجه الحقيقة، فقوله$: «رفع ما لايعلمون» يعمّ كل حكم أو موضوع لايعلم، و يكون رفعه في الحكم برفع نفسه و في الموضوع برفع حكمه الآتي من قبله الثقل على المكلف. و نظيره في ذلك ثقل الدّين و ثقل العيال؛ فإنه باعتبار الإلزام العرفي الثابت في موضوعهما بالوفاء للدين و القيام بنفقة العيال، كذلك ثقل كل موضوع لحكم شرعي أو عرفي هو باعتبار ذلك الحكم الشاقّ الثابت فيه، فأشبهت بذلك الثقيل الحسي، و استحقت لإطلاق هذا الإسم، و كان رفعها و وضعها برفع ما به الثقل و وضعه»
و في المختارات في الأصول، ج2، ص24: «أن للشارع رفع الموضوع كما أن له رفع الحكم. غاية الأمر إن ذلك أنّما كان بلحاظ الحكم فرفع الحكم إنّما له أولاً و بالذات و رفع الموضوع له ثانياً و بالعرض فإسناد الرفع إليهما على نحو واحد و لكن معنى رفع الحكم رفع نفسه و معنى رفع الموضوع رفع حكمه برفع موضوعه و إسناد الرفع إليهما على نحو واحد تشريعاً».
الجواب السابع:
في عمدة الأصول، ج5، ص418: «إن إسناد الرفع إلى ما لايعلمون و سائر الفقرات إسناد حقيقي و معه فلا حاجة إلى عناية و تقدير لأنّ المرفوع في جميع الفقرات هو الإلزام الشرعي في مرحلة الجهل و الإكراه و الاضطرار و النسيان و الخطأ و نحوها».
الجواب الثامن:
في منتقى الأصول: «كون إسناد الرفع إلى الموضوع حقيقة، ببيان أن الشوق و الإرادة من الصفات التعلقية التي لاتكاد تتحقق و تتصور بدون متعلق، و هكذا البعث، و كما أنّ للماهية وجوداً خارجياً و ذهنياً كذلك يكون للماهية بلحاظ عروض الشوق عليها وجود شوقي، فهي موجودة بوجود الشوق و عليه، فيصح إسناد الرفع إلى معروض الحكم حقيقة لانعدامه بما هو موضوع الحكم حقيقة بانعدام نفس الحكم، لأنّ له وجود بوجود الحكم نفسه».
الإیراد على الجواب الثامن:
في منتقى الأصول: «إن هذا الوجه مضافاً إلى دقته لايخلو عن إشكال فراجع مبحث تعلق الأحكام بالطبائع أو الأفراد لتعرف حقيقة الحال».
القسم الثالث: الجواب بجعل الاستعمال فیهما مجازیاً
الجواب التاسع:
في بحوث في علم الأصول: «الرابع: إن الرفع في الحديث عنائي على كل حال، إذ ليس المقصود منه الرفع الحقيقي الواقعي بل الظاهري و هو رفع بالعناية و المجاز على كل حال سواء أسند إلى التكليف أو إلى الموضوع الخارجي فالهيئة مستعملة في إسناد مجازي و المعنى أنّ الكلفة و التبعة المترتبة على ما لايعلمونه أو لايطيقونه مرفوع سواء كان حكماً أو فعلاً و موضوعاً خارجياً».
و في درر الفوائد (ط.ج): ص441: «أنّه تارة نلتزم بأن الأحكام الواقعية في حال الجهل لابد و أن تكون باقية على فعليتها، و أخرى لانلتزم بذلك، و على أى حال نقول: أسند الرفع إلى نفس ما لايعلمون بنحو من المسامحة، فعلى الأول المجهول سواء كان حكماً او موضوعاً ليس مرفوعاً حقيقة، أما الثاني فواضح، و أما الأول فلأن المفروض بقاء الأحكام الواقعية على فعليتها في حال الجهل، فلابد من إحدى المسامحتين: إمّا جعل المجهولات مما يقبل الرفع ادعاء، و إمّا حمل النسبة على التجوز».
و في تهذيب الأصول، ج3، ص28: «الحقّ في دفع المحذورين ما أفاده شيخنا العلّامة- أعلى اللَّه مقامه… فإن الأحكام الواقعية إن لمتكن قابلة للرفع و تكون باقية بفعليتها في حال الجهل يكون الإسناد في كلّ العناوين إسناداً إلى غير ما هو له».
و في وسيلة الوصول، ج1، ص579: «أوّلاً: أن نسبة الرفع إلى الحكم الشرعي- أيضاً- لابدّ أن تكون بالعناية، و ذلك لأن الحكم الشرعي و إن كان قابلاً للرفع و الوضع لأن رفعه و وضعه بيد الشارع إلا أن المرفوع في رتبة الجهل ليس هو الحكم الواقعي حقيقة، و إلا يلزم التصويب و اختصاص الحكم الواقعي بالعالم، و هو باطل، فلابد أن يكون المرفوع تبعات الحكم الواقعي أو فعليّته و آثاره».
و في تسديد الأصول: «ثانياً: أنّ الحكم و إن كان أمراً قابلاً للرفع حقيقة إلا أن رفع الحكم المجهول ليس إلّا رفعاً ادّعائياً. كيف؟ و لو كان حقيقياً لزم التصويب المجمع على خلافه، مع أنّه خلاف ظاهر نفس أدلّة الأصول في الشبهات الحكمية و الموضوعية، و عليه فإسناد الرفع إلى الحكم في الشبهة الحكمية و الفعل في الموضوعية مجاز عقلي و إسناد إلى غير ما هو له، بل الأمر كذلك لو أريد الحكم الجزئي المجهول في الشبهة الموضوعية؛ لما عرفت من أن ظاهر الأدلّة مثل قولهم(: «كلّ شيء حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه» أن الحرمة الواقعية ثابتة عند الجهل بها أيضاً، فلا محالة رفع الحرمة الجزئيّة المجهولة ليس رفعاً لها بالحقيقة، بل هو من قبيل الإسناد إلى غير من هو له و مجاز عقلي».
