مستثنیات حرمة الربا

فهرست مطلب

[سلسله دروس فقه اقتصاد / استاد محقق حاج شیخ محمد علی بهبهانی]

مقدمة:

قد اختلف الأعلام في استثناء بعض الأمور من الربا، فهنا نظریتان:

النظریة الأُولى:

قد اشتهر بین الفقهاء استثناء موارد أربعة من حرمة الربا:
الأول: بین الوالد و ولده؛ الثاني: بين الرجل و زوجته ؛ الثالث: بين المولى و مملوكه ؛ الرابع: بين المسلم والحربي في ما إذا أخذ المسلم الربا من الحربي دون العكس. أمّا المسلم و الذمي فالربا بینهما لیس من المستثنیات عند المشهور؛ لضعف مستند عدم ثبوت الربا في هذا المورد عند المشهور.

النظریة الثانیة:

بعض الأعلام استشكلوا نظریة المشهور؛ مثل المحقق الأردبیلي(قدس سره) و المحقق الخوئي(قدس سره)، و مستندهم في ذلك ضعف الروایات الواردة على مبنی هذا البعض.

یلاحظ علیها:
أنّ التحقیق صحّة أسناد الروایات المذكورة؛ كما سیأتی بیانها.

التحقیق حول الروایات الواردة في المستثنیات:

الروایة الأُولى: صحیحة زُرارة

[مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوب‏] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يس الضَّرِيرِ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(علیه السلام) قَالَ: لَيْسَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَ وَلَدِهِ وَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَ لَا بَيْنَ أَهْلِهِ رِبًا إِنَّمَا الرِّبَا فِيمَا بَيْنَكَ‏ وَ بَيْنَ‏ مَا لَا تَمْلِكُ قُلْتُ فَالْمُشْرِكُونَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ رِبًا قَالَ نَعَمْ قَالَ قُلْتُ: فَإِنَّهُمْ مَمَالِيكُ فَقَالَ إِنَّكَ لَسْتَ تَمْلِكُهُمْ إِنَّمَا تَمْلِكُهُمْ مَعَ غَيْرِكَ أَنْتَ وَ غَيْرُكَ فِيهِمْ سَوَاءٌ فَالَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ عَبْدَكَ لَيْسَ مِثْلَ عَبْدِكَ وَ عَبْدِ غَيْرِكَ. ((الكافي، ج‏5، ص147، کتاب المعیشة، باب أنه لیس بین الرجل و بین ولده و ما یملکه ربا، ح3؛ تهذيب الأحكام، ج‏7، ص17، کتاب التجارات، باب1، ح75(رواه بإسناده عن أحمد بن محمد بن عیسی عن یاسین الضریر عن حریز عن زرارة و محمد بن مسلم)؛ الاستبصار، ج‏3، ص 71، کتاب البیوع، باب43، ح2(رواه مثله إلا أنه قال: لِأَنَّ عَبْدَكَ لَيْسَ عَبْدَ غَيْرِك)‏؛ وسائل الشيعة، ج‏18، ص135، کتاب التجارة، أبواب الربا، باب7، ح3.))