الجواب العاشر:
في الأصول، ج2، ص371: «إن رفع ما لايعلمون ما لميكن موجباً للاحتياط في الأحكام المجهولة لا امتنان فيه لأنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان بنفسها ترفع التكليف، بل إنّما الامتنان إنّما يكون إذا ارتفع موضوع حكم العقل، و ارتفاعه إنّما يكون بالبيان و لو بإيجاب الاحتياط. و بعبارة أخرى: إن الامتنان إنّما يكون إذا كان مقتضياً للتكليف أو العقاب، و أمّا إذا لميكن كذلك فلا امتنان، بل إنّما يكون رفع التكليف لعدم مقتضيه فحينئذٍ لا محيص أن يكون المراد من المرفوع هو إيجاب الاحتياط بالنسبة إلى الأحكام المجهولة حتى يتمّ الامتنان، فهذا أيضاً دليل آخر على أنّ الرفع إلى ما لايعلمون أيضاً يكون بالعناية، أي: أريد من ما لايعلمون الاحتياط فيه، فأطلق و استعمل فيه بلحاظ كون رفع ما لايعلمون منشأ لرفع الاحتياط حال الجهل. فانقدح ممّا ذكرنا أن إسناد الرفع إلى ما لايعلمون على كلّ حال يكون بالعناية، و لو أريد منه الحكم».
الجواب الحادي عشر:
في الأصول، ج2، ص371: «إن إسناد الرفع إلى ما لايعلمون أيضاً ليس حقيقياً. بيان ذلك إن الرفع أعمّ من أن يكون بمعنى نفسه، أو الأعمّ منه و من الدفع، لا إشكال في كونه بمعنى الإعدام، فهو نقيض للمعدوم، و الشيئان إنّما هما نقيضان في رتبة واحدة، و إلّا ففي رتبتين لا تناقض بينهما، بل قد يجتمعان فحينئذٍ نسبة الرفع إلى ما لايعلمون لايعقل أن تكون في رتبة نفس «ما لايعلمون» و هو الحكم الواقعي، بل يصير هو بمنزلة الموضوع للشكّ و الجهل، ثمّ هما يكونان موضوعين للرفع، فالرفع متأخّر عن ما لايعلمون بمرتبتين، فعلى هذا لايمكن أن يكون الرفع متعلّقاً بنفس ما لايعلمون و إلّا يلزم أن يكون الموضوع متأخّراً عن حكمه، فيبقى الحكم بلا موضوع، بل أن يكون المراد من الموصول و الفعل أي جملة ما لايعلمون هو الموضوع في الرتبة المتأخّرة عن ذاته، و هي رتبة الجهل به، فيكون إسناد الرفع إلى ما لايعلمون الظاهر في نفس الحكم الواقعي إسناداً تنزيليّاً بالعناية، فلايتوهّم أنّه لو كان المراد من ما لايعلمون هو الحكم يكون إسناد الرفع إليه حقيقيّاً، بخلاف سائر الفقرات».
الجواب الثاني عشر:
في أوثق الوسائل: «اللهمّ إلا أن يقال: إنّ المراد بها الموضوع خاصة إلا أن المراد به أعم من الموضوع المشتبه في نفسه كالمائع المردّد بين كونه خمراً و خلاً و من الموضوع المشتبه الحكم كشرب التتن».
الإیراد على هذا الوجه:
في أوثق الوسائل: «إنّه بعيد و منافر لسائر الفقرات».
[94]. أجود التقریرات، ج3، ص297: «الثانية: إن اتصاف الشيء بالرافعية أو الدافعية لايكون إلا بعد وجود المقتضي و منزلتها منزلة المانعية فما لم يكن هناك مقتض لوجود الشيء فلا دافع و لا رافع …».
فوائد الأُصول، ج3، ص336: «لايصح استعمال الرفع و كذا الدفع إلا بعد تحقق مقتضى الوجود … ».
[95]. قال فيه: «و يصح استعمال كل منهما في مورد الآخر بلا عناية».
[96]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص264 و (ط.ج): ج2، ص306 بنفس العبارة.
[97]. نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج4، ص 37: ثم إن مفاد حديث الرفع- سواء كان رفع فعلية التكليف بدواً، أو جعل عدم التكليف فعلاً- فهو بحسب لسانه رفع، و في اللب دفع، فإنه بحسب لسانه حيث إنه رفع الإلزام المجهول المفروض ثبوته، فهو رافع له، و قاطع لاستمراره، و بحسب اللب حيث إن إعدام الحكم الواقعي المجهول غير معقول، فهو دافع لفعليته مع وجود المقتضي لجعله فعلياً بإيصاله بجعل الاحتياط.
و لايخفى عليك أن مانعية شيء عن تأثير شيء، و إن لم تكن متقومة بسبق وجود أثر ذلك الشيء، و لا بعدمه إلا أن صدق عنوان الرافع و الدافع منوط بوجود الأثر في الأول و عدمه في الثاني.
كما في عنوان الحدوث و البقاء، فإن وجود شيء في زمان غير منوط بوجوده في السابق، و لا بعدمه فيه، إلا أن عنوان الحدوث و البقاء منوط بسبق العدم في الأول و سبق الوجود في الثاني.
فتوهّم عدم الفرق بين الرافع و الدافع، و صحة استعمال كل منهما مكان الآخر، لعدم تفاوت المانعية فاسد لما عرفت.
[98]. و احتمل هذا الوجه المحقّق الإصفهاني في الدراية، ج4، ص38: و يمكن أن يقال: إن الظاهر من الخبر ثبوت هذه الأحكام في الشريعة الالهية سابقاً، فنسبة الرفع و هو العدم بعد الوجود بلحاظ أصل ثبوته حقيقة في الشريعة الإلهية، فرفع عن هذه الأمة لا بملاحظة وجود المقتضي لفعليته في هذه الأمة حتى يكون متمحضاً في الدفع، و الله العالم.
[99]. مصباح الأصول (ط.ج): ج2، ص306: «و التحقيق أن يجاب عن هذا الإشكال بأحد وجهين: أحدهما أن يقال: إن إطلاق الرفع في الحديث الشريف إنما هو باعتبار ثبوت تلك الأحكام في الشرائع السابقة…».
[100]. مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ% أَنَّهُ قَالَ: «لاَ تُعَادُ اَلصَّلاَةُ إِلاَّ مِنْ خَمْسَةٍ اَلطَّهُورِ وَ اَلْوَقْتِ وَ اَلْقِبْلَةِ وَ اَلرُّكُوعِ وَ اَلسُّجُودِ». الفقیه، ج1، ص279، أبواب الصلاة، باب القبلة، ح857؛ التهذیب، ج2، ص152، كتاب الصلاة، الباب9، ح597: (مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ مِثْلَهُ)؛ الوسائل، ج6، ص389، كتاب الصلاة، الباب 28 من أبواب السجود، ح1.