أما السند: فإنّ محمد بن یحیی العطار من أجلّاء ثقات الإمامیة و محمد بن أحمد بن یحیى بن عمران الأشعری من أجلّاء ثقات الإمامیة و هو صاحب نوادر الحكمة((في الذریعة، ج24، ص346 «نوادر الحکمة … أورد الطوسي فهرسها أولها کتاب التوحید، الوضوء، الصلاة، الزکاة … و قال إنّها 22 کتاباً ثمّ ذکره أسناده إلیه بطرق متعددة و قال النجاشي: کان محمد بن الحسن بن الولید یستثني من روایات محمد بن أحمد بعضاً منها سماها مفصلاً ثمّ نقل عن ابن نوح و ابن بابویه تأییدهما کل هذا الاستثناء أو بعضها کما هو معروف في الکتب الرجالیة».)) و الحق وثاقة من روی عنه في النوادر إلا المعدود ممّن استثني عن رجاله، و محمد بن عیسى بن عبید الیقطیني من ثقاتنا الأجلّاء و أمّا یاسین الضریر فقد اختلف فیه، فقد قیل بضعفه لعدم ورود التوثیق في شأنه، لكن مقتضی التحقیق توثیقه فإنه من رجال صاحب النوادر و لم یُستثنَ و نحن نعتمد على توثیقه العامّ، بل إنّه موثق بتوثیق الشیخ الصدوق(قدس سره) و أستاذه أبي جعفر محمد بن الحسن بن الولید(قدس سره) و توثیق أبي العباس بن نوح(قدس سره) أیضاً، و حریز بن عبد الله السجستاني من أجلّاء ثقاتنا و زرارة بن أعین من أصحاب الإجماع. فالروایة صحیحة.

الروایة الثانیة: الخبر الأول لعمرو بن جمیع

[مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ] عَنْ حُمَيْدِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْخَشَّابِ عَنِ ابْنِ بَقَّاحٍ‏(( في نسخة من التهذيب ابن رياح( هامش المخطوط) و في التهذيب ابن رباح.)) عَنْ مُعَاذِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام) قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(علیه السلام)‏ لَيْسَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَ وَلَدِهِ‏ رِبًا وَ لَيْسَ‏ بَيْنَ‏ السَّيِّدِ وَ عَبْدِهِ رِبًا. ((الكافي، ج‏5، ص147، کتاب المعیشة، باب أنه لیس بین الرجل و بین ولده و ما یملکه ربا، ح1؛تهذيب الأحكام، ج‏7، ص18، کتاب التجارات، باب1، ح76؛ من لا يحضره الفقيه، ج‏3، ص 277، کتاب المعیشة، باب الربا، ح4001(رواه مرسلاً)؛ وسائل الشيعة، ج‏18، ص135، کتاب التجارة، أبواب الربا، باب7، ح1.))

الروایة الثالثة: الخبر الثاني لعمرو بن جمیع

[مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ] عَنْ حُمَيْدِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْخَشَّابِ عَنِ ابْنِ بَقَّاحٍ‏ عَنْ مُعَاذِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام) قَال‏: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ أَهْلِ حَرْبِنَا رِباً نَأْخُذُ مِنْهُمْ‏ أَلْفَ‏ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ وَ نَأْخُذُ مِنْهُمْ وَ لَا نُعْطِيهِمْ. ((الكافي، ج‏5، ص147، کتاب المعیشة، باب أنه لیس بین الرجل و بین ولده و ما یملکه ربا، ح2؛ من لايحضره الفقيه، ج‏3، ص 278، کتاب المعیشة، باب الربا، ح4000(رواه مرسلا)؛ تهذيب الأحكام، ج‏7، ص 18، کتاب التجارات، باب1، ح77(رواه بإسناده عن محمد بن یعقوب)؛ وسائل الشيعة، ج‏18، ص 136، کتاب التجارة، أبواب الربا، باب7، ح2.))

أمّا السند: فإنّ حمید بن زیاد الكوفي من ثقات الواقفیة، و الحسن بن موسى الخشّاب من أجلاء ثقات الإمامیة، و الحسن بن علي بن بقّاح من ثقات الإمامیة، و معاذ بن ثابت الجوهري أیضاً من ثقات الإمامیة.

و أمّا عمرو بن جمیع فقد ضعّفه الشیخ(قدس سره) في رجاله أولاً عند ذكر أصحاب الإمام الباقر(علیه السلام) و قال إنّه من البتریة و ذكره ثانیاً عند ذكر أصحاب الإمام الصادق(علیه السلام) و قال في حقّه: قاضي الري ضعیف الحدیث، و ضعّفه النجاشي أیضاً و قال إنّه قاضي الري.

لكن له توثیقات عامّة:

أولاً: إنّه ممّن روی عنه بعض مشایخ الثقات، فإنّ ابن أبي عمیر ممّن روی عنه تارة بلا واسطة كما في معاني الأخبار((معاني الأخبار، الشیخ الصدوق، ص 300.)) و أُخری مع الواسطة.

ثانیاً: إنّه ممّن روی عنه بعض أصحاب الإجماع، مثل یونس بن عبد الرحمن و عثمان بن عیسی، و هما من أجلّاء الطائفة، فإنّ مبنی کون كثرة نقل الأجلّاء من أدلّة الوثاقة الذي مال إلیه بعض الأعلام مثل الأستاذ المحقق الشبیري الزنجاني مدّظلّه یقتضي الاعتماد علیه و قد اخترنا هذا المبنی في التوثیقات الرجالیّة.

ونحن نقدّم توثیق أمثال ابن أبي عمیر الذی هو من أركان رواة الأئمّة و أعیان الفقهاء في عصره على تضعیف من وقع في الطبقات المتأخّرة؛ مثل الشیخ الطوسي(قدس سره) و الشیخ النجاشي(قدس سره)؛ كیف و إنّهم أخذوا تلك التوثیقات من ابن عقدة و أمثالهم من الأعاظم الذین لم یشهدوا هؤلاء الرواة المبحوث عنهم.

مع أنّ الشیخ الصدوق(قدس سره) أیضاً اعتمد على هذا السند في من لا یحضره الفقیه و قال: «و ما كان فيه عن عَمرو بن جُمَيع فقد رويتُه عن أبي رحمه الله عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن الحسن بن علي بن يوسف، عن معاذ الجوهري، عن عمرو بن جميع.»

هذا كلّه مضافاً إلى أنّ الروایة موجودة في الكافي، فهي حجّةٌ على مبنی المحقق النائیني(قدس سره) و قد اختار الأستاذ المحقق البهجة(قدس سره) أیضاً حجّیة روایات الكافي و من لا یحضره الفقیه ما لم تعارضها روایات أُخر و قد تقدّم أنّ ما ذهبا إلیه هو المختار عندنا.

الروایة الرابعة: مرسلة الصدوق(قدس سره)

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَال: قَالَ الصَّادِقُ(علیه السلام)‏ لَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَ بَيْنَ الذِّمِّيِ‏ رِبًا وَ لَا بَيْنَ‏ الْمَرْأَةِ وَ بَيْنَ زَوْجِهَا رِبًا. ((من لا يحضـره الفقيه، ج‏3، ص 278، کتاب المعیشة، باب الربا، ح4002؛ وسائل الشيعة، ج‏18، ص136، کتاب التجارة، أبواب الربا، باب7، ح5.))

أمّا السند: فقد اختلف الأعلام في مرسلات الصدوق(قدس سره)، فقال بعضهم بعدم حجّیتها مطلقاً؛ مثل المحقق الخوئي(قدس سره)؛ و قال بعضهم بحجّیتها مطلقاً؛ مثل المحقق النائیني(قدس سره) و الأستاذ المحقق البهجة(قدس سره)؛ و فصّل هنا بعض الأساطین من أساتیذنا حفظه الله تعالى بین المرسلات التی نقلت بلفظ «رُوِيَ» فقالوا بعدم حجّیتها و بین ما نقلت بلفظ «قال» فقالوا بحجّیتها.

و المختار هو القول الثاني الذي ذهب إلیه المحقق النائیني(قدس سره).