[101]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص270 و (ط.ج): ج2، ص313: «و التحقيق أن يفصّل بين موارد الشكّ في التكاليف الاستقلالية، و موارد الشكّ في التكاليف الضمنية، و يلتزم بجريانها في الثانية دون الأولى…».
[102]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص266 و (ط.ج): ج2، ص308: «إن متعلق التكليف إن كان هو الكلي الساري كما في المحرّمات المنحلّة إلى أحكام عديدة بتعدد الأفراد…».
[103]. فوائد الأصول، ج3، ص353: «و من هنا يظهر: أنّه لايمكن تصحيح العبادة الفاقدة لبعض الأجزاء و الشرائط لنسيان أو إكراه و نحو ذلك بحديث الرفع، فإنّه لا محلّ لورود الرفع على السورة المنسية في الصلاة مثلاً لخلوّ صفحة الوجود عنها، مضافاً إلى أنّ الأثر المترتب على السورة ليس هو إلّا الإجزاء و صحّة العبادة، و مع الغضّ عن أنّ الإجزاء و الصحة ليست من الآثار الشرعية التي تقبل الوضع و الرفع لايمكن أن يكون رفع السورة بلحاظ رفع أثر الإجزاء و الصحّة، فإنّ ذلك يقتضي عدم الإجزاء و فساد العبادة، و هذا ينافي الامتنان و ينتج عكس المقصود… ».
[104]. لا توجد رواية بهذا اللّفظ و لكن يوجد ما في معناها في عامّة أبواب الصلاة في كتاب الصلاة من الوسائل و ما ورد في صلاة المضطرّ و المتّقي و المسلوس و المبطون و ما ورد في المستحاضة، ج2، ص373، ح5 : (عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ%: … لَا تَدَعُ الصَّلَاةَ عَلَى حَال).
[105]. راجع المجلد الثاني من هذا الکتاب، ص 355.
[106]. التوحيد، ص413، ح9؛ الكافي، ج1، ص164، كتاب التوحید، باب حجج الله على خلقه، ح3؛ الوسائل، ج27، ص163، كتاب القضاء، الباب 12 من أبواب صفات القاضي و ما يجوز أن يقضي به، ح33. و في تحف العقول، ص365 مثل ما في الكافي بزيادة لفظ «حَتَّى يُعَرِّفَهُمُوه» في آخره.
[107]. بحوث في علم الأصول، ج5، ص64: «و هذا خير دليل من السنة على البراءة في الشبهة الحكمية لتماميته دلالةً و سنداً».
[108]. فرائد الأصول، ج1، ص326: «فيه: أنّ الظاهر مما حجب الله تعالى علمه ما لم يبينه للعباد لا ما بيّنه و اختفى عليهم…».
كفایة الأُصول، 341: «ربما يشكل بمنع ظهوره في وضع ما لايعلم من التكليف بدعوى ظهوره في خصوص ما تعلّقت عنايته تعالى بمنع اطلاع العباد عليه لعدم أمر رسله بتبليغه حيث إنّه بدونه لما صحّ إسناد الحجب إليه تعالى».
[109]. الفقیه، ج4، ص75، كتاب الحدود، باب نوادر الحدود، ح5149؛ الوسائل، ج27، ص175، كتاب القضاء، الباب 12من أبواب صفات القاضي و ما يجوز أن يقضي به، ح68.
و مع اختلاف یسیر في الأمالي للطوسي، ص511، المجلس الثامن عشر، ح23 و نهج البلاغة، الحكمة 102.
[110]. مصباح الأصول، (ط.ق): ج2، ص271 و (ط.ج): ج2، ص314 بنفس العبارة.
[111]. الكافي، ج5، ص313، كتاب المعیشة، باب النوادر، ح40؛ التهذیب، ج7، ص226، كتاب التجارات، الباب21، ح9؛ الوسائل، ج17، ص89، كتاب التجارة، الباب 4 من أبواب ما یكتسب به، ح4.
[112]. عيون الأنظار، المجلد السادس، ص419.
[113]. قال الشيخ الصدوق! في المشيخة الفقيه، ج4، ص453: «و ما كان فيه عن الحسن بن محبوب فقد رويته عن محمّد بن موسى بن المتوكّل- رضي الله عنه- عن عبد الله بن جعفر الحميري؛ و سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب».
[114]. الكافي، ج5، ص313؛ كتاب المعیشة، باب النوادر، ح39:(رواه الكلیني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد و أحمد بن محمد عن ابن محبوب، باختلاف في الألفاظ)؛ الفقيه، ج3، 341، باب الصید و الذباحة، ح4208: (بزيادة «يكون» بعد «كل شيء»)؛ التهذیب، ج7، ص226، كتاب التجارات، الباب21، ح8: (رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب مثله)؛ و ج9، ص79، كتاب الصید و الذباحة، الباب2، ح72: (و رواه بإسناده عن الحسن بن محبوب مثله)؛ مستطرفات السرائر، ج3، ص594: (رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب باختلاف في الألفاظ) الوسائل، ج17، ص87، كتاب التجارة، الباب 4 من أبواب ما یكتسب به، ح1 و ج24، ص236، كتاب الأطعمة و الأشربة، الباب 64 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح2.
[115]. المحاسن، ج2، ص495، كتاب المأكل، باب الجبن، ح569: (رواه البرقي عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان مثله)؛ الكافي، ج6، ص339، كتاب الأطعمة، باب الجبن، ح1؛ الوسائل، ج25، ص118، كتاب الأطعمة و الأشربة، الباب 61 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح1.
[116]. المحاسن، ج2، ص496، كتاب المأكل، باب الجبن، ح601؛ الوسائل، ج25، ص19، كتاب الأطعمة و الأشربة، الباب 61 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح7.
[117]. ففي مصباح الأصول، (ط. المؤسسة)، ج1، ص: 316: «و معاوية بن عمار رواها عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر%، فيحتمل أن يكون المراد من بعض أصحابنا في كلام معاوية بن عمار هو عبد الله بن سليمان، فتكونان رواية واحدة».
[118].كفاية الأصول، ص341.
[119]. أجود التقریرات، ج3، ص320.
[120]. مناهج الأحكام، ص214: «أمّا الأخبار فكثیرة جدّاً و لكن الدالّ منها بین أصناف ستّة … السادس: الأخبار الواردة بأنّ كلّ شيء فیه حلال و حرام فهو لك حلال … وجه الاستدلال أنّها تحتمل معان ستّة … ثمّ نقول: لا شكّ في دلالة هذه الأحادیث على إباحة ما لا نصّ فیه على المعنیین الأولین و كذا على الثلاثة الأخیرة كما ظهر من أمثلتهما. نعم على المعنی الثالث لا دلالة علیها … و لكن الثالث أیضاً غیر صحیح … ثمّ إنّ بعض من عاصرناه قد خصّ هذه الأحادیث بما إذا كانت الشبهة في موضوع الحكم كما فعله الأخباریون و زعم أنّها لاتدلّ على حكم الشبهة في نفس الحكم إلّا إذا فسّرت بأحد المعنیین الأولین و ذكر أنّهما لایصحّان فیختصّ حینئذ بحكم الشبهة في الموضوع…».
[121]. أشار في فرائد الأصول (ط. النشر الإسلامي)، ج1، ص328 إلى قول السید صدر الدین فقال: «و تقريب الاستدلال كما في شرح الوافية أنّ معنى الحديث أنّ كلّ فعل من جملة الأفعال التي تتّصف بالحلّ و الحرمة و كذا كلّ عين مما يتعلّق به فعل المكلّف و يتّصف بالحلّ و الحرمة إذا لم يعلم الحكم الخاصّ به من الحلّ و الحرمة فهو حلال …».
قال في الوافية في أصول الفقه، ص180، الباب الرابع (من الأبواب الستّة) في الأدلّة العقلیة، القسم الثالث (من الأقسام السبعة) أصالة النفي و هو البراءة الأصلیة: «يعلم عدم تكليف المكلّف، إذا لم يجد الدليل بعد التتبّع، بما في نفس الأمر، لأنّه تكليف بما لا يطاق، و يدلّ عليه الأخبار الكثيرة … و في النوادر من المعيشة من الكافي، بسنده: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله%، قال: “كُلُّ شَيْءٍ يَكونُ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ أَبَداً حَتَّى تَعْرِفَ الْحَرَامَ مِنْهُ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَهُ” و بمعناه رواية أخرى عنه أيضاً»
و في نسخة خطّیة من شرح الوافیة (الموجودة في مكتبة ملّي برقم 949 و هي النسخة 64 من 131 نسخة ذكرت في فنخا، ج12، ص508 بعنوان حاشیة الوافیة) من ص164 إلى ص171 تعلیقة على خبر عبد الله بن سنان قال في ص165: «قوله%: «كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» یحتمل أحد معان ثلاثة:
الأوّل: أن كلّ فعل من جملة الأفعال التي تتّصف بالحلّ و الحرمة و كذا كلّ عین ممّا یتعلّق به فعل المكلّف و یتّصف بالحلّ و الحرمة إذا لم نعلم الحكم الخاصّ به من الحلّ أو الحرمة فهو لك حلال …
الثاني: أنّ كلّ شيء فیه الحلال و الحرام عندك بمعنی أنّك تقسمه إلى هذین و تحكم على أحدهما لا على التعیین و لاتدري المعیّن منهما فهو لك حلال.
الثالث: أنّ كلّ شيء له نوعان أو صنفان نصّ الشارع على أحدهما بالحلّ و على الآخر بالحرمة و اشتبه علیك اندراج هذا الفرد فلاتدري من أي النوعین أو الصنفین هو فهو لك حلال .. و المعنی الثالث أخصّ من الأوّلین و الثاني مرجعه إلى الأوّل و هو الذي ینفع القائلین بالإباحة و الثالث هو الذي حمل القائل بوجوب التوقّف و الاحتیاط هذه الأحادیث علیه قال الشیخ المحقّق المدقّق الحرّ العاملي! بعد نقله لتلك الأحادیث في الفصول المهمّة في أصول الأئمة…».
و قال في ص168: «ثمّ أقول: إنّك عرفت أنّ هذه الأحادیث یحتمل أحد المعاني المتقدّمة و دعوی ظهور الثالث منها تمسّكاً بأنّ الأمثلة ظاهرة فیه لا وجه لها ظاهراً إذ لایجب ذكر جمیع الأمثلة و لانمنع كون ما ذكر مثالاً أیضاً كما أنّ غیره مثال أیضاً و هل عدّ أحد من مخصّصات العامّ أو مقیّدات المطلق المثال؟ و أمّا لزوم كون المفروض كلّیاً منقسماً إلى الحلال و الحرام ففي المعنی الأوّل أیضاً كذلك».
[122]. فرائد الأصول، ج1، ص329: «الظاهر أنّ المراد بقوله% فيه حلال و حرام كونه منقسماً إليهما و وجود القسمين فيه بالفعل لا مردّداً بينهما…».
[123]. أجود التقریرات، ج3، ص323.
[124]. مصباح الأصول، (ط.ق): ج2، ص277 و (ط.ج): ج2، ص321.
[125]. مصباح الأصول، (ط.ق): ج2، ص277 و (ط.ج): ج2، ص320.
[126]. مصباح الأصول، (ط.ق): ج2، ص278 و (ط.ج): ج2، ص321.
[127]. نهایة الأفكار، ج3، ص233.
[128]. أجود التقریرات، ج3، ص320.
[129]. و في نهایة الدرایة، ج4، ص65: «و ظهورها [أي روایة مسعدة]- صدراً و ذيلاً- في الشبهة الموضوعية في غاية الوضوح و ليس من باب تخصيص الكلية بالمورد، بل الإمام% طبقها على الشبهة الموضوعية، بقوله%: و ذلك مثل …».
[130]. و في نهایة الدرایة، ج4، ص65: «ثمّ أكّدها أخيراً بما يختصّ بالشبهة الموضوعية، بقوله%: أو تقوم به البيّنة».
[131]. هي موثقة مسعدة بن صدقة تقدّمت في ص135.
[132]. مصباح الأصول، (ط.ق): ج2، ص278 و (ط.ج): ج2، ص322: «و الظاهر هو الاحتمال الأوّل، لأنّ كلمة ما الزمانية- حسب الاستقراء- لاتدخل على الفعل المضارع، و إنّما تدخل على الفعل الماضي لفظاً و معنى أو معنى فقط… ».
[133]. مصباح الأصول (طبع موسسة إحياء آثار السيد الخوئي)، ج1، ص323.
[134]. في المحاسن: «لَا تُدْرَى» و في التهذیب: «لَا نَدْرِي».