الروایة الخامسة: صحیحة علي بن جعفر(علیه السلام)

[مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن‏ بِإِسْنَادِهِ] عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ(علیه السلام) أَنَّهُ سَأَلَ أَخَاهُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ(علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ أَعْطَى عَبْدَهُ عَشَرةَ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْعَبْدُ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ‏ أَيَحِلُ‏ ذَلِكَ‏ قَالَ لَا بَأْسَ. ((من لا يحضره الفقيه، ج‏3، ص 281، کتاب المعیشة، باب الربا، ح4016؛ وسائل الشيعة، ج‏18، ص136، کتاب التجارة، أبواب الربا، باب7، ح6.))
عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ(علیه السلام) فِي كِتَابِهِ عَنْ أَخِيهِ(علیه السلام) مِثْلَهُ وَ زَادَ قَالَ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ أَعْطَى رَجُلاً مِائَةَ دِرْهَمٍ يَعْمَلُ بِهَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ هَلْ يَحِلُّ ذَلِكَ قَالَ لَا هَذَا الرِّبَا مَحْضاً. ((وسائل الشيعة، ج 18، ص 137، کتاب التجارة، أبواب الربا، باب7، ح7.))

و هذه الروایة الصحیحة تدلّ على عدم ثبوت الربا بین العبد و المولى.

الروایة السادسة: روایة الفقه الرضوي

… وَ لَيْسَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَ وَلَدِهِ‏ رِبًا وَ لَا بَيْنَ‏ الزَّوْجِ‏ وَ الْمَرْأَةِ رِباً وَ لَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَ الْعَبْدِ وَ لَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَ الذِّمِّيِ‏…(( فقه الرضا، ص 258.))
و الفقه الرضوي حجّة عند بعض الأعلام مثل الصدوقین و المجلسیین و السید بحرالعلوم و المحدّث النوري و الأستاذ المحقق البهجة قدّس الله أسرارهم و هذا القول هو المختار عندنا.

نتیجة البحث:
تمامیة سند الروایات المذكورة؛ فالمختار صحّة النظریة الأولى و هي استثناء الموارد المذكورة إلا أنّ في بعض هذه الموارد مباحث نشیر إلیها.

 

التحقیق حول موارد الاستثناء من حرمة الربا

المورد الأول: الوالد و ولده

هناك أمور لابدّ أن نشیر إلیها:

الأمر الأول: إنّ هذا الحكم مختصّ بالأب فلا يشمل الأُمّ، فلا یجوز الربا بين الأُمّ و بين ولدها.

الأمر الثاني: إنّ الولد في هذا الحكم یشمل الذكر و الأُنثى و الخنثى؛ كما أنّ الحكم یشمل ولد الولد على الأقوى. و أمّا شموله للولد الرضاعي و للولد من الزنا فمحلّ إشكال. نعم الأحوط استحباباً اختصاص الحكم بالذكر.

الأمر الثالث: إذا كان أحد طرفي العقد الربوي الوالد و شریكه و الطرف الآخر الولد، فالعقد بالنسبة إلى حصّة الوالد یقع صحیحاً و بالنسبة إلى حصّة شریكه یقع باطلاً و هكذا إذا كان أحد طرفي العقد الربوي الوالد و الطرف الآخر الولد و شریكه.

المورد الثاني: الرجل و زوجته

یقع الكلام تارة في الزوجة المتمتّع بها و أُخری في المطلّقة الرجعیة.

أما الكلام في الزوجة المتمتّع بها:

فإنّه قد اختلف في المراد من الأهل هل یعمّ الزوجة الموقّتة المتمتّع بها أو تختصّ بالدائمة علی أقوال:

القول الأول: التعمیم، فإنّ التعبیر بالأهل یشمل الدائمة و المتمتّع بها لصدق الزوجة والأهل على المتمتّع بها و هو المشهور.

القول الثاني: الاختصاص بالدائمة لعدم صدق الأهل على الزوجة الموقّتة عند القائلین بهذا القول أو للانصراف عن المتمتّع بها خصوصاً إذا كانت المدّة قليلة.

القول الثالث: التفصيل بين ما اتّخذ الزوجة المتمتّع بها أهلاً اتّخاذ الزوجة الدائمة و بین ما لم یتخذ.

أمّا الكلام في المطلّقة رجعيّة:
فالظاهر أنّه لا یعدّ أهلاً و لذا لا یجوز الربا بین الزوج و المطلّقة.