[135]. المحاسن، ج2، ص452، كتاب المأكل، باب نوادر في الطعام، ح365: (رواه في المحاسن عن النوفلي)؛ الكافي، ج6، ص297، كتاب الأطعمة، باب نوادر، ح2؛ التهذیب، ج9، ص99، كتاب الصید و الذبائح، الباب 2، ح167؛ الوسائل، ج3، ص493، كتاب الطهارة، الباب 50 من أبواب النجاسات، ، ح11؛ و ج24، ص90، كتاب الصید و الذبائح، الباب38 من أبواب الذبائح، ح2؛ و ج25، ص468، كتاب اللقطة، الباب 23، ح1.
[136]. في مصباح الأصول: «و مورد هذه الرواية خصوص اللّحم، و حكمه% بالإباحة إنّما هو من جهة كونه في أرض المسلمين فهي أمارة على التذكية، و إلّا كان مقتضى أصالة عدم التذكية حرمة أكله. و بالجملة: مورد هذه الرواية هي الشبهة الموضوعية القائمة فيها الأمارة على الحلية، فهي أجنبية عن المقام».
[137]. أجود التقریرات، ج3، ص315: «علی الأوّل یكون مفاده أنّ الناس من جهة الجهل بالحكم الشرعي یكونون في سعة فیعارض به أخبار الاحتیاط…».
[138]. أجود التقریرات، ج3، ص316: «الظاهر منها الزمانیة و كون لفظ السعة منوّنة لا مضافة».
[139]. مصباح الأصول، (ط.ق): ج2، ص278 و (ط.ج): ج2، ص322.
[140]. عوالي اللئالي، ج1، ص424؛ مستدرك وسائل الشیعة، ج18، ص20.
[141]. تحف العقول، ج1، ص155.
[142]. نهایة الدرایة، ج4، ص69.
[143]. تحف العقول في علم الأصول، ج1، ص158.
[144]. من لایحضره الفقیه، ج1، ص316، أبواب الصلاة و حدودها، باب وصف الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها، ح937؛ الوسائل، ج6، ص289، كتاب الصلاة، الباب 19 من أبواب القنوت، ح3 و ج27، ص173، كتاب القضاء، الباب 12 من أبواب صفات القاضي و ما يجوز أن يقضي به، ح67.
[145]. مضى القول في مرسلات الصدوق! في ص83 و سيأتي جملة منه في هامش ص181.
[146]. فرائد الأصول: «استدلّ به الصدوق! على جواز القنوت بالفارسية و استند إليه في أماليه حيث جعل إباحة الأشياء حتى يثبت الحظر من دين الإمامية».
قال الصدوق! في من لايحضره الفقيه، ج1، ص316: «وَ ذَكَرَ شَيْخُنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَايَجُوزُ الدُّعَاءُ فِي الْقُنُوتِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ يَقُولُ: إِنَّهُ يَجُوزُ، وَ الَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِقَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي% … وَ لَوْ لَمْ يَرِدْ هَذَا الْخَبَرُ لَكُنْتُ أُجِيزُهُ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ% أَنَّهُ قَالَ: «كُلُ شَيْءٍ مُطْلَقٌ حَتَّى يَرِدَ فِيهِ نَهْيٌ» وَ النَّهْيُ عَنِ الدُّعَاءِ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ غَيْرُ مَوْجُود».
و جاء في اعتقادات الإمامية للصدوق!، المطبوع ضمن مصنفات الشيخ المفيد!، ص114 «باب الاعتقاد في الحظر و الإباحة قال الشيخ- رضي الله عنه-: اعتقادنا في ذلك أنّ الأشياء كلّها مطلقة حتى يرد في شيء منها نهي».
و لم نعثر في أماليه بما يدل على ما نسب إليه في الفرائد.
[147]. فرائد الأصول، طبع النشر الإسلامي، ج1، ص327.
[148]. كفاية الأصول، ص342: «دلالته يتوقّف على عدم صدق الورود إلا بعد العلم أو ما بحكمه بالنهي عنه و إن صدر عن الشارع و وصل إلى غير واحد مع أنه ممنوع لوضوح صدقه على صدوره عنه سيما بعد بلوغه إلى غير واحد و قد خفي على من لم يعلم بصدوره…».
[149]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص280 و (ط.ج): ج2، ص324: «فيه: أن الورود و إن صح استعماله في الصدور، إلا أن المراد به في الرواية هو الوصول…».
[150]. أجود التقریرات، ج3، ص317: «الاستدلال به یتوقّف على كون المراد من لفظ الشيء الشيء المجهول…».
- مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص281 و (ط.ج): ج2، ص326 : «فيه من البعد ما لايخفى، لأنّ بيان الإطلاق الثابت عقلاً قبل ورود الشرع لغو لايصدر من الإمام%…».
[152]. حذفنا الوجوه من المتن و أدرجناها في التعلیقة خوفاً من التطویل: منها: أنّ الإباحة الظاهرية التي موضوعها المشكوك لايعقل أن تكون مغياة إلّا بالعلم، و لا محدّدة إلّا بعدمه، لا بأمر واقعي يجامع الشكّ، و إلّا لزم تخلّف الحكم عن موضوعه التامّ، فإنّه مع فرض كون الموضوع و هو المشكوك موجوداً يرتفع حكمه بصدور النهي المجامع مع الشكّ واقعاً.
فلايعقل أن تتقيّد إلّا بورود النهي على المكلّف، ليكون مساوقاً للعلم المرتفع به الشكّ.
و منها: أنّ الإباحة حيث إنّها مغياة بصدور النهي واقعاً، أو محدّدة بعدم صدوره واقعاً، و الغاية أو القيد مشكوك الحصول، فلا محالة يحتاج إلى أصالة عدم صدوره لفعلية الإباحة.
و سيجيء إن شاء الله تعالى أنّ الأصل إمّا أن يكون كافياً و إن لم يكن هذا الخبر، أو لايكون كافياً إن أردنا ترتيب مضمون الخبر عليه تعبّداً.
فعلى الأوّل لا استدلال بالخبر، و على الثاني لايصحّ الاستدلال به.
و منها: أنّ ظاهر الخبر جعل ورود النهي غاية رافعة للإباحة الظاهرية المفروضة، و مقتضى فرض عدم الحرمة إلّا بقاء هو فرض عدم الحرمة حدوثاً، و مقتضاه عدم الشكّ في الحلّية و الحرمة من أوّل الأمر، فما معنى جعل الإباحة الظاهرية المتقوّمة بالشكّ في الحلّية و الحرمة في فرض عدم الحرمة إلّا بقاء.
و ليست الغاية غاية للإباحة الإنشائية حتى يقال: إنّه يحتمل في فرض فعلية الشكّ صدور النهي واقعاً، بل غاية لحقيقة الإباحة الفعلية بفعلية موضوعها و هو المشكوك.
و حيث إنّ المفروض صدور النهي بقاء في مورد هذه الإباحة الفعلية، فلذا يرد المحذور المزبور.
فإن قلت: هذا إذا كان المراد صدور النهي منه تعالى شأنه. و أمّا إذا أريد صدوره من النبي$، أو الوصي% على طبق ما أوحي به أو ما ألهم به، فيندفع هذا المحذور، لتقوّم الشكّ باحتمال صدوره منه تعالى، و الغاية صدوره من النبي$ أو الوصي%، فيساوق رواية « مَا حَجَبَ اللَّهُ عِلْمَهُ عَنِ الْعِبَادِ».
فيفيد أنّ الحرمة الواقعية الموحى بها أو الملهم بها لاتؤاخذ لها، إلا بعد صدور النهي على طبقها من النبي$ أو الوصي%.
و هذا الاحتمال غير بعيد، إذ الظاهر من الصدور التدريجي بعد جعل الإباحة الظاهرية هو الصدور من النبي$ أو الوصي% في مقام تبليغ أحكامه تعالى تدريجاً.
فيكون إعطاء لقاعدة كلية، حتى يقوم النبي$ أو الوصي% في مقام التبليغ.
قلت: مضافاً إلى بقاء المحذورين الأوّلين على حالهما، أنّ الحكم الذي لم يقم النبي$ أو الوصي% بصدد تبليغه لا أثر لمقطوعه حتّى يحتاج إلى جعل الإباحة الظاهرية في مشكوكه.
و عدم الأثر واضح حتى من حيث وجوب الاحتياط، فإنّه لإيصال ما ثبت على المكلف و تنجيزه عليه، فلايعقل في موضوع عدم التبليغ، كما هو واضح.
[153]. نهایة الدرایة، ج4، ص72.
و راجع ما أفاده المحقق الخوئي! مصباح الأصول، ج3، ص323.
و توضيح ذلك ببیان بعض الأساطین تحف العقول، ص167:
و هو مشتمل على البحث في جهتين:
الأولى: في ما اقتضاه البرهان العقلي من كون الورود في الرواية بمعنی الوصول.
الثانية: في كون الورود بحسب معناه العرفي هو الوصول.
أمّا البرهان العقلي: فلأنّ الإطلاق في الرواية لايخلو أمره من وجوه ثلاثة: الأوّل: أن يكون المراد منه هو اللاحرجية العقلية، بمعنى إدراك العقل عدم كون الإنسان من حيث إنّه عبد ممنوع التصرّف مقبوض اليد في حركاته و سكناته في الأكل و الشرب و اللبس و المشي و التكلّم و سائر التصرّفات غير الضرورية بحيث يحتاج في أيّ تصرّف من التصرّفات إلى ترخيص من المولى، بل له التصرّفات في ما يحتاج في معاشه و يتوقّف عليه بقاؤه من المآكل و الملابس و المساكن و غيرها في مقابل من هو قائل بالحظر العقلي و كون الإنسان عبداً مملوكاً يحتاج في كلّ واحد من تصرفاته في معاشه و ما يتوقّف عليه بقاؤه إلى ترخيص من المولى.
الثاني: أن يكون المراد منه هو الإباحة الواقعية الشرعية الناشئة من كون الشيء لا اقتضاء له بالنسبة إلى الفعل و الترك لعدم كونه ذا مصلحة موجبة للأمر و ذا مفسدة موجبة للنهي.
الثالث: أن يكون المراد منه هو الإباحة الظاهرية المجعولة في ظرف الشكّ في الحكم الواقعي.
أما على الاحتمال الثاني فلايمكن أن يكون الورود بمعنى الصدور، حيث إن لازمه كون المراد من النهي فيه هو الحرمة الواقعية و هو باطل، لاستلزامه انقلاب ما هو اللاقتضاء ذاتاً إلى ما هوذا اقتضاء.
وكذا على الاحتمال الثالث، ضرورة أن الموضوع للإباحة الظاهرية هو الجهل بالحكم الواقعي فيكون ما هو الرافع له و غاية لزواله هو العلم بالحكم الواقعي و صدور النهي الواقعي لايوجب العلم به حتّى يصحّ كونه غاية للحكم الظاهري.
فتبيّن تعیّن احتمال كون الورود بمعنى الصدور إذا أريد من الإطلاق اللاحرجية العقلية، لأن اللاحرجية العقلية مغياة بورود النهي من الشارع، مع أن كون المراد من الإطلاق هو هذا المعنى ممنوع، أولاً: لكون هذا المعنى أمراً واضحاً غیر محتاج إلى البيان. إذ من الواضح أنّه لايمكن أن يكون الناس قبل البعثة ممنوعين من التصرّف في جميع حركاتهم من التكلم و الاستماع و المشي و النظر و مقبوضي اليد في مطلق ما يحتاجون إليه في معاشهم و بقاء حياتهم، و عليه يكون بيان الإمام% لهذا المعنى توضيحاً لما هو واضح لجميع الناس بحسب ما تدركه عقولهم.
و ثانياً: من جهة أن بيان هذا المعنى على فرض غمض العين عمّا ذكر فهو إنّما يناسب أول البعثة قبل صدور الأحكام لا من الإمام الصادق% و بعد إكمال الشريعة و صدور ما هو الحلال و الحرام.
و ثالثاً: بملاحظة كون شأن الإمام% حيث إنه في مقام الشارعية هو بيان الأحكام الشرعيّة و تبليغها إلى المكلّفين لا الإرشاد لما هو من المدركات العقلية و على هذا يتعين كون الورود بمعنى الوصول لا الصدور بحسب ما هو مقتضى البرهان في مقام الثبوت.
و أمّا بحسب ما هو المتفاهم عرفاً منه في مقام الإثبات: فالتحقيق كون الورود بمعنى الوصول عرفاً لا الصدور، حيث إن مفهومه من المفاهيم المتضايفة لاحتياج الوارد إلى من يرد عليه و لمّا كان الوارد هو النهي يكون من يرد عليه هو المكلّف و لا معنى للنهي الوارد على المكلّف إلّا وصوله إليه.
فتحصّل أن مقتضی مقام الإثبات و الثبوت كليهما كون الورود في الحديث هو الوصول و يكون الحديث تامّ الدلالة على البراءة كما ذهب إليه الشيخ.
[154]. تحف العقول في علم الأصول، ص169.
[155]. سورة آل عمران(3): 42.