المورد الثالث: المولی ومملوکه

و قد ترکنا البحث حول هذا المورد، لأنّه قلیل الجدوی.

المورد الرابع: المسلم و الحربي أو الذمي

إنّ العنوان المذكور في هذا المورد تارةً عنوان الحربي و أخری عنوان الذمّي.

و الروایات هنا متعارضة ظاهراً؛ فإنّ صحیحة زرارة تدلّ على ثبوت الربا بین المسلم و المشركین و عنوان المشرك بإطلاقه یعمّ الحربي و الذمّي لكنّ سندها یشتمل على یاسین الضریر و لذلك اشتهر بینهم ضعف سندها.

و في قبالها روایة الفقه الرضوي و مرسلة الصدوق من جانب فإنّهما تدلّان على عدم ثبوت الربا بین المسلم و الذمّی؛ و روایة عمرو بن جمیع من جانب آخر حیث تدلّ على عدم ثبوت الربا بین المسلم و الحربي.

و هنا أقوال أربعة:

القول الأول:

إنّ المشهور ذهبوا إلى عدم ثبوت الربا بین المسلم والحربي و ثبوت الربا بین المسلم و الذمّي و لذا حاولوا توجیه مرسلة الصدوق و روایة الفقه الرضوي.

قال صاحب الوسائل(قدس سره) في ذیل مرسلة الصدوق: «أقول: حمله بعض الأصحاب على الذمي الخارج عن شرائط الذمة لما مرّ».(( وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 18، ص 136.))

و أیضاً حاولوا توجیه روایة زرارة فإنّ بعضهم حملوا روایة زرارة على أهل الذمّة، و بعضهم أجابوا عنها بضعف سندها و بعضهم حملوها على الكراهة؛ قال صاحب الوسائل(قدس سره):«أقول: هذا مخصوص بالذمي لما مرّ أو محمول على الکراهة».

القول الثاني:

عدم ثبوت الربا بین المسلم و الحربي على الأحوط و عدم ثبوته بین المسلم و الذمّی على الأقوی. و هذا مختار المحقق الخوئي(قدس سره).

القول الثالث:

عدم ثبوت الربا بین المسلم و الحربي و لا بین المسلم و الذمّي؛ كما ذهب إلیه السید المرتضى(قدس سره) في الانتصار و حكي ذلك عن ابن بابویه(قدس سره) و الشیخ المفید(قدس سره).

القول الرابع:

التفصیل بین الحربي فلا یجوز المعاملة الربویة معه إلا لبیت مال المسلمین، و بین الذمّي فیجوز المعاملة الربویة معه.

التحقیق حول أدلة الأقوال:

لابدّ من ملاحظة الروایات، فإنّ صحیحة زرارة لا تعارض ما یدلّ على عدم ثبوت الربا بین المسلم و الذمّي، لأنّ أموال أهل الذمّة و أنفسهم محترمة و على هذا أهل الذمّة لا یعدّون من ممالیك المسلمین. فلا تعارض بین صحیحة زرارة و بین روایة الفقه الرضوي و مرسلة الصدوق.

و لكنّها تعارض روایة عمرو بن جمیع بدواً ، و بالنظر الدقیق ینحلّ مشكلة التعارض بینهما؛ لأنّ مدلول صحیحة زرارة ثبوت الربا بین شخص المسلم و الحربي و مدلول روایة عَمرو بن جُمَیع عدم ثبوت الربا بین أهل الحرب و بین عموم المسلمین الذي بإطلاقه یعمّ شخص المسلم و حیثیة عموم المسلمین و هذه الحیثیة ترجع إلى بیت مال المسلمین الذي تصدّاه رسول الله.

فإنّ المذكور في الروایة هو «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ أَهْلِ حَرْبِنَا رِباً» و المستفاد من ضمیر الجمع في قوله: «بیننا» هو عدم ثبوت الربا بین عموم المسلمین و أهل الحرب.

و المحتمل هنا جمعان:

الجمع الأول:

إنّ الذی یختلج بالبال بدواً هو الجمع بینهما بالتخصیص، فینتج ذلك عدم ثبوت الربا بین بیت مال المسلمین و الحربي، و ثبوته بین المسلم و الحربي.

الإیراد على هذا الجمع:
إنّ هذا الجمع ممّا لا یمكن الالتزام به؛ لأنّه مستلزم لتخصیص الأكثر فلا یمكن المصیر إلیه.

الجمع الثاني:

إنّ القاعدة تقتضي التعارض في معاملة شخص المسلم و الحربي و عدم التعارض في المعاملة الواقعة بین حیثیة عموم المسلمین و شخص الحربي. و القاعدة في مورد التعارض هو الترجیح بالشهرة و حیث إنّ المشهور عدم ثبوت الربا بین المسلم والحربي فیحكم بعدم ثبوت الربا بین الحربي و المسلم مطلقاً.

نتیجة البحث:

هو عدم حرمة الربا بین المسلم والذمّي و أیضاً عدم حرمة الربا بین المسلم و الحربي على الأظهر؛ كما أنّ الأقوی عدم حرمة الربا بین بیت مال المسلمین و الحربي.
نعم، الأحوط استحباباً الاجتناب عن المعاملات الربویة بین المسلم و الحربي، و أیضاً بین المسلم و الذمّي.
و أمّا المعاملة الربویة بین بیت مال المسلمین و أهل الحرب فلا إشكال فیها مسلّماً، لدلالة روایة عمرو بن جُمَیع على ذلك من غیر وجود معارض في البین.
نکتتان حول المورد الرابع:
النكتة الأُولى:
أنّ الكافر المعاهد ملحق بالذمّي.
النكتة الثانیة: هل یجوز إعطاء الربا للكافر؟
مقتضى التحقیق كما ذهب إلیه صاحب العروة(قدس سره) هو أنّ المراد من عدم ثبوت الربا بين المسلم والحربي جواز الأخذ من الحربي لاجواز إعطاء الربا لهم أيضاً، لما مرّ في خبر عمرو بن جمیع حیث قال رسول الله: «نأخذ منهم»
و هناك قول بالإطلاق كما نقل ذلك عن ابن البرّاج ولكن لابدّ من تخصیصه بالأخذ.
ثم مقتضى إطلاق خبر عمرو بن جمیع عدم الفرق بين كونه في دار الإسلام و عدم كونه فیها.

 

تنبیه: في استثناء بیع العرایا عن حرمة الربا

إنّ بیع العرایا جائز عند الفقهاء و إن أوجب الزیادة، و هي من المستثنیات عن بیع المزابنة، فإنّ بیع المزابنة حرام و استثني عنه بیع العرایا، فالشارع حکم بجواز بیع العرایا و إن استلزم الزیادة.

فلابدّ من تفسیر مفهومهما.

أمّا تفسیر بیع المزابنة:

قال العلامة الحلّي(قدس سره): إن المحاقلة هي بيع الحنطة في سنبلها بالحنطة الصافية على وجه الأرض، و المزابنة: بيع الرطب على رأس النخل بالتمر على وجه الأرض. ((تذکرة الفقهاء، العلامة الحلّي(قدس سره)، ج10، ص394.))

أمّا تفسیر بیع العرایا:

قال الشیخ الطوسي(قدس سره): يجوز بيع العرايا و هو جمع العرية و هو أن يكون لرجل نخلة في بستان لغيره أو دار، فشقّ دخوله بالبستان، فيشتريها منه بخرصها تمراً بتمر و يعجّله له. ((الخلاف، الشیخ الطوسي(قدس سره)، ج3، ص95.))

به اين مطلب امتياز دهيد

اين مطلب را به اشتراك بگذارید

اشتراک گذاری در telegram
اشتراک گذاری در whatsapp
اشتراک گذاری در twitter

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد.

از شما متشكریم

عضويت شما در سايت با موفقيت انجام شد

5/5

ايميل ها بزودی برای شما ارسال می شوند