[156]. و في الجهة السندية لمرسلة الصدوق!، قال العلامة الحلي! في مختلف الشيعة، ج2، ص134 – 135: «مسألة: المشهور تحريم أخذ الأجرة على الأذان… لنا: إنّها عبادة دينية فلايجوز أخذ الأجرة عليها، و ما رواه ابن بابويه قال: رأى أميرالمؤمنين %رجلاً… لايقال: هذا الحديث مرسل فلايكون حجّة… لأنّا نقول: أمّا الأوّل: فلأنّه و إن كان مرسلاً لكن الشيخ أبا جعفر بن بابويه من أكابر علمائنا و هو مشهور بالصدق و الثقة و الفقه، و الظاهر من حاله أنّه لايرسل إلا مع غلبة ظنّه بصحة الرواية فحصل الظن بهذه الرواية فتعين العمل بها، خصوصاً و قد اعتضدت بفتوى الأصحاب إلا من شذّ».
و الشيخ البهائي! في الحبل المتين (ط.ق): ص11 و 12: «إنّ الرواية الأولى من مراسيل الصدوق) في كتاب من لايحضره الفقيه و قد ذكر) أنّ ما أورده فيه فهو حاكم بصحّته و معتقداً به حجّة فيما بينه و بين الله تعالى فينبغي أن لايقصر مراسيله عن مراسيل ابن أبي عمير و إن تعامل معاملتها و لاتطرح بمجرد الإرسال»
و السيد الداماد! في الرواشح السماوية، ص254 – 256: «… و احتجّوا عليه أيضاً بأنّه لو لميكن الوسط الساقط عدلاً عند المرسل، لما ساغ له إسناد الحديث إلى المعصوم، و كان جزمه بالإسناد الموهم لسماعه إياه من عدل تدليس في الرواية، و هو بعيد من أئمة النقل. و إنّما يتم إذا ما كان الإرسال بالإسقاط رأساً و الإسناد جزماً كما لو قال المرسل: قال النبي$ أو قال الإمام% و ذلك مثل قول الصدوق عروة الإسلام رضي الله تعالى عنه في الفقيه: قال%: «الماء يطهر و لايطهر» إذ مفاده الجزم أو الظن بصدور الحديث عن المعصوم، فيجب أن يكون الوسائط عدولاً في ظنه، و إلا كان الحكم الجازم بالإسناد هادماً لجلالته و عدالته، بخلاف ما لو التزم العنعنة و أبهم الواسطة كقوله: عن رجل أو عن صاحب لي أو عن بعض أصحابه مثلاً … .
و المجلسي الأوّل! في لوامع صاحبقراني، ج1، ص105: و هم چنين است احاديث مرسل محمد بن يعقوب كلينى، و محمّد بن بابويه قمى بلكه جميع احاديث ايشان كه در كافى و من لا يحضر است همه را صحيح مىتوان گفت چون شهادت اين دو شيخ بزرگوار كمتر از شهادت اصحاب رجال نيست يقيناً بلكه بهتر است از جهت آن كه ايشان كه صحيح مىگويند معنى آن است كه يقين كه حضرات ائمه معصومين صلوات الله عليهم فرمودهاند به وجوهى كه ايشان را يقين حاصل شده است، و متأخران كه صحيح مىگويند معنى آن آنست كه جماعتى كه روايت كردهاند ثقه بودهاند».
و قال المحدّث البحراني! في الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج4، ص197: «إنّ المعتمد في الاستدلال إنّما هو الرواية المسندة في الكافي و إن كانت هذه المرسلة أيضاً صالحة للدلالة لأنّ إرسال الصدوق لايقصر عن مثل إبن أبي عمير و غيره ممن عملوا على مراسيلهم»
و في خاتمة المستدرك، ج5، ص499 – 502: «إنّما الكلام في سائر مراسيله فإنّ ظاهر المشهور إجراء حكم غيرها عليها، و لكن نصّ جماعة بامتيازها عن غيرها:
قال الفاضل التفريشي في شرحه [أي التعلیقة السجادیة] – بعد الكلام المتقدم – و الاعتماد على مراسيله ينبغي أن لايقصر عن الاعتماد على مسانيده حيث حكم بصحة الكل، و قد قيل في ترجيح المرسل: أنّ قول العدل: قال رسول الله$، يشعر باذعانه بمضمون الخبر، بخلاف ما لو قال: حدثني فلان. و أولوية مرسل العدل – العارف عما في مسنده ضعف – ظاهرة دون ما سنده ضعيف، إذ لا حجية في إذعان العدل و لا إيراث ظن بصدور الخبر عن المعصوم بخلاف ما لو روى…
و قال الشيخ بهاء الملة و الدين في شرح الفقيه – عند قول المصنف: «و قال الصادق جعفر بن محمد’: كلّ ماء طاهر حتى تعلم أنّه قذر»- ما لفظه: هذا الحديث كتاليه من مراسيل المؤلف)، و هي كثيرة في هذا الكتاب تزيد على ثلث الأحاديث الموردة فيه، و ينبغي أن لايقصر الاعتماد عليها من الاعتماد على مسانيده من حيث تشريكه بين النوعين في كونه مما يفتى به و يحكم بصحته و يعتقد أنّه حجة بينه و بين ربه سبحانه. بل ذهب جماعة من الأصولين إلى ترجيح مرسل العدل على مسانيده، محتجين بأنّ قول العدل: قال رسول الله$ كذا، يشعر بإذعانه بمضمون الخبر، بخلاف ما لو قال: حدثني فلان، عن فلان، أنّه قال$ كذا، و قد جعل أصحابنا قدس الله أرواحهم مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده في الاعتماد عليها، لما علموا من عادته أنه لايرسل إلا عن ثقة فجعل مراسيل المؤلف طاب ثراه كمراسيل ابن أبي عمير ظاهراً…
و قال المحقق الشيخ سليمان البحراني في البلغة في جملة كلام له في اعتبار روايات الفقيه: بل رأيت جمعاً من الأصحاب يصفون مراسيله بالصحة، و يقولون أنّها لاتقصر عن مراسيل ابن أبي عمير، منهم: العلامة في المختلف و الشهيد في شرح الإرشاد و السيد المحقق الداماد قدّس الله أرواحهم انتهى».
و في الرسائل الرجالية لأبي المعالي الكلباسي!، ج3، ص473: «لا إشكال في اعتبار عموم مراسيله لو قلنا بعموم اعتبار ما في الفقيه، و إلا فالقول باعتبار مراسيله إن كان الإرسال بحذف الواسطة و لاسيما لو كان بإرسال الفعل أو التقرير لايخلو عن قوة. و أما قوله: ” و في خبر آخر كذا ” فيمكن الإشكال في اعتباره»
و في كتاب الصلاة، تقرير بحث النائيني! للكاظمي!، ج2، ص262: «و أما ما أرسله بقوله ” و روي ” فلا اعتبار به، لأنّه يستشم من التعبير بقوله ” و قد روي ” أنّ الرواية لمتثبت عنده و إلا كان حق التعبير أن يرسلها إلى الإمام% بقوله: و قال الصادق%، أو عن الصادق% و ما شابه ذلك من مراسيل الصدوق حيث حكي عنه أنّه يسقط الأسانيد و يروي عن الإمام مرسلاً و من هنا كانت مراسيله معتبرة».
و قال بعض الأعاظم! في كتاب البيع، ج2، ص628: «إن مرسلات الصدوق على قسمين:أحدهما: ما أرسله و نسبه إلى المعصوم% بنحو الجزم، كقوله: قال أمير المؤمنين% كذا. و ثانيهما ما قال: روي عنه% مثلاً. و القسم الأول من المراسيل هي المعتمدة المقبولة».
و في كتاب الطهارة (ط.ج): ج1، ص81: « فإنّ هذا النحو من الإرسال و النسبة إلى الصادق% علىٰ نحو الجزم من مثل الصدوق، لايصحّ إلّا مع علمه بصدور الرواية، و معلوم من طريقته أنّ النسبة ليست من الاجتهاد، فهو إمّا اتّكل علىٰ مرسلة ابن أبي عمير، فحكمه علىٰ نحو الجزم يوجب الوثوق بها، و إمّا جزم بصدورها مستقلاً، و هو لايقصر عن توثيق الوسائط بالنظر إلىٰ طريقته». و في ج3، ص156 و 157: «بل المناقشة في مرسلة الصدوق أيضاً لاتخلو من إشكال؛ بعد انتساب الرواية جزماً إلى الصادق% و هو غير ممكن من مثل الصدوق إلّا مع وثاقة رواتها، أو محفوفيّتها بقرائن توجب جزمه بالصدور، فيمكن أن يجعل ذلك توثيقاً منه للرجلين و لو نوقش فيه فلا أقلّ من كونها معتمدة عنده، و مجزوماً بها، سيّما مع ما في أوّل «الفقيه» من الضمان».
و في كتاب الخلل في الصلاة، ص63: «و نحوها مرسلة الفقيه التي هي ملحقة بالصحاح».
و في أجوبة السائلين (للفاضل) ص135: «س: هل تعتمدون على مراسيل الصدوق الجزمية كقوله: «قال الصادق%؟ ج: بل أعتمد عليها و أفصّل في مراسيله»
و نُسب هذا القول إلى بحر العلوم! أیضاً ففي الفوائد الرجالية، ج3، ص300: «من الأصحاب من يذهب إلى ترجيح أحاديث الفقيه على غيره من الكتب الأربعة نظراً إلى زيادة حفظ الصدوق) و حسن ضبطه و تثبّته في الرواية، و تأخر كتابه عن الكافي و ضمانه فيه لصحة ما يورده، و أنّه لميقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، و إنما يورد فيه ما يفتي به و يحكم بصحته، و يعتقد أنّه حجة بينه و بين ربه و بهذا الاعتبار قيل: إنّ مراسيل الصدوق في الفقيه كمراسيل ابن أبي عمير في الحجية و الاعتبار و إنّ هذه المزية من خواص هذا الكتاب، لاتوجد في غيره من كتب الأصحاب و الخوض في هذه الفروع تسليم للأصل من الجميع»
و لكن يخالف النسبة ما في مصابيح الأحكام، ج1، ص196: «و كذا الكلام في رواية علي بن أبي حمزة البطائني… و مرسلة الصدوق [في الفقیه و سئل أي الصادق% عن غدیر فیه جیفة فقال: …] و تزيد هذه الروايات أنّها بين ضعيفة و مرسلة فلاتصلح للمعارضة».
[157]. أجود التقریرات، ج3، ص323.
[158]. مصباح الأصول، (ط.ق): ج2، ص282 (ط.ج): ج2، ص327: «ثانياً: أن هذا الاتفاق إنما هو على الكبرى، و لاتترتب عليه ثمرة مع عدم ثبوت الصغرى، و لا اتفاق عليها …».
[159]. أجود التقریرات، ج3، ص323: «أمّا الإجماع فإن كان المراد منه هو الإجماع على البراءة الشرعیة في الشبهة التحریمیة فلا إشكال في عدم ثبوته…».
[160]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص289 (ط.ج): ج2، ص334: «فيه: أنّ المستصحب إنّما هو العدم المنتسب إلى الشارع بعد ورود الشرع لما عرفت من أنّ جعل الأحكام كان تدريجياً…».
[161]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص290 (ط.ج): ج2، ص335: «فيه: أولاً: النقض باستصحاب عدم النسخ و بقاء الجعل الذي لا خلاف في جريانه … و ثانياً: أنّ الإنشاء هو إبراز أمر اعتباري على ما ذكرناه غير مرّة…».
[162]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص291 (ط.ج): ج2، ص337.
[163]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص291 (ط.ج): ج2، ص337: «يكون الشك في خمرية مائع مستلزماً للشك في جعل الحرمة له».
[164]. مصباح الأُصول، (ط.ق): ج2، ص291 (ط.ج): ج2، ص336.
[165]. فرائد الأصول (ط. النشر الإسلامي)، ج1، ص337: «و فيه: أنّ الاستدلال به مبني على اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ فيدخل أصل البراءة بذلك في الأمارات الدالة على الحكم الواقعي دون الأصول المثبتة للأحكام الظاهرية…».
[166]. مصباح الأصول (ط.ق): ج1، ص293 ، (ط.ج): ج2، ص339: «و فيه: أولاً: أنّ استصحاب عدم المنع كاف في القطع بعدم العقاب إذ العقاب من لوازم المنع عن الفعل و تحريمه، فمع إحراز عدم المنع عن الفعل بالاستصحاب نقطع بعدم العقاب، بلا حاجة إلى إحراز الرخصة التي هي من لوازم عدم المنع ليكون مثبتاً …
و ثانياً: أنّه يمكن جريان الاستصحاب في نفس الترخيص الشرعي المتيقن ثبوته قبل البلوغ، لحديث رفع القلم و أمثاله، فيحصل منه القطع بعدم العقاب بلا واسطة شيء آخر